الأمطار تداهم النازحين في قطاع غزة وتزيد معاناتهم

22 سبتمبر 2024
في مخيم نزوح عشوائي في رفح، جنوب قطاع غزة، 2 فبراير 2024 (محمد عابد/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **معاناة الفلسطينيين في غزة مع الأمطار والنزوح القسري**: الأمطار تزيد من معاناة الفلسطينيين المهجرين في خيام مهترئة وسط بنية تحتية مدمرة وبرك مياه الصرف الصحي.

- **تفاقم الأزمات الإنسانية بسبب الأمطار والقصف المستمر**: الأمطار والقصف المستمر يعقدان الأوضاع الإنسانية، مع تحذيرات من السيول وأوامر إخلاء إضافية، مما يقلص المساحة المتاحة لسكن المهجرين.

- **التحديات الصحية والمعيشية في ظل تدمير البنية التحتية**: الأمطار تفاقم أزمة مياه الصرف الصحي وتساهم في انتشار الأمراض، مع نقص شديد في الاحتياجات الأساسية بسبب الحصار الإسرائيلي.

تأتي أمطار فصل الخريف الأولى لتضاعف معاناة الفلسطينيين الذين هجّرتهم الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ نحو عام، والذين لا يملكون سوى خيام أو شوادر مهترئة تقيهم المطر، في حين أنّ أسقفاً من إسمنت ما زالت تقي عدداً قليلاً من المحظوظين. وقد أثارت هذه الأمطار مخاوف كثيرين شرّدهم الاحتلال، وقد أجبرهم على النزوح مرّات عديدة من خلال أوامر إخلاء أو بالقصف. هؤلاء استعادوا ما عاشوه في فصلَي الخريف والشتاء الماضيَين، في الأشهر الأولى من الحرب، علماً أنّ قطاع غزة لم يكن حينها قد دُمّر إلى هذه الدرجة، وعلماً أنّ فلسطينيين كثيرين كانوا لا يزالون في بيوتهم قبل أن يُهجَّر أكثر من 90% منهم.

وبينما تُعَدّ الأمطار "نعمة"، فإنّ الفلسطينيين الذين هجّرتهم آلة الحرب الإسرائيلية يرون فيها اليوم "نقمة". وهو أمر يبدو بديهياً بالنسبة إلى هؤلاء الذين لا يملكون سقفاً حقيقياً يحميهم من البلل، فيما الأمطار المتساقطة عليهم تعني غرقاً أكبر في الوحول وظروفاً أشدّ صعوبة وسط بنية تحتيّة مدمّرة وبرك من مياه الصرف الصحي وأكوام من النفايات، سوف تزداد مخاطرها مع السيول الناجمة عن الأمطار. وبالتالي تتحوّل الأمطار اليوم إلى تهديد مستجدّ يُضاف إلى كلّ ما يواجهه أهل قطاع غزة المحاصر والمستهدف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الفلسطينيين في قطاع غزة لم يتوانوا عن الدعاء بألا تطول أزمتهم، وبألا تعود الأمطار مرّة أخرى وهم يعانون التهجير والعدوان وكلّ ما يمكن أن يتّصل بهما. ولا يخفي كثيرون من هؤلاء حاجتهم الماسة إلى خيام جديدة بدلاً من تلك المهترئة التي لم تسلم ممّا خلّفته فيها أشعة الشمس في فصل الصيف المنصرم، كأنّهم بذلك يتوقّعون أن تمتدّ محنتهم على فصلَي الخريف الجاري والشتاء المقبل ربّما أكثر.

وتتزامن الأمطار الأولى من فصل الخريف مع عمليات القصف التي لا تهدأ، لا سيّما الغارات التي تلاحق الفلسطينيين أنّى وجدوا مأوى لهم، في وقت لا تبدو فيه نهاية الحرب قريبة ولا الحلول الممكنة للأزمات التي نجمت عن هذه الحرب، وفي وقت تبدو الحاجة فيه كبيرة وملحّة إلى مساعدات بمختلف أنواعها.

وتترافق الأمطار الأخيرة مع تحذيرات متتالية تصدرها بلديات قطاع غزة، لا سيّما في مناطق الوسط (محافظة دير البلح) والجنوب (محافظتا خانيونس ورفح) التي تستقبل مئات آلاف النازحين قسراً، تطالب من خلالها بضرورة إخلاء المناطق المحاذية للبحر وبرك المياه، خوفاً من تشكّل سيول عارمة وبالتالي انجراف خيام أو غرقها إلى جانب تعريض حياة شاغليها للخطر. وتُضاف هذه التحذيرات إلى أوامر الإخلاء التي تصدرها قوات الاحتلال، الأمر الذي يؤدّي إلى تقلّص المساحة المتاحة لسكن المهجّرين أكثر فأكثر.

ويحلّ فصل الخريف في حين أنّ نحو مليونَي فلسطيني صاروا مهجّرين، وقد أُجبروا على إخلاء منازلهم ومناطقهم السكنية بفعل القصف الإسرائيلي المستمرّ والمجازر المتلاحقة. ويعيش هؤلاء في خيام مهترئة من البلاستيك والقماش غير قادرة على مواجهة الأحوال الجوية القاسية، خصوصاً في ظلّ نقص كبير في الخيام الجديدة والشوادر والنايلون لمنع مياه الأمطار من التسرّب إلى داخلها، وفي ظلّ الغلاء الشديد المتعلّق بكميات قليلة من الخيام المعروضة للبيع.

وإلى جانب التحديات القاسية التي يفرضها النزوح القسري الذي يفتقر الفلسطينيون خلاله إلى أدنى مقوّمات الحياة الأساسية، تهدّد الأمطار بتشكيل سيول في مناطق المخيمات حيث الأرض ترابية مخصّصة للزراعة أو رملية، الأمر الذي قد يُغرق أعداداً كبيرة منها. كذلك فإنّ الرياح القوية التي قد تتشكّل في وقت لاحق من فصلَي الخريف والشتاء، قد تتسبّب في اقتلاع وتهشيم مئات الخيام، من بينها تلك التي تقوم على ركائز خشبية.

وبعد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية في قطاع غزة وتدمير ما يزيد عن 70% منها، تأتي زخّات المطر الأولى لتهدّد بتفاقم أزمة مياه الصرف الصحي التي تغرق أنحاء عديدة من القطاع، بسبب عدم القدرة على تصريفها نتيجة تدمير شبكاتها والانقطاع التام للتيار الكهربائي الذي من شأنه تشغيل محطات ومراكز معالجة تلك المياه. يُذكر أنّ أزمة المياه العادمة ساهمت في ظهور فيروس شلل الأطفال من جديد في قطاع غزة، ورصد إصابة أولى فيه بعد 25 عاماً على اجثاث المرض في المنطقة، وقد تفاقم الأمطار المتوقّعة الأزمة الصحية القائمة التي تحاول جهات معنية عديدة تطويقها، لا سيّما من خلال حملة التطعيم الطارئة التي انتهت جولتها الأولى.

النازح الفلسطيني صبحي أبو العيش، هُجّر في الشهر الأول من العدوان الإسرائيلي من منطقة الرمال وسط مدينة غزة، شمالي القطاع، بفعل قصف قوات الاحتلال الشرس وأوامر الإخلاء والتهديدات التي وجّهتها إليه السلطات بإلزامية التوجّه نحو المناطق الجنوبية. يخبر أبو العيش "العربي الجديد" بأنّه لم يعرف الراحة منذ اليوم الأوّل من نزوحه، بفعل الأزمات المتلاحقة والمتصاعدة، مشيراً إلى أنّه فقد مصدر دخله بعدما دمّر الاحتلال بيته ومحل الألبسة الذي يملكه. يضيف أبو العيش أنّ "شوارع قطاع غزة لطالما كانت تطفح بالسيول الناجمة عن الأمطار، حتى قبل بدء الحرب الأخيرة، وذلك بفعل الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ نحو 17 عاماً، لكنّ الأزمة تفاقمت مع هذه الحرب بسبب تدمير البنية التحتية".

من جهته، يروي النازح الفلسطيني خالد السالمي لـ"العربي الجديد" أنّ خيمته البلاستيكية اهترأت خلال نزوحه المتكرّر من منطقة إلى أخرى، وهي بالتالي غير قادرة على حمايته وحماية أسرته المكوّنة من أربعة أفراد من "نسمة هواء بسيطة". ويقرّ بأنّ "الأمطار والرياح (المتوقّعة لاحقاً) تمثّل هاجساً لأفراد أسرتي، بسبب انعدام البدائل وعدم قدرة الخيمة على مواجهة تقلّبات المناخ". ويشير السالمي إلى أنّه اضطر، خلال نزوحه الأخير، إلى نصب خيمته على شاطئ بحر مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، وهو الأمر الذي يزيد الإرباك داخل أسرته اليوم.

بدوره، نصب النازح أيمن السويسي خيمته على شاطئ بحر دير البلح، ويحكي لـ"العربي الجديد" عن التحديات المركّبة التي يواجهها مذ هُجّر للمرّة الأولى، بفعل "النقص الشديد في الاحتياجات الأساسية، والعيش وسط ظروف معيشية وأمنية ومناخية صعبة تزيد من مخاطر إصابة أطفالي بالأمراض، في حين لا تتوفّر الأدوية جرّاء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر"، وسط تشديد الحصار على القطاع.

المساهمون