تنتظر أحلام حمزة (53 عاماً) تنفيذ حكم يقضي بدفع زوجها 17 ألف دينار، أي ما يزيد عن 6 آلاف دولار، من متخلفات لمبالغ نفقة على ولديها كانت أقرّت محكمة تونسية قبل ثلاث سنوات بأن يدفعها زوجها، وذلك بعدما منحتها هذه المحكمة حق رعاية ولديها اللذين يدرسان في المرحلة الثانوية حالياً.
توضح أحلام لـ"العربي الجديد" أنها دفعت 600 دينار (213 دولاراً) شهرياً على الأقل لمحاميها من أجل متابعة مسار قضية النفقة، وضمان تنفيذ الحكم الصادر في حق زوجها الذي أصرّ على عدم الامتثال لقرار القضاء الذي أصدر لاحقاً حكماً بسجنه بتهمة إهمال الأولاد، وعدم تسديد النفقة.
في أروقة المحكمة الابتدائية بتونس، عاشت أحلام مع نساء أخريات آلاف الحكايات بسبب مشكلات قضايا النفقة وحصص المطلقات التي اضطرتهن إلى خوض معارك لتحصيل هذه الحقوق. تقول: "لا تحمي ترسانة القوانين الصارمة حقوق النساء وأطفالهن في الحصول على النفقة، إذ يجد الأزواج الذين يتنصلون من واجباتهم الأسرية ألف سبب وسبب لمراوغة القضاء، وتعطيل تنفيذ الأحكام، بينهم زوجي الذي يحتمي بمركزه الاجتماعي للتمرّد على القضاء والتنكيل بي وبأطفاله".
تعاقب المادة 53 من القانون التونسي للأحوال الشخصية بالسجن مدة تتراوح بين ثلاثة أشهر وعام، ودفع غرامة تتراوح بين مائة دينار (35 دولاراً) وألف دينار (350 دولاراً)، كل من تخلف شهراً واحداً عن دفع نفقة أو مبلغ خاص بالطلاق، باعتبار أن هذا التصرف يمثل "جنحة ترتبط بجريمة إهمال عيال". لكن أحلام تؤكد أنها طالبت أكثر من ثلاث مرات مركز الأمن القريب من مقر إقامة زوجها، بتطبيق الحكم القضائي الصادر ضده، واعتقاله وإجباره على دفع النفقة، لكن مساعيها أحبطت لأسباب لا تزال تجهلها. تقول: "واضح أن أجهزة الأمن تنحاز للرجل، وان المجتمع الذكوري يتعمد إلقاء كل الأعباء على المرأة، وتحميلها مسؤولية فشل الزواج، في حين لا يهتم أحد بمصير الأطفال الذين قد يواجهون خطر التواجد في الشارع".
وتعتبر قضايا النفقة في تونس بين الأكثر عدداً في دوائر القضاء، وتشير إلى معاناة نسبة مرتفعة من المطلقات وحتى المتزوجات اللواتي يواجهن خلافات أسرية، من صعوبات في تنفيذ أحكام الإجبار على دفع النفقة التي يصدرها القضاة لمصلحة أطفال الزوجين المفترقين، أو المتخاصمين من أجل ضمان حقهم في العيش.
وتقدر بيانات رسمية لوزارة العدل عدد قضايا النفقة المرفوعة أمام دوائر المحاكم التونسية بنحو 34 ألفاً سنوياً، بمعدل زيادة ألفي قضية سنوياً. وتخضع قضايا النفقة لمتطلبات الوضع المعيشي، ويجري بت أحكامها عبر آليات عاجلة وفق مواد مجلة الأحوال الشخصية. لكن تنفيذ الأحكام قد يظل عالقاً سنوات، بحسب روايات جمعها "العربي الجديد" من نساء يترددن على أروقة المحاكم من أجل تحصيل حقهن الأساسي في إعالة أسرهن. ويقدّر القضاء قيمة النفقة استناداً إلى عناصر أساسية مثل حال المنفق والمنفق عليه، والوضع الاجتماعي السائد وقيمة الأسعار. ويملك حق الاجتهاد في الأدلة المعروضة عليه، واستخلاص نتائج قانونية. لكنّ المحامي نزار الجابري يقول لـ"العربي الجديد" إن "الممارسة القانونية لهذا النوع من القضايا أظهرت وجود ثغرات يمكن استغلالها لتحويل وجهة نصوص في شكل يتعارض مع الأهداف الأساسية للقانون الذي وضعه المشرّع، ومحاولته حماية الأسرة والأطفال بالدرجة الأولى عبر منحهم حق نيل النفقة". ويعتبر الجابري أن "ارتفاع عدد قضايا النفقة المعروضة على المحاكم هدفه تحويل الدعاوى إلى أداة للضغط على الزوجين المطلقين أو المتخاصمين، ما يهدر الحقوق الأساسية للمشمولين بالإنفاق وسط هذه الخصومات. بعض النساء يستعملن قضايا النفقة للتنكيل بأزواجهن والضغط عليهم، ما يجعل رد فعل الطرف المقابل قاسيا جداً، ويلحق أضراراً بالأطفال القصر الذين يواجهون غالباً نقص الرعاية والتشرد بتأثير تنصل الأب من التزاماته المالية والمعنوية تجاه أبنائه".
وفي محاولتهم تدارك سلبيات استحالة تحصيل نساء نفقة أبنائهن عن طريق الأحكام القضائية، حاول المشرعون في تونس عام 1993 توفير بدائل ترعاها الدولة، بينها إنشاء صندوق لدفع مبالغ تضمن تسديد النفقة وتنفيذ إجراءات لمطلقات وأولادهن من رجال محكوم عليهم بذلك. ويتولى الصندوق صرف مبالغ النفقة أو حصص المطلقات لمستحقيها شهرياً خلال فترة لا تتجاوز 15 يوماً من تاريخ تقديم الطلب مستوفياً الشروط القانونية.
لكن المحامي نزار الجابري يقول إن "الصعوبات المالية التي تمر بها الصناديق الاجتماعية قلّصت تدخلات صندوق النفقة، فتراجع دوره بشكل كبير خلال السنوات الماضية، ما زاد من صعوبات إيجاد النساء لبدائل توفر الحد الأدنى من النفقة للأبناء خلال إشرافهن على رعايتهم".