في هجوم على امرأة محجّبة، راح المعتديان يتوجّهان إليها بعبارات عنصرية نابية، وطالباها بالرحيل عن البلد والعودة إلى حيث أتت، علماً أنّ هذا النوع من الكلام يشيع استخدامه في الدنمارك ويطاول الكبار كما الصغار.
تعرّضت امرأة دنماركية مسلمة تبلغ من العمر 30 عاماً إلى اعتداء من قبل زوجَين عنصريَّين دنماركيَّين في الستينيات من عمرهما، راحا يضربانها ويشتمانها بسبب حجابها. وكشفت شرطة غرب كوبنهاغن، التي ترفض التحقيق في الاعتداء على خلفية الكراهية، أنّ الحادثة وقعت صباح السبت الماضي في موقف للسيارات في مدينة سوبورغ، "وقد هاجم مسنّان تسلّحا بقفل عجلة قيادة امرأة مسلمة (محجّبة) في الثلاثينيات من عمرها، ما استوجب إدخالها إلى غرفة الطوارئ في مستشفى المدينة لتلقي علاج لإصاباتها".
وأثّرت هذه الحادثة نفسياً على الضحية وأسرتها، وسط مخاوف على حياتها وأسرتها، بالتالي رفضت الإفصاح للصحافة المحلية عن اسمها ومكان سكنها. وكشفت بعض الصحف الدنماركية، أوّل من أمس، تفاصيل ضربها على رقبتها وظهرها وإصابتها بارتجاج شديد، بعد اعتداء المسنَّين عليها في أثناء توجّهها إلى أحد المتاجر. وأفادت صحيفة "إكسترا بلاديت" بأنّ الاعتداء نفّذه الزوجان، وبدأت فيه الزوجة (65 عاماً)، عبر الطرق على نافذة سيارتها موجّهة إليها نعوتاً قاسية. أضافت أنّ الطرق على السيارة تكرر خمس مرّات مع ترديد شتائم وعبارات من قبيل "مسلمة سخيفة" و"عاهرة بيركا". والأخيرة هي شتيمة عنصرية يطلقها الدنماركيون بحقّ المهاجرين، وتمزج ما بين الكراهية ورفض الاعتراف بمواطنة المسلمين.
وتابعت الصحيفة نفسها أنّه ما إن خرج الزوج (66 عاماً)، من متجر قريب حتى ألقى ما بيده لمساعدة زوجته في الهجوم ومشاركتها بوصلة شتائم عنصرية قاسية جداً في وجه المرأة المحجّبة، من دون أن يسأل عمّا حدث أو عن سبب غضب زوجته. ثمّ أحضر من سيارته قفل مقودها (مصنوع من حديد صلب)، وسدّد ضربات لها فيما أمسكتها زوجته من الخلف. ولفتت الصحيفة إلى أنّه كان في إمكان المرأة المسلمة الدفاع البدني عن نفسها، ونقلت عنها قولها إنّها متمكّنة من "فنون القتال بهدف الدفاع عن نفسي. لكنّني أصبت بصدمة وذهول في تلك اللحظة، حين أمسكت الزوجة بي وراح زوجها فارع القامة يوجّه ضرباته لي على ظهري وكتفي وعنقي. لقد شعرت بذعر الموت لحظة الهجوم".
وما يثير العجب في حادثة العنف هذه التي استهدفت المرأة المحجّبة هو أنّ دنماركيّين آخرين وقفوا يتفرّجون على الهجوم "من دون تدخّل أيّ منهم". وتوضح الضحية للصحيفة نفسها، أنّ الأمر بقي كذلك إلى حين "خرج رجل مسنّ من أحد المتاجر وأبعد الزوجَين عنّي لحظة كان القفل يهوي على رأسي. وسمعت المسنّ الذي أبعدهما يصرخ بالرجل: هل أنت معتوه؟ ما الذي تفعله بحق الجحيم؟ وذلك في حين كان الزوجان ماضيَين في توجيه شتائم قذرة إليّ". تضيف الضحية أنّ الرجل المسنّ الذي تدخّل لم يكن لديه أيّ شك بأنّهما اعتديا عليها بسبب حجابها ولكونها مسلمة. فهو سمع ذلك منهما. وتذكر الضحية أنّه بعدما بصق المعتدي على رأسها قائلاً "إذا لم يعجبك هذا يا (...) فارحلي أنت والبقية إلى حيث أتيتم"، توجّه إليها منقذها لافتاً إلى أنّ "حجابك مستفز نوعاً ما كذلك"، وهو ما زاد صدمتها.
في ليلة الاعتداء نفسها، ألقت الشرطة الدنماركية القبض على الزوجَين لكنّها لم توجّه إليهما تهمة الاعتداء بدوافع عنصرية، بل اتّهمتهما بالعنف والتخريب، بحسب ما صرّحت شرطة غرب كوبنهاغن. وعدم تسمية الشرطة الدنماركية جرائم الكراهية بالاسم يثير سجالاً حول "قانون العقوبات" المتعلق بالعنصرية، وتتساءل المرأة المعتدى عليها عن جدوى توفّر قانون من دون تطبيقه. والشرطة في هذه الحادثة تحديداً، على الرغم من كلّ النعوت القبيحة والاعتداء الجسدي واللفظي على المرأة بسبب حجابها، تقول إنّها لا تتفق مع الضحية على أنّ الهجوم عليها كان بدوافع عنصرية.
تجدر الإشارة إلى أنّ مسلمي الدنمارك يعيشون وسط أجواء شحن عنصري لا يتوقّف منذ سنوات، إذ تتزايد مضايقة المسلمين والاعتداء على المحجّبات بمن فيهنّ اللواتي هنّ من أصول دنماركية وتُوجّه إليهنّ تهم كثيرة، لعلّ الخيانة أخفّها. ويحرّض معسكر اليمين القومي المتشدد على مسلمي البلد، مع تراخي حكومة يسار الوسط (الاجتماعي الديمقراطي)، إزاء خطاب الكراهية. ولا يمرّ يوم من دون أن يعمد حزبَا "الشعب الدنماركي" و"البرجوازية الجديدة" لبث خطاب محرّض ورافض بشكل أساسي لمواطنة المسلمين. واللافت في هذه الأجواء المشحونة بالعنصرية هو اتساع لامبالاة قسم من الشارع الدنماركي إزاء توسّع الكراهية، ومحاولة ترهيب وسائل الإعلام عند تسليط الضوء على جرائم كراهية ووصفها بذلك على أساس الخلفية الإثنية والدينية في الدنمارك.
يُذكر أنّ شعبية حزب "البرجوازية الجديدة" تضاعفت ثلاث مرّات، وفق آخر الاستطلاعات، في حين تدعو رئيسته بيرنيلا فيرموند إلى إلغاء قانون العقوبات المتعلق بالعنصرية وتبثّ بشكل دائم مواقف عنصرية مع تزايد نسب المتابعين لها. وكان استطلاع رأي آخر قد أشار قبل أيام إلى أنّ 20 في المائة من الدنماركيين يرون وجوب وضع المسلمين الذين وفدوا إلى البلاد في خلال السنوات الخمس الأخيرة في ذيل قائمة الأشخاص المصابين بفيروس كورونا الجديد المخوَّلين بتلقّي العلاجات، وهو ما أثار قلقاً لدى متخصصين اجتماعيين من انتشار العنصرية وقبولها في البلد.
وفي تعليق على الحادثة، رأى المركز الدنماركي للوقاية من الجرائم أنّ لهذه الجريمة أهميتها إذا كانت جريمة كراهية، خصوصاً إذا أتت على خلفية معتقدات الناس وأصولهم العرقية. وأشار المركز، وفق تصريحات صحافية له، أوّل من أمس، إلى أنّ الأثمان "كبيرة جداً على من يتعرّض لمثل هذه الاعتداءات".
من جهتها، أشارت الحقوقية في المركز الدنماركي لحقوق الإنسان نان مارغريتا كراوسى، في حديث إلى صحيفة "إكسترا بلاديت"، إلى أنّ "هذا الاعتداء بخطوطه العريضة هو اعتداء كراهية ومن النوع الخطير لجهة التمييز، وتداعياته كبيرة جداً، فهو لا يؤثّر فقط على الضحية، إنّما كذلك على الأصدقاء والأسرة". ورأت كراوسى أنّه "من الأهمية بمكان أن تأخذ الشرطة الاعتداء بجديّة وتتحرّى بدقّة عن جرائم الكراهية إذا ما ظهر أيّ دليل على أنّ ما وقع يأتي على خلفية عنصرية وبدوافع تتعلق بإثنية الضحية أو دينها". وأكدت كراوسى ما كانت صحيفة "إكسترا بلاديت" قد أشارت إليه من "أرقام خفية ومعتّم عليها" لجرائم الكراهية التي ترتكب في الدنمارك، قائلة "إذا شعر الضحايا بأنّهم لا يؤخذون على محمل الجدّ من قبل الشرطة، فسنكون حينها أمام مخاطر عدم تقدّم الناس بشكاوى تتعلّق بهذا النوع من الجرائم".