الجامعات الخاصة في لبنان

19 أكتوبر 2021
داخل إحدى الجامعات (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -

لاحظ قسم كبير من أساتذة الجامعات الخاصة أن طلابهم لا يتقدمون للمشاركة في معظم مواد امتحانات المواد الفصلية المفروضة عليهم بموجب المناهج المقررة للسنوات الثلاث أو الأربع أو الخمس لنيل الاختصاص. إذ غالباً ما يكون العدد هو دخول امتحان نصف المواد المقررة لا أكثر (مواد الفصل غالباً هي 8 – 10 مواد). وهو أمر لم يكن يحدث في السنوات السابقة، عندما كان الحد الأقصى المسموح به لتأخير امتحان المواد لا يتعدى مادتين أو ثلاثاً يحملها الطالب معه إلى الفصل التالي. 
يرتبط مثل هذا التوجه بالطلاب ومقدراتهم الاستيعابية في التعلم عن بُعد الذي حدث طوال العام الفائت. لكن كارثيّة التعليم الخاص تتعدى هذا الوضع الذي يعبر عن مشكلة التعود من جانب الطلاب على أسلوب مختلف في الشرح وتقديم المعلومات والتفاعل الصفي مع أساتذتهم، ومع المادة المعروضة وهو أمر نسبي على أي حال؛ إذ هناك طلاب رأوا في الصف "الأون لاين" صفاً عادياً بالنظر إلى خبراتهم في فهم الدروس التي تعرض في هذه الطريقة. ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2019 والجامعات الخاصة، وخصوصاً العريقة منها، والتي تملك مستوى مرموقاً اشتهر تأثيره على ما يتعدى جغرافية لبنان إلى المنطقة العربية... منذ ذلك الوقت وهذه الجامعات ترفع الصوت ولا من يسمع نداءها، تحذر من أن استمراريتها بالبقاء على قيد الدور التعليمي أصبحت مهددة على نحو فعلي. وهو ما لم يحدث منذ الحربين الكونيتين والحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي وعدوان 2006 وما تلاه. 
وليس أمراً بسيطاً أن يشمل إطلاق جرس الإنذار هذا الجامعات الأهم: الأميركية، اليسوعية، اللبنانية الأميركية، العربية، الروح القدس، وسيدة اللويزة والبلمند و... وهذه من أصل 47 جامعة ومعهداً عالياً خاصاً في لبنان يصل تعداد طلابها إلى أكثر من ربع مليون. 

تبدو إشكالية وضع هذه الجامعات متداخلة وتتجاوز مسألة تدبير امتحانات للطلاب المسجلين في صفوفها، أو أولئك الطامحين للدخول إلى حرمها؛ إذ المعروف أن انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً وما رافقه من ارتفاع سعر صرف الدولار وحجز المصارف لأموال هذه الجامعات، وعجزها عن تحديث أجهزتها ودفع أجور مقبولة لأساتذتها وإدارييها... كل هذا ترافق مع تعذر دفع الأقساط من جانب الأهل عن أبنائهم، بعدما انهارت مداخيلهم سواء أكانوا من الذين يتقاضون بدلات أجور شهرية، أم لديهم مصالح تعرضت للشلل الكامل كما هو معلوم. وبناءً عليه، خسرت هذه الجامعات نخبة أساتذتها واختصاصييها، كما يمكن أن يعجز قسم رئيسي من طلابها عن متابعة ارتيادها. 
على أي حال، لم تبد مشكلة هذه الجامعات على غرار ما تعانيه الجامعة اللبنانية، فقد قامت أكثريتها بتنظيم امتحانات مكتملة المواصفات من خلال الدائرة الإلكترونية المقفلة، وتمكنت في أغلبيتها الساحقة من تنظيم هذا الاستحقاق على نحو جيد، بالنظر إلى ما يتمتع به أساتذتها وإداراتها وطلابها من قدرات وكفاءات وتجهيزات. وهكذا مرت المناسبة بأقل قدر من الأضرار وبعضها بنجاح يسجل لها. مع ذلك، تظل المعجزة تتمثل في كيفية التفاعل مع حال من الانهيار الشامل والمتصاعد والذي يضغط على صدرها، ويكاد يخنق أنفاسها مع مطلع العام الدراسي الجديد، الذي لا يبدو مختلفاً عما سبقه إن لم نقل إنه أكثر سواداً من سابقه.
(باحث وأكاديمي)

المساهمون