الاحتلال الإسرائيلي يواصل تفريق شمل عائلات غزة

02 يوليو 2024
عائلات غزة من نزوح إلى نزوح، خانيونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العدوان الإسرائيلي المستمر للشهر التاسع يفرض واقعاً مؤلماً على سكان غزة، مع فصل المحافظات ونزوح قسري لآلاف العائلات بحثاً عن الأمان، وسيطرة الاحتلال على الطرق الرئيسية مانعة العودة.
- النزوح يخلق قصصاً مؤلمة من الفراق والحرمان بين أفراد الأسرة، مع بقاء بعض الرجال لحماية الممتلكات ونزوح الأسر لمناطق أكثر أماناً، مما يؤدي إلى تأخير في لم شملهم.
- تكتيكات الاحتلال تزيد معاناة الفلسطينيين، مثل النزوح الفردي الإجباري وإجبار الشبان على النزوح تحت خداع الحصول على مساعدات، مما يعمق جراح المجتمع ويؤثر على تماسكه الاجتماعي.

يتسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة للشهر التاسع على التوالي في تفريق شمل الآلاف من عائلات غزة عن طريق النزوح القسري، بعد أن فصل بحواجزه العسكرية مُحافظتي غزة والشمال عن المُحافظات الوسطى والجنوبية، ما يُضيف معاناة أخرى إلى التحديات التي يُعاني منها الفلسطينيون خلال حرب الإبادة، والتجويع، والتهجير، والحِرمان.

وتفصل قوات الاحتلال شمال القطاع عن جنوبه عبر السيطرة على شارع صلاح الدين شرقا، وشارع الرشيد الساحلي غربا، ولا تسمح القوات المُدججة بالأسلحة والمتمترسة داخل الآليات العسكرية، والمدعومة بسلاح الجو، وسلاح البحرية للنازحين بالعودة إلى بيوتهم وأسرهم، فيما يستهدف بشكل مُباشر كُل من يُحاول حتى الاقتراب من المحاور الفاصلة.

عائلات غزة بين النزوح والبقاء لحماية الممتلكات

ومنذ بزوغ فجر يوم الجمعة الأولى في الحرب، والتي صادفت اليوم السابع للعدوان، بدأ عشرات الآلاف بالنزوح نحو المناطق الوسطى والجنوبية، وقد شارك بالنزوح عائلات وأسر بأكملها، فيما فضّل العديد من أرباب الأسر ومنهم الفلسطيني باسل التالولي إيصال الزوجة والأبناء نحو المناطق الآمنة، والبقاء داخل البيت أو المنطقة، للحفاظ على الممتلكات، على اعتبار أن أمد الحرب والفراق والنزوح لن يطول.

الصورة
عائلات غزة من نزوح إلى نزوح، خان يونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)
تتشارك عائلات غزة النازحة قسرا في شعور الفقد والحرمان، خان يونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)

لم يُعانق الفلسطيني باسل التلولي توأمه تالين وألين مُنذ ما يزيد عن سبعة أشهر، بعد أن فَرّقه الاحتلال الإسرائيلي قسرا عن أسرته الصغيرة، التي نزحت نحو مدينة دير البلح وسط القطاع طلبا للأمن، وهرباً من جحيم الحرب فيما بقي مع عدد من أبناء العائلة لحفظ البيوت والممتلكات في شمال القطاع، كحال العديد من عائلات غزة.

يقول التلولي لـ"العربي الجديد" إن تجربة الجولات والحروب السابقة التي مرت بها غزة، والتي كانت تنتهي خلال أيام أو أسابيع قليلة، لم تدعه يفكر كثيراً بإجلاء أطفاله وزوجته لبيت أقاربهم في المنطقة الوسطى، على اعتبار أنها فترة وستنقضي كما انقضت الحروب السابقة بقسوتها ومرارتها.

ويلفت التلولي إلى أنّ ما زاد من شعوره بصواب القرار، هو قدرته خلال الأسابيع الأولى على التحرك، وزيارة زوجته وأطفاله، قبل أن يتم تقسيم القطاع، وفصل شماله عن جنوبه، مما ساهم في تقسيم العديد من عائلات غزة وأسرها، قائلا : "اعتقدنا أن ذلك الفصل مؤقت وسينتهي، إلا أننا دخلنا الشهر التاسع للحرب، ومنها سبعة أشهر لم أتمكن من عناق أسرتي وهو الأمر الذي لم أتخيله حتى في أسوأ الكوابيس".

واختلفت أشكال وقصص النزوح الجَماعي، أو الفردي، فبعض الأسر نزحت بأكملها دون اصطحاب أي أدوات أو مستلزمات على اعتبار أنّ الحرب لن تطول، فيما نزح البعض دون أسرته، أو الأسرة دون بعض أفرادها، أو دون معيلها الأساسي، إلا أنّ ما يجمع كل أصحاب تلك القصص، هو شعور الحرمان والفقد، الذي باتوا يعيشونه داخل بلدهم الذي قطّع العدوان أوصاله عبر الحواجز والمحاور العسكرية.

وفي العديد من الحالات لم يكن النزوح اختيارياً كما حصل مع الفلسطيني هشام أكرم من حيّ الشجاعية شرقي مدينة غزة ومعه مجموعة من الشُبان، الذين تعرضوا لعملية خداع إسرائيلية أجبرتهم على النزوح إلى جنوب قطاع غزة، فيما بقيت أسرهم شمالا دون معيل أو سند.

الصورة
عائلات غزة من نزوح إلى نزوح، خان يونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)
أزمة تشتت شمل الأسر الفلسطينية بدأت مع اليوم الأول للحرب، خانيونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)

وعن تفاصيل ما حدث معه، يوضح أكرم لـ"العربي الجديد" أنه اختار البقاء مع أسرته داخل مدرسة ايواء على الرغم من خطورة الأوضاع داخل مدينة غزة، وعلى الرغم من المجاعة والنقص في كل شيء، مشيراً إلى أنه "مع اشتداد أزمة الطحين شمالي القطاع قبل أربعة أشهر ذهبنا برفقة مجموعة من الشبان إلى دوار النابلسي جنوب غرب مدينة غزة وهو مكان وصول المساعدات، حينها طلب منا ضابط إسرائيلي عبر مُكبر الصوت التقدم للحصول على الطحين، شعرنا بالخوف ولم نتقدم، فيما تقدم شخص واحد، وحصل فعلا على الطحين وعاد سالما، ما شجّع بقية الشُبان على التقدم، لكننا فوجئنا بمُحاصرتنا من قبل جنود الاحتلال، وإجبارنا على النزوح الفوري نحو جنوب القطاع بعد مصادرة هواتفنا وأمتعتنا".

ويُبين أكرم أنه لم يستفق من هول الصدمة سوى بعد عدة أيام، حيث خرج للحصول على طحين لأسرته شمالا، فوجد نفسه ينزح نحو الجنوب دون القدرة على الاتصال بزوجته، لإخبارها بتفاصيل ما جرى، ويقول: "تعمّد الاحتلال الإسرائيلي خداعنا لتيقنه بأننا أرباب أسر، أجبرنا الجوع على المُخاطرة للحصول على الطحين والمواد الغذائية، إلا أنه قام بتهجيرنا قسرا وترك أسرنا دون معيل في هذه الظروف الصعبة والمُعقدة".

الصورة
عائلات غزة من نزوح إلى نزوح، خان يونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)
أجبر الاحتلال الآلاف من عائلات غزة  على النزوح، خان يونس، 1 يوليو 2024 (فرانس برس)

أما الفلسطيني اسماعيل الزيناتي، فقد بقي برفقة زوجته شمالي قطاع غزة، فيما غادرت عائلتها نحو مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة، وقد أوصل زوجته لزيارة عائلتها خلال الأسابيع الأولى للعدوان، فيما عاد هو للبيت، وقد اتفق مع شقيق زوجته على ايصالها لبيتها بعد زيارتهم لعدة أيام.

ويلفت الزيناتي بحديثه لـ "العربي الجديد" إلى أن تصاعد الأحداث خلال تلك الفترة، وما تلاها من فصل كامل لشمال قطاع غزة عن جنوبه، لم يُمكن زوجته وأطفاله الأربعة من الرجوع إلى بيتهم، مضيفا: "في البداية اعتقدت أن الامر خير، وأن ابتعادهم عن ضراوة الأحداث في غزة قد يُبقيهم في دائرة الأمان، إلا أن شهور البُعد طالت، ولا يزال الخطر يحيط بزوجتي وأطفالي في المناطق التي يدعي الاحتلال بأنها آمنة، وهي ليست كذلك، حيث تشهد قصفا متواصلا دون تحذيرات مُسبقة".

ويُشير الزيناتي إلى قساوة العيش في غربة داخل البلد، ومرارة أن يفصل جنوب القطاع الذي لا تتجاوز مساحته 360 كيلومترا عن شماله، في الوقت الذي تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي حُرية الحركة بين المُحافظات، في محاولة لزيادة الآثار الكارثية للعدوان المتواصل، والذي تزيد قساوته وشراسته يوما تلو الآخر.
وفي مسعى من الاحتلال الإسرائيلي إلى مُضاعفة الأزمات التي تعيشها الأسر الفلسطينية، فإنه يفرج عن بعض الأسرى الذين تم اعتقالهم من المحافظات الشمالية بعد رحلة تعذيب واخفاء قسري داخل المعتقلات والمُعسكرات سيئة السمعة، ونقلهم من خلال معبر كرم أبو سالم إلى جنوب قطاع غزة، لمواصلة الشق الآخر من الحرمان والبُعد عن الأهل، عبر النزوح الفردي الإجباري، مما يضعاف معاناة عائلات غزة.

يذكر أن أزمة تشتت شمل الأسر الفلسطينية، التي كان يضرب المثل بترابطها القوي، بدأت مُنذ الأسبوع الأول للحرب الإسرائيلية، والتي انطلقت شرارتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصف مختلف الأماكن، وتدمير مربعات سكنية كاملة، وقصف عمارات وأبراج على رؤوس ساكنيها، بالتزامن مع التهديدات بضرورة إخلاء المناطق والتوجه نحو جنوب وادي غزة.

المساهمون