اعتادت الثقافة السائدة في الأردن كما في دول عدّة، عربية وغير ذلك، أن تضع أدواراً خاصة بالإناث وأخرى بالذكور استناداً إلى قيم مجتمعية ليست مبنية على الفروق البيولوجية بين الجنسَين، فالعلم والواقع يشيران إلى أنّ المرأة قادرة على الاضطلاع بمهام وأعمال عديدة كأيّ رجل، فهي قد تكون عاملة ومعلمة ومديرة وسيدة أعمال وصاحبة قرار.
ومؤخراً، أثارت كتب عمّمتها وزارة التربية والتعليم الأردنية على مديريات التربية في مختلف المحافظات بهدف تنفيذ برنامج تدريبي للمعلمين والمعلمات حول "إدماج النوع الاجتماعي في التعليم والبيئة المدرسية"، غضب بعض المواطنين وجمعيات ومنظمات محافظة.
وفي هذا الإطار، وجّه المهندس مراد العضايلة، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر الأحزاب الأردنية وأكثرها تمثيلاً في البرلمان، مذكّرة إلى وزير التربية والتعليم وجيه عويس حذّر فيها من خطورة ما وصفه بـ"الانزلاق خلف الدعوات الغربية والجهات المانحة المشبوهة". بالنسبة إليه، فإنّ هذا المفهوم للجندر سوف يؤثّر على شكل الأسرة ومعناها وتركيبتها. كذلك طالبت جمعيات ومنظمات محافظة وزير التربية بوقف تنفيذ البرنامج التدريبي للمعلمين والمعلمات، إذ رأت أنّ مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي يمثّل خطراً على قيم المجتمع وثقافته ويؤسّس للفوضى التي سوف تؤدّي إلى هدم كيان الأسرة.
وتشير وثائق وزارة التربية إلى أنّ مشروع الجندر هو تجسيد لالتزام الحكومة الأردنية بما وقّعته من مواثيق دولية، وتحقيقاً للهدفَين الرابع والخامس من أهداف التنمية المستدامة 2030، وهو كذلك تجسيد لخطط الوزارة الاستراتيجية للتعليم. فهذا الموضوع انطلق في عام 2010، عندما تأسّس قسم النوع الاجتماعي في وزارة التربية والتعليم كجزء من إدارة التخطيط والبحث التربويَّين. وترى الوزارة أنّ نتاج المشروع هو التفريق ما بين موضوع الجنس كموضوع بيولوجي وبين موضوع النوع الاجتماعي كموضوع ثقافي مجتمعي، والابتعاد عن السلوكيات النمطية التي أوجدتها الثقافة. فالبرنامج يقدّم أدواراً للمرأة إيجابية وإنتاجية ومجتمعية وسياسية، وبهدف محاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي بأشكاله: التسلط والإجبار والعدوان اللفظي والعدوان الجسدي والاحتقار والكراهية والهجر وتقليل المكانة.
يقول الخبير التربوي ذوقان عبيدات لـ"العربي الجديد" إنّ "مشروع النوع الاجتماعي في وزارة التربية يهدف إلى إنصاف المرأة وتوفير فرص متكافئة لها في الحياة، لذلك يرى هذا المشروع أنّ المناهج وسيلة لتربية التلاميذ على احترام دور المرأة وتقديرها ومنحها الفرص اللازمة لإثبات ذاتها وإشراكها في حياة المجتمع". ويوضح عبيدات وهو من أبرز الذين شاركوا في تطوير المناهج والكتب المدرسية، أنّ "الهدف من المشروع هو تضمين المرأة في الكتب المدرسية، كماً ونوعاً، بالنسبة نفسها التي تُخصَّص للرجل. فنتحدّث عن النساء في المجتمع كما نتحدّث عن الرجال، فنانين وفنانات وأطباء وطبيبات. كذلك يكون عدد الأسماء في الكتب مناصفة بين الذكور والإناث، وتكون الأدوار التي تضطلع بها النساء في المجتمع مماثلة لأدوار الرجال، فلا تُربَط المرأة بالمطبخ والرجل بالعمل خارج المنزل، بل يقوم الكلّ بمهام متشابهة، مع الابتعاد عن التنميط من خلال ربط الرجال بأعمال معيّنة والنساء بأعمال أخرى". يضيف عبيدات أنّ "الأدوار الحياتية يقوم بها الرجل والمرأة من دون تمييز، كلّ بحسب قدراته. ثمّة اختلافات بيولوجية بينهما، لكنّها لا تمنع وجود طبيبة وفنانة ومقاتلة، بمعنى أنّ دور المرأة لا يقتصر على تنظيف المنزل والطبخ والعناية بالأطفال فقط".
ويبيّن عبيدات أنّ "النوع الاجتماعي أثار ردود فعل عند فئات محافظة في المجتمع، لدرجة أنّه قيل إنّه يهدف إلى الانحلال الاخلاقي، فيما ذلك مجاف للحقيقة. فوزارة التربية الأردنية ملتزمة بالقوانين والمنظومة الأخلاقية التي تؤطر العلاقات في المجتمع، والأردن يتحفّظ على بنود الاتفاقيات الدولية التي تمسّ بثوابت المجتمع". ويؤكد أنّ "هذا الموضوع يُعنى بكرامة المرأة واستقلاليتها، وليس من ضرر في التركيز عليها في المناهج والكتب المدرسية. وعلى التلميذ أن يعلم منذ الصفوف التمهيدية أنّ العمل المنزلي مهمة مشتركة بين الرجل والمرأة، وأنّ مصروف البيت تشاركي كذلك بين الطرفَين". ويشدّد عبيدات على "أهمية التعامل في المناهج مع المرأة كشخص مستقل وليس كملحق بالرجل ومكمّل له. فبرنامج النوع الاجتماعي يحفظ للمرأة مكانتها ولا يتجاوز ذلك إلى العلاقات التي تربط بين الأفراد. وعلى التربويين تصحيح الأخطاء الاجتماعية وإعادة الدور الحقيقي للمرأة".
من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي، خولة القدومي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من الأفضل تناول موضوع الجندر في المناهج بشكل غير مباشر"، مشيرة إلى أنّ "المناهج الحالية جيّدة ومنصفة للرجل والمرأة". وترى "أهمية إعطاء صور واقعية إيجابية للمرأة وغير مجمّلة، وأن تكون مرتبطة بقصص النجاح محلياً أو على المستوى العالمي". تضيف القدومي أنّه "في المناهج القديمة، كانت الأمثلة أن الأم تطبخ فيما الأب يعمل. لكنّ ذلك بدأ يتغيّر منذ فترة، ليُحَدّ من التمييز بين الرجل والمرأة. فهي تعمل وهو يعمل. وهي معلمة وهو معلم".
وتلفت القدومي إلى "أهمية توصيل هذه الرسائل منذ الصفوف التمهيدية، قبل أن تترسّخ الصورة النمطية المجتمعية التي تفيد بأنّ الرجل أفضل من المرأة في أذهان التلاميذ، بهدف كسر الصورة النمطية وبشكل حقيقي وواقعي يتماشى مع التغيّرات في المجتمع". وتربط القدومي التمييز ضدّ المرأة بـ"التربية الأسرية، ثمّ ينتقل الأمر بعد ذلك إلى المدرسة والفضاء العام"، مشددة على "أهمية تغيير هذه الصورة النمطية التي تبدأ بتفضيل الأبناء الذكور على البنات الإناث في أغلبية الأسر الأردنية".
وتتابع القدومي أنّ "ثمّة مفهوماً خاطئاً لدى البعض عن فكرة إدخال الجندر إلى المناهج، إذ يُعتقد بأنّه يراد من ذلك استقواء المرأة على الرجل، فيما الهدف هو العدالة والمساواة. ولا بدّ للمرأة أن تحصل على حقوقها". وتتساءل: "لماذا لا تكون حقيبة وزارة التربية بيد امرأة؟". لافتة إلى أنّ "المرأة لا تحصل على حقها. فالمجتمع والحكومات لا يملكان إيماناً حقيقياً بحقّ النساء وقدرتهنّ على تولّي المناصب العليا بعدالة".
وتوضح عبيدات أنّ "الثقافة الذكورية ليست حكراً على الرجال، بل أحياناً ترتبط بالنساء. ثمّة أمهات يميّزنَ بين الابن والابنة في موروث اجتماعي يحتاج إلى الوقت حتى يتغيّر". وتشدّد على "أهمية تأهيل المعلمين في هذا الإطار من أجل توصيل المعلومات بشكل إيجابي للتلاميذ، بهدف تجنّب أيّ آثار سلبية للموضوع على المجتمع في المستقبل".