اعتاد الأميركيون أن يستيقظوا من دون أن يقلقوا مما إذا كانت دولة مجاورة ستغزو بلدهم، أو تستولي على حرياتهم، كما فعلت روسيا في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، لكنهم بدأوا اليوم في تقسيم أفكارهم بين اللامبالاة والخوف من التهديد النووي المرتبط بالحرب في أوكرانيا. يعرض معالج نفسي لموقع "سايكولوجي توداي" تجربته مع 12 بالغاً و4 مراهقين في الولايات المتحدة، طرح عليهم سؤالاً حول مقدار معرفتهم بقصف بلدهم مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين خلال الحرب العالمية الثانية عام 1945، ويؤكد أنهم علموا جميعهم بالتفجيرات، لكن قليلين منهم استطاعوا أن يخبروه أي شيء واضح عن المعاناة الإنسانية، وعدد القتلى ومساحات الدمار، مرجحين تدمير عدد من المباني على مسافة أميال قليلة.
وأظهر ذلك أن كُثراً لديهم انطباعات محدودة عن قدرة الأسلحة النووية، وكيف تثير التهديدات باستخدامها مخاوفهم وتربكهم، في وقت يستطيع أصغر سلاح نووي تكتيكي اليوم أن "يبخر" بالكامل مدينة كييف حيث يعيش 3 ملايين شخص، أما إلقاء قنبلة نووية واحدة في منطقة مقفرة نسبياً، بين أوديسا وأومان مثلاً، فيمكن أن يشعل حرباً نووية بين روسيا والغرب. وفي كل الأحوال، لن ينتهي أي هجوم نووي بقنبلة واحدة.
والأكيد أنه إذا أطلق سلاح نووي صغير واحد فقط في الحرب على أوكرانيا، فلن يتوفر عدد كافٍ من المعالجين في العالم للتعامل مع صدمة الصحة العقلية البشرية التي قد تأتي من مشاهدة النتائج. وبعدما أصابت جائحة كورونا، التي جلبت عامين من التشوهات النفسية لحياة الناس، الصغار والكبار بمشاكل صحية عقلية طويلة الأمد، يدخل هؤلاء اليوم دوامة جديدة من المخاوف، قد تكون أسوأ بكثير، تجلبها أخبار الحرب الدائرة في أوكرانيا.
ويرى محللون نفسيون أن العالم يشهد استعماراً جديداً حالياً بعدما تغير كثيراً منذ إلقاء القنبلتين الذريتين قبل 77 عاماً، مع وجود كاميرات وهواتف في كل مكان وقنابل أقوى بكثير من "ليتل بوي" التي ألقيت على هيروشيما، لذا لا يمكن تصور البؤس والدمار اللذين سيحدثهما إلقاء سلاح نووي واحد، علماً أن مجرد رؤية الواقعة قد يجلب مشاعر مرتبكة جداً وقد يستغرق التعافي منها سنوات.
وبالطبع، كل هذه الاستنتاجات ترتبط بمقولة "إذا حصل ذلك"، لكن المعطيات السياسية لا تستبعد أن يلجأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، المحاصر في حرب لا يستطيع الفوز بها، إلى أسلحة أكثر تدميراً كما فعل في سورية، لأنه لن يسمح لنفسه بأن يكون خاسراً.