كررت قوات الاحتلال الإسرائيلي في 21 فبراير/ شباط الماضي اعتقال الفلسطيني المكفوف عز الدين عمارنة (50 عاماً)، المتحدر من بلدة يعبد جنوب غرب جنين شمال الضفة الغربية، وذلك لمدة ستة أشهر ضمن إجراء الاعتقال الإداري بلا توجيه تهمة إليه.
يقول ابنه الأكبر أحمد لـ"العربي الجديد": "هتف والدي لجنود الاحتلال الإسرائيلي بأن ينتظروا قليلاً كي يفتح الباب لهم بدلاً من اقتحام المنزل، لكنهم فجروه. ورغم أنهم يعرفون أن والدي شخص مكفوف نزعوا عنه نظارته وعصبوا عينيه خشية أن يرى، فطلب منهم إرجاعه إلى المنزل كي يأخذ أدويته الخاصة بالقرحة في المعدة والمشاكل الجلدية التي يعاني منها في القدمين واليدين، لكنهم لم يستجيبوا له واقتادوه إلى جهة مجهولة، وبقينا يومين كاملين لا نعرف مكان اعتقاله".
وينقل أحمد خشية العائلة من ظروف اعتقال والده واحتمال مواجهته عمليات القمع الاعتيادي الوحشي الجماعي فيها، ويقول: "لن يستطيع أبي التصرف في هذه المواقف. كيف سيحمي نفسه، وكيف سيبتعد عن الجنود الذين يتصرفون بوحشية. نعرف أنّ الأسرى من المبصرين غير قادرين على حماية أنفسهم في مثل هذه المواقف الصعبة، فكيف حال والدي الذي يحتاج أيضاً إلى أن يرافقه أحد الأسرى في خطواته خصوصاً خلال حصص الزيارات، علماً أنّه سقط مرات خلال اعتقالاته السابقة في السجون الصحراوية، وتعثر بين الخيم التي يستصعب المشي بينها".
ويؤكد أحمد عمارنة أنّ والده واجه مواقف صعبة جداً خلال الاعتقالات المتكررة التي تعرض لها في أعوام 1993 و1994 و1996، وكانت جميعها اعتقالات إدارية، كما حكم عليه بالسجن خمس سنوات عام 2001 بتهمة المشاركة في نشاط ضد الاحتلال الإسرائيلي، والانتماء إلى حركة "حماس" التي يعتبر أحد قادتها في الضفة الغربية.
ويشير إلى أنّ والده اعتقل إدارياً أيضاً لأشهر عدة في أعوام 2016 و2017 و2018. لكنّ كلّ هذه الاعتقالات، لم تمنع عز الدين الذي يعمل موظفاً في وزارة الأوقاف الفلسطينية، من الحصول على شهادة الدكتوراه في الفقه الإسلامي وأصوله من جامعة المدينة العالمية في ماليزيا.
ويخبر أحمد أنّ والده "بكى مرات كثيرة حين كنا نزوره في السجن صغاراً. أخي مجاهد المسجون حالياً أيضاً، كان عمره ثلاثة شهور فقط عندما اعتقل والدي للمرة الأولى. وعندما خرج والدي من السجن سأل مجاهد والدتي متى سيعود والدي إلى منزله في السجن، لأنّه معتاد على غيابه عن البيت". وكان مجاهد، أصغر أبناء عز الدين، اعتقل قبل ثلاثة أشهر، وأرجأ الاحتلال محاكمته حتى مارس/ آذار الجاري.
وبين أصعب المواقف التي واجهتها عائلة عز الدين وهو شخصياً، منع الزيارات عنه والتي قد تخفف عن الأسرى بعض مرارة اعتقالهم وابتعادهم عن الأهل، خصوصاً أنّه عاجز عن رؤيتهم من وراء الزجاج أو الشباك.
وعن أساليب تعامل الاحتلال الإسرائيلي مع أوضاع الأسرى ممن لديهم إعاقات مثل عز الدين، تقول مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة لـ"العربي الجديد": "يتعمد الاحتلال الإسرائيلي استغلال الوضع الخاص للأسير من ذوي الإعاقة للتنكيل به مثلما يفعل مع باقي الأسرى، وهو يوسع رقعة التنكيل لزيادة سوء وضعه الصحي والجسدي، وتحويل الإصابات والجروح والأمراض والإعاقات إلى نقاط ضعف يستهدف فيها تدميره وإضعافه والضغط عليه".
ويعتبر عز الدين عمارنة الأسير الوحيد من الأشخاص المكفوفين حالياً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ممن لديهم فقدان كلي للبصر، بينما يتهدد فقدان البصر الأسيرين محمد أبراش وخالد دراغمة، بعدما أشارت تقارير طبية أخيراً إلى معاناتهما من مشاكل حادة في العيون.
ولا يملك نادي الأسير الفلسطيني أو جهات أخرى إحصاءات دقيقة عن عدد الأسرى من الأشخاص ذوي الإعاقة، بسبب وجود عشرات الأسرى ممن لديهم إصابات في أطرافهم، خصوصاً أولئك الذين أوقفوا خلال انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، والهبّة الشعبية عام 2015. وتشير سراحنة إلى أنّ 6 أسرى لديهم إعاقات حركية واضحة وصعبة، وهم ناهض الأقرع، ومنصور موقدة، وخالد الشاويش، وصالح الصالح، ورمزي أبراش، شقيق الأسير محمد أبراش، وإسراء جعابيص.