قد يكون تناول مأكولات معينة مريحاً لأشخاص كُثر باعتباره يكافئ يومهم الطويل في العمل، أو يشكل وسيلة لكسبهم الطاقة من أجل إكمال مهمات صعبة، أو فرصة للقاء لطيف في المساء. لكن آخرين قد يملكون رغبة قهرية وغير منضبطة في تناول مأكولات معينة، خصوصاً تلك "السريعة" ذات النكهة المفرطة، ما قد يؤثر على أدائهم اليومي وقدرتهم على استكمال أدوار ينفذونها في حياتهم الاجتماعية أو العملية أو الأسرية.
يورد تقرير نشرته مجلة "ّذا كونفرزيشن" أن "أشخاصاً كُثراً يصابون بإدمان على المأكولات، بسبب رغبتهم الشديدة في تناولها من دون الشعور بجوع، وقد ترتبط دوافعها بالحالة المزاجية السيئة أو بمرض ذهني مثل الاكتئاب والقلق، أو بالمستويات العالية من التوتر أو المشاعر المتزايدة".
عموماً، ليس "إدمان الطعام" اضطراباً يمكن تشخيصه سريرياً، لكن المرضى يسألون مقدمي الخدمات الصحية عن كيفية إدارتهم عملية تناول الطعام الذي يتسبب في إدمانهم. وهم يلقون إجابات عن آليات الإدمان على الأكل، ويخضعون لتقييم علامات سلوك الأكل من خلال "مقياس ييل لإدمان الغذاء"، لكنهم لا يحصلون على علاجات ذات فاعلية مؤكدة، في وقت يلاحظ الباحثون أن مسارات الإدمان والمكافأة في الدماغ الناتجة من الإجهاد والعواطف المتزايدة والأمراض العقلية مرتبطة بالرغبة في الإفراط في تناول الطعام، وكذلك بوفرة الوجبات السريعة وإعلاناتها، والمكونات الشهية لمأكولات مصنّعة مختلفة، تدفع الناس إلى تناول الطعام أكانوا جائعين أم لا.
ويتحدث بعض الأشخاص عن عدم قدرتهم على التحكم في طعامهم، بغض النظر عن الرغبة، ويطلبون المساعدة. وتشير إحصاءات إلى أن واحداً من كل ستة أشخاص يشكلون نسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة يواجهون مشاكل الإدمان على الأكل. ويربط اختصاصيو إدمان الطعام ذلك بالمأكولات السهلة المنال والمطلوبة جداً والتي تتضمن مزيجاً من مكونات الطاقة والدهون والملح والسكر، ما يجعل قيمتها الغذائية منخفضة. ويشمل ذلك الشوكولاتة والحلويات والمأكولات الجاهزة والمنتجات المخبوزة.
وتمنح هذه المأكولات مستويات عالية من المكافأة الذهنية، ما يحتم انجذاب أفكار الناس إليها، خصوصاً أنها قد ترفع من حالتهم المزاجية وتشتت عقلهم عن الأفكار المقلقة أو المؤلمة. ومع مرور الوقت، قد يتناول الشخص المزيد من هذا الطعام للحصول على مشاعر المكافأة ذاتها. ويعني ذلك أن الطعام يشغل أفكار الأشخاص الذين يعانون من الإدمان، في حين يكسب آخرون مشاعر الرضا.
واللافت أن الجدل مستمر حول تسبب مكونات الطعام أو سلوك الأكل نفسه بالإدمان، أو كلا الأمرين معاً، لأن الناس يستهلكون المأكولات لأسباب كثيرة، كما يمكن أن يتآلف الأشخاص مع عادات في شأن مأكولات معينة، وهذا الأمر يختلف بين شخص وآخر.
وتكشف دراسة أجرتها أستاذة التغذية والحمية في جامعة نيوكاسل البريطانية، ريسي بوروز، والباحثة في علم التغذية بالجامعة ذاتها ميغان واتنال أن أشخاصاً كُثراً يعانون من الإدمان على الأكل ينسبون سلوكياتهم إلى تجارب متنوعة، بعضها مؤلمة، حدثت في طفولتهم، ودفعتهم إلى اتباع نظام غذائي أو ممارسات مقيّدة في الأكل ارتبطت بامتلاكهم صورة سيئة عن أجسامهم، أو عدم الرضا عنها.
ووجدت الدراسة أن الأكل الذي يسبب الإدمان في سنوات المراهقة يرتبط بنوعية حياة متدنية وبتقليل احترام الذات، وأنه يزداد شدة بمرور الوقت. وأشارت إلى أن الأطفال والمراهقين أقل إدماناً على الأكل من البالغين.
وفي شأن علاج الإدمان على الأكل، اعتبرت الدراسة أن تنوع أسباب الإدمان على الأكل، تمنع توفير علاجات بمقياس واحد يناسب الجميع، لذا لا بد من تجربة مجموعة كبيرة من العلاجات، بينها وسائل دعم المساعدة الذاتية، وتناول أدوية مثل "نالتريكسون" و"بوبروبيون" التي تستهدف الهرمونات المرتبطة بالجوع والشهية، وتعمل لتقليل تناول الطعام. وأيضاً، إجراء جراحة للسمنة من أجل إنقاص الوزن، تلحظ ربط المعدة عبر وضع شريط قابل للتعديل حول الجزء العلوي منها للضغط وتقليل الشهية.
وأثبتت الأدوية وجراحة السمنة فعّاليتها في إنقاص الوزن وتقليل أعراض إدمان الطعام لدى بعض الأشخاص، لكنها قد لا تناسب البعض، مثل أولئك في نطاق الوزن الصحي أو الذين يعانون من ظروف صحية أساسية معقدة، علماً أنه من المهم أيضاً أن يُنصح الأشخاص الذين يتلقون الأدوية والجراحة بإجراء تغييرات في النظام الغذائي، ونمط الحياة.
وتقترح الباحثتان بوروز وواتنال طرقًا شاملة لإدارة الأكل الذي يسبب الإدمان، استناداً إلى نهج تغيير السلوك الذي لحظ تلقي مشاركين عبر الإنترنت تعليقات شخصية حول أعراضهم من الأكل والنظام الغذائي والنشاط البدني والنوم، وصياغة الأهداف وقوائم الإلهاء وخطط اليقظة.
وبعد ثلاثة أشهر، بدأت تجربة العلاج من خلال اختبار البرنامج المناسب لكل شخص، وتأثيره على تقليل أعراض إدمان الطعام وتحسين الصحة العقلية.