من الصعوبة حصر معضلات التعليم المباشر في المنطقة العربية، ولاسيما تلك الدول التي تعيش في صميم اضطرابات يومية.
اضطرابات قد تكون سياسية - أمنية - اقتصادية اجتماعية أو وبائية. ما يجعل هذه الدول أشبه ما تكون بغابة تتصارع فيها القوى و"البقاء ليس للأفضل، بل للأقوى". أي أن حكم الدستور والقانون هو الغائب الأكبر عن الحياة اليومية فيها، بما هو حقوق وواجبات وقضاء وأجهزة أمن نظامية، وبما هو مؤسسات تتحدد وظائفها بتأمين الخدمات العامة، وفي المقدمة منها التعليم.
يمكن رصد الكثير من معالم وخصوصيات الأزمات في هذه الدولة أو تلك. لكن الواضح أن التعليم بما هو صناعة المستقبل يظل الضحية الأولى والأهم وسط هذا المناخ من التفكك والاصطراع. على أنه يمكن القول إن معظم دول المنطقة العربية كانت حافلة بالمشكلات، لكن الكثير منها كان شبه مكتوم أو مسكوت عنه، ثم بفعل تفاعل مستوياتها، انفجرت على النحو المعلوم، ما جعل من معظم الأسئلة المشروعة مطروحة على كل شفة ولسان. وأبرزها يتعلق بموقع التعليم وما يرتبط به من أبحاث وتنمية هي مفتاح التقدم.
لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال تجاهل الثروات الطبيعية التي تزخر بها المنطقة، والتي ليس للسلطات فضل في اكتشافها واستخراجها وتصريفها في الأسواق، باعتبار أن ذلك كله من مهام شركات عملاقة، مصدرها ومرجعها في الدول الأكثر تقدماً. بالطبع هناك عوائد ولكنها تظل محدودة ما دامت قدراتنا متواضعة في تحويل هذه المواد إلى ثروة، وبالتالي إلى رفاهية تصيب معظم فئات المجتمع المعني، وتفيض على سواه من شعوب قريبة وبعيدة.
القائمة طويلة وتبدأ من الأمن الغذائي المفقود التي لا تعود إلى نقص في المساحات القابلة للزراعة وتربية الدواجن والمواشي، أو الاستصلاح لإنتاج المحاصيل. والأمن الغذائي المفقود يشمل الضروريات الأساسية من قمح وذرة وحبوب وزيوت نباتية ولحوم وأسماك وأجبان وألبان وما شابه.
عندما نشبت الحرب الروسية - الأوكرانية اهتزت الأسواق في العديد من الدول العربية التي تعتمد على صادرات الحبوب والقمح الأوكراني أو الروسي، وارتفعت أسعارها إلى حدود باتت معها خارج قدرة فئات واسعة من المجتمعات العربية على الاستهلاك اليومي الذي تعودته.
ما لا يرد في أدبيات المقاربات التي تناولت وضع الأمن الغذائي العربي أن الزراعة باتت عملية رأسمالية كاملة، ولم تعد مجرد فلاح ومحراث وثور فلاحة وغيرها من أساليب قديمة. باتت المزرعة عبارة عن مؤسسة عصرية حديثة بحاجة إلى رساميل وخبراء وبيطريين ومهندسين زراعيين، وما شابه من كفاءات وخبرات وتجهيزات تقنية.
أيضاً ما نزال نعاني من تخلف الأبحاث العلمية والأدبية حتى، فباستثناء نجيب محفوظ ومحمد البرادعي وأحمد زويل لم يحصل أي عربي على جائزة نوبل. حتى أن زويل نفسه رغم مصريته وعروبته اعتبر أن حصوله على هذا الشرف لأنه عمل مع فريق عمل في مختبرات ومقدرات أميركية، إذ لو بقي في بلادنا أقصى ما كان يمكن أن يصل إليه هو رتبة أستاذ جامعي.
وفي معدلات الإنتاج العلمي يمكن القول إن الدول العربية جمعاً وفرادى ما تزال في مواقع متدنية أو متواضعة في القوائم، ولا يقارن ما ترصده من موازنات مع دول ربع حجمها وعددها. ثم إن معظم الأبحاث تضيع في أدراج البيروقراطية المتكلسة ولا تتحول إلى مشاريع تصنيع.
(باحث وأكاديمي)