استمع إلى الملخص
- التنظيم والتجهيزات المدرسية: قامت المدارس بإعادة توزيع الصفوف وتجهيزها لاستيعاب الطلاب والنازحين، مع تنظيم أيام التعليم لتكون ثلاثة أيام أسبوعياً، وتحويل بعض الغرف لاستخدامات مختلفة.
- التحديات الأمنية واللوجستية: تواجه المدارس تحديات أمنية ولوجستية بسبب التصعيد العسكري الإسرائيلي، مع تحويل بعض المدارس إلى تجمعات وتنظيم الدوامات لتوفير النقل الآمن.
انطلق التعليم الرسمي في لبنان وسط تعثّر ووجوب المواءمة بين النازحين من جهة، والتعليم من جهة أخرى. ومراعاة لذلك، هناك عمل على جمع عدة ثانويات في مدرسة واحدة وتقسيم أيام التعليم
تضاربت انطلاقة العام الدراسي الرسمي في لبنان، يوم الاثنين، بين مدارس فتحت أبوابها أمام تلامذتها، وأخرى التزمت قرار روابط المعلمين في البلاد تأجيل بدء العام الدراسي حتى الأسبوع المقبل، ومدارس جمعت بين التلاميذ والنازحين جراء الحرب الإسرائيلية مع مراعاة خصوصية الطرفين، لتفادي صعوبة النقل وكلفته على الأساتذة وأولياء الأمور. وتظهر الجولة الميدانية أن المدارس تحاول أن تلتزم خطة وزارة التربية والتعليم العالي من جهة، وتحاول تطبيقها وفق خصوصيتها وواقعها وحاجاتها من جهة أخرى، وسط تحديات جمّة.
في العاصمة بيروت، فتحت مدرسة رسمية واحدة أبوابها، وهي مدرسة الطريق الجديدة المتوسطة الثانية المختلطة الرسمية، التي خصصت مبنى للتعليم وتركت المبنى الآخر مركزَ إيواء للنازحين، كما توضح مصادر لـ "العربي الجديد". إلا أن الوضع كان أفضل في محافظة جبل لبنان، حيث فتحت نحو 69 مدرسة أبوابها للتعليم الحضوري، ونحو 19 مدرسة التزمت التعليم عن بعد، فيما تستعد 35 مدرسة لبدء العام الدراسي يوم الخميس، والتزمت قرابة 48 مدرسة قرار التأجيل.
وفي وقت ستتحول فيه بعض المدارس الرسمية التي لا يشغلها نازحون إلى تجمّع لعدد من المدارس، ستختلف أيام التعليم بين مدرسة وأخرى، وحتى المواد التعليمية، وسط تعثر واضح وضبابية تخيّم على مصير التلاميذ والأساتذة النازحين، الذين لا يزالون ينتظرون إن كانوا سيحظون بمقعد دراسي شاغر أو بحصص دراسية مطلوبة في أقرب مدرسة لمنطقة نزوحهم، أو بدوام بعد الظهر في إحدى المدارس الخاصة أو حتى التعليم عن بعد.
وعبّر بعض الأهالي عن امتعاض ومخاوف من اندلاع خلافات أو وقوع مشكلات بين النازحين وأهالي الجوار قد تلحق الضرر بأبنائهم. بداية، تردد البعض قبل إرسال أولاده إلى المدرسة، ليستدركوا أهمية عدم حرمانهم حقهم بالتعليم. وارتأى البعض الآخر التريث وإبقاء أولاده في المنزل، ريثما تنجلي الصورة الحقيقية للعام الدراسي الرسمي. فيما انهمك بعض النازحين في مدارس أخرى بمساعدة الكادر الإداري والتعليمي بعملية تجهيز الصفوف للتلاميذ.
في محافظة جبل لبنان، توضح مديرة مدرسة مجدليا الرسمية وداد مطر، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أنهم بدأوا الترتيبات منذ ثلاثة أسابيع، خصوصاً أن المدرسة تضمّ مائة نازح. وتقول: "أعدنا توزيع الصفوف وتجهيزها، وحاولنا المواءمة بين خصوصية النازحين وخصوصية التلاميذ، واضطررنا إلى وضع تلامذة الصف التاسع أساسي في غرفة المكتبة وتحويل غرفة المختبر إلى غرفة للمعلمات، وغرفة الصحة إلى صف للتلاميذ. وخصصنا غرفة الحاسوب وماكينة التصوير للنازحين بعد إفراغها، وقدمنا صالة العروض إلى النازحين. وحرصنا على فصل دورات المياه والتزام معايير النظافة لطمأنة النازحين وأولياء التلامذة".
وتكشف أنّ "التحدي يكمن في كون الصفوف صغيرة، والمدرسة تضم نحو 220 تلميذاً بمعدل 23 تلميذاً في كل صف. ولا مكان شاغراً للتلاميذ النازحين، وهناك صفوف لا تتسع حتى لطاولة المعلمة. وستتوزع أيام التعليم على ثلاثة أيام في الأسبوع، قد تكون أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء أو الاثنين والثلاثاء والخميس. نحتاج إلى 120 يوماً تعليميّاً، وقد يُمدَّد العام الدراسي. غير أنّ التعليم ضروري كي يتسلّح أبناؤنا بالعلم والذكاء والتقدم التكنولوجي لمواجهة العدو الإسرائيلي، وكي نرفع وعي التلاميذ بأن النازحين أهلنا وشركاؤنا في الوطن".
من جهتها، تتحدّث الناظرة حياة مطر عن "جهود حثيثة بُذلت لتنظيم العام الدراسي قدر الإمكان، واستقبلنا التلاميذ عند مدخل المدرسة وتولينا توزيعهم على الصفوف. لكن التحديات تكمن بضرورة تنظيم أغراضنا ومستنداتنا، وتأمين الكتب والدفاتر للتلاميذ. نكافح باللحم الحي، لا أموال في صندوق المدرسة، ولا يسعنا سوى انتظار الدعم من المنظمات الدولية والخيرين".
وتوضح المعلمة سوزان صبح أنها لحظت "نوعاً من الحماسة لدى التلاميذ، وبالنهاية من الأفضل أن يبدأ العام الدراسي، ولو بثلاثة أيام أسبوعيّاً، عوض البقاء في المنزل، وخصوصاً أننا لا نعرف مصير الحرب".
وتبدي التلميذة جويس في مدرسة مجدليا الرسمية، قلقها من عدم استمرارية العام الدراسي، رغم سعادتها بالعودة إلى مقاعد الدراسة. فيما يردد التلميذ معتز صبح ما سمعه من مخاوف الاختلاط مع النازحين، قبل أن تمنحه التجربة شعوراً مغايراً تجاههم. أما ساري حيدر، فيعرب عن حماسته لرؤية رفاقه، وعن خشيته من الأوضاع الأمنية وسيناريو جديد عليه، وهو معايشة الحرب والتعليم معاً". وتقول تيا القاضي: "كنت متحمسة وفي الوقت نفسه مترددة، بسبب جمع المدرسة بيننا وبين النازحين، وأعتقد أنه كان من الأفضل اعتماد تقنية التعليم عن بعد في ظل أجواء الحرب التي نعيشها".
وتسرد الحاجة سميرة حريري، النازحة من بلدة عبّا قضاء النبطية (جنوباً)، كيف أنهم يحاولون توفير الهدوء كي يواصل التلاميذ دراستهم. وتقول لـ"العربي الجديد": "لا خيار أمامنا سوى الصبر بانتظارعودتنا إلى بيوتنا". ويشاركها في التمنيات شقيقها محفوظ حريري، الذي يعرب عن توقه إلى العودة إلى بلدته، "فقد أرهقنا النزوح". أما النازحة حسنية جفال، الأم لستة أولاد، فتقول: "لديّ كذلك أحفاد، ونحاول قدر الإمكان أن نضبطهم كي لا يحدثوا أي ضجيج للتلاميذ، لكنهم في النهاية أطفال يريدون اللعب. كذلك فإنني لا أعرف المصير الدراسي لكل من ابني وابنتي".
بدورها، تشير مديرة ثانوية بيصور الرسمية نجوى العريضي، إلى أن الثانوية ستبدأ التعليم الحضوري الخميس، وذلك بعد توصلهم إلى حل بشأن النازحين. وتقول لـ"العربي الجديد": "مبنى الثانوية مجاور لمدرسة بيصور الرسمية التي تتألف من مبنيين. وبعد التشاور، قررنا نقل الوافدين النازحين من المبنى الثاني للمدرسة إلى قاعة الرياضة في الثانوية بعدما حوّلناها إلى غرف. وسنستخدم المبنى الثاني لمدرسة بيصور الرسمية لتعليم تلاميذ المرحلة المتوسطة أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء، على أن يتعلم تلاميذ المرحلة الثانوية أيام الخميس والجمعة والسبت، إن بقي الوضع الأمني مستقراً في المنطقة".
تتابع: "عملاً بالتخفيف من مخاطر تنقل أساتذتنا القادمين من بلدات أخرى، مثل عاليه وصوفر وشارون (جبل لبنان)، سنحاول حصر أيامهم وحصصهم التعليمية قدر الإمكان في اليوم نفسه. غير أن الصعوبات والتحديات عديدة، فعلى الرغم من أننا نتّبع خطة وزارة التربية والتعليم العالي، حيث سجّلنا الطلاب النازحين في المنطقة، لكن صفوفنا بالكاد تتسع لطلابنا. غير أننا لن نحرم أحداً حقه في التعليم في حال توافر الإمكانات، وقد يتابعون مع مدارسهم وأساتذتهم بواسطة التعليم عن بعد. واستناداً إلى خطة وزارة التربية والتعليم العالي، اختُصِر عدد من الحصص التعليمية في المواد الأدبية والعلمية، وأعطيت الأولوية للمواد الأساسية، في حين أن المواد الأخرى مثل الاجتماع والاقتصاد والجغرافيا والتاريخ، ستكون مرة كل أسبوع أو كل أسبوعين. وأُلغيَت حصص الرياضة والفنون والموسيقى والمسرح في مرحلة أولى".
في العاصمة بيروت، تكشف مديرة مدرسة الأورغواي الرسمية المختلطة - الأشرفية الأولى، راشيل الشدياق، أن المدرسة تحولت إلى ما يشبه تجمّع مدارس. وتقول لـ "العربي الجديد": "ستضم مدرستنا حالياً تسع مدارس وثانويات رسمية من محافظتَي بيروت وجبل لبنان، تتوزع ما بين أربع مدارس رسمية، هي مدرسة الأورغواي ومدرسة رأس النبع الثانية المختلطة ومدرسة رأس النبع الثانية للبنات ومدرسة رمل الظريف، وخمس ثانويات رسمية هي ثانوية جديدة المتن وثانوية الأخطل الصغير وثانوية مدام عون وثانوية شفيق سعيد وثانوية سن الفيل. وسيكون الدوام أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء لثلاث مدارس وثانويتين، وأيام الخميس والجمعة والسبت لمدرسة واحدة وثانويتين رسميتين، فيما بدأت ثانوية سنّ الفيل الاثنين بتدريس تلامذتها في دوام بعد الظهر الذي سيكون من الاثنين إلى السبت بدوام جزئي".
تتابع: "سنستضيف المدارس والثانويات المذكورة مع مديريها وأساتذتها وتلامذتها حفاظاً على استقلاليتها. ووزعنا المدارس على الطوابق أو على أقسام من كل طابق، حيث إن كل غرفة تتسع لأربعين تلميذاً في حد أقصى. بالمبدأ، لن يصطف التلامذة، بل سيتوجهون مباشرة إلى الصفوف بمساعدة أساتذتهم ومعلماتهم. وستكون فرصة كل مدرسة في ملعب من الملعبين الموجودين، وسيختلف توقيت الفرصة. ومن التحديات تجهيز الصفوف، بما يراعي التلامذة الصغار والكبار لناحية المقاعد الدراسية، وكذلك هناك كلفة النقل على الأهالي والأساتذة. كذلك فإننا نخشى تفاقم التصعيد العسكري الإسرائيلي، ما ينذر بضرورة الاستعداد لكيفية إخلاء التلاميذ في حال وقوع الفاجعة. حتى إن الطرقات خطيرة على الباصات جراء الاستهدافات المتكررة للسيارات والفانات عبر المسيّرات الإسرائيلية. لذلك، التحدي الأمني كبير". وتعلن الشدياق أنهم التزموا يوم الاثنين "قرار روابط المعلمين بالتأجيل، لاستكمال التجهيزات اللوجستية وتحصيل الحوافز ومطالب الأساتذة، غير أن التعليم سينطلق اليوم الثلاثاء في مدرسة الأورغواي نظراً لجاهزية المدرسة، فيما ستبدأ المدارس والثانويات الباقية عملية التعليم تدريجيّاً عند الانتهاء من التحضيرات اللوجستية".