استمع إلى الملخص
- **الجدل حول المبالغة**: أثارت مظاهر الفرح جدلاً بسبب ما يعتبره البعض مبالغة في الاحتفال وإنفاقاً غير مبرر على الألعاب النارية، خاصة في ظل غلاء المعيشة.
- **التحولات الاجتماعية**: تعكس الاحتفالات تحولات اجتماعية مهمة، حيث أصبح النجاح الدراسي فوزاً جماعياً للعائلة، مع زيادة الإنفاق على التعليم والدروس الخصوصية.
تنوّعت احتفالات العائلات الجزائرية بنجاح أبنائها في الدراسة، خصوصاً بالنسبة إلى من حصلوا على شهادتي التعليم الابتدائي والتعليم المتوسط، وأظهرت اهتماماً لافتاً بالتعليم والحرص على إعطاء معنى للنجاح وترسيخه لدى الأجيال الجديدة.
منذ أن أعلنت وزارة التربية في الجزائر نتائج شهادة التعليم المتوسط للعام الدراسي الحالي، وتحديدها نسبة النجاح بـ62.85%، تعيش العائلات التي نجح أبناؤها أفراحاً كبيرة خصوصاً أنها تتوّج مسيرة عام دراسي كامل، وتفتح الطريق نحو المرحلة الثانوية.
ولا تزال عائلات تنتظر نتائج نهاية امتحانات التعليم الثانوي (البكالوريا)، التي ستعلن في نهاية يوليو/ تموز الجاري، لكن مظاهر فرح كثيرة خلقت جدالاً في المجتمع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب ما اعتبره البعض مبالغة غير مبررة في الاحتفال، وإنفاق مصاريف على الألعاب النارية وغيرها، فيما اشتكت عائلات قبل أقل من شهر من غلاء أضحية العيد.
لم تتردد السيدة فاطمة لعرابي، البالغة من العمر 46 عاماً والتي تقيم في ولاية الشلف، غرب الجزائر، في تنظيم حفل لابنها ريان البالغ من العمر 15 سنة بمناسبة نجاحه في شهادة التعليم المتوسط. بالنسبة لها يعتبر هذا النجاح الدراسي عنواناً لانتقال ابنها إلى مستوى آخر من التعليم، وتتويجاً لمرحلة من الدراسة والاجتهاد.
وتقول لـ"العربي الجديد": "النجاح المدرسي فرحة لا تعوّض أي نجاح، خاصة أنني احتفل بآخر العنقود في أسرتي الصغيرة بعد سنة شاقة من الدراسة والمراجعة سواء في البيت أو عبر الدروس الخصوصية. وباعتبار أن هناك الكثير من المنغصات في حياتنا يشكل نجاح ابني في الدراسة وسيلة لإدخال السعادة إلى بيتي، وأنا لم أظهر هذه الفرحة منذ سنوات طويلة، لكنني أطلقت هذه المرة العنان للزغاريد ووزعت حلويات وعصائر على الجيران، واستقبلت المهنئين من العائلة خصوصاً أن الابن الأصغر يحظى دائماً باهتمام وعناية خاصة".
وتتنوع احتفالات العائلات الجزائرية بنجاح أبنائها في الدراسة. توزع بعضها حلويات تقليدية، وتقيم أخرى عشاءً يجمع مقربين من العائلة والجيران، في حين توزع أخرى عصائر ومشروبات غازية على عائلات الجيران، في عادة يطلق عليها اسم "فأل الفرحة"، كما تشتري عائلات هدايا للناجحين في هذه الامتحانات لتشجيعهم على الدراسة.
وتؤكد سعيدة منصاري، التي احتفلت بنجاح حفيدتها أسماء البالغة 15 عاماً من العمر، لـ"العربي الجديد": "مهما كان نوع وطريقة الاحتفال بالنجاح المدرسي، فهذا أمر جيد. قبل أربعة عقود لم تكن ظروف العائلات الجزائرية تسمح بإقامة احتفالات بنجاح التلاميذ في شهادات الابتدائي أو المتوسط أو البكالوريا، والآن تغيّرت هذه الظروف، وأنا أحرص دائماً على تشجيع أبنائي وأحفادي على الدراسة بجدّية، وأعدهم بهدايا في حال النجاح".
وعموماً تشهد الجزائر مظاهر جديدة في التعبير عن فرحة النجاح في شهادتي التعليم المتوسط والابتدائي، وقد تأخذ طابعاً صاخباً يراوح بين إطلاق أبواق السيارات، والاستعراض في مواكب وإطلاق ألعاب نارية في الأحياء. كما تنظم بعض الأسر احتفالات لأبنائها الناجحين في قاعات تتطلب دفع تكاليف مالية كبيرة.
ويرى البعض أن هذه المظاهر مبالغ بها، خاصة أن ثمن الألعاب النارية مرتفع، ما يكبد العائلات مصاريف كبيرة، في حين أنها كانت تشكو في الأشهر الماضية من نفقات الاحتفال بعيد الأضحى .
يقول أستاذ الرياضيات كريم رميتة، الذي يسكن في منطقة فرجيوة (شرق)، لـ"العربي الجديد": "تسللت إلى المجتمع مظاهر احتفالات مبالغ بها وغريبة عن طابع المناسبة نوعاً ما، وكان بعضها شبيهاً باحتفالات الملاعب بدءاً من بوابات المؤسسات التعليمية، وصولاً إلى الأحياء السكنية والشوارع، وتضمنت الكثير من التهريج، في حين كان يمكن إظهار الفرح بشكل مختلف يليق أكثر بطبيعة المناسبة التعليمية".
لكن كثيرين يرون أن هذه الاحتفالات تعكس روحاً إيجابية لأنها تعبّر عن تحوّل مهّم يشير إلى اهتمام العائلة الجزائرية بالدراسة، واعتبارها النجاح فوزاً جماعياً وليس فردياً، هو لكل العائلة خصوصاً بالنسبة إلى العائلات الفقيرة أو التي تعيش في ظروف اجتماعية صعبة، إذ يأتي هذا النجاح ليعوض الغبن واليأس والعوز.
وتقول الباحثة في علم النفس كهينة بن عمارة لـ"العربي الجديد": "تشجيع أولياء الأمور وحرصهم على إنفاق أموال لتحقيق النجاح الدراسي يبدو أكبر من الماضي. وقد تغيّرت العقليات وظروف تحضير الامتحان من خلال الحصول على دروس دعم، والخضوع لدورات تعليم كثيفة في المدارس الخاصة، وربط التعليم بالتكنولوجيا من خلال أشرطة الفيديو التعليمية على منصات (يوتيوب) و(إنستغرام)، والكتب والملخصات التي تحتويها". ويتابع تلاميذ كثيرون في الجزائر الدروس التعليمية على منصات خاصة على الإنترنت. وتنتشر الكثير من الفيديوهات التي تقدّم دروساً مجانية للتلاميذ وتساعدهم في المراجعة اليومية.
تضيف بن عمارة: "واضح أن العائلات الجزائرية تبحث عن فرص للفرح، أما تضخيم إنجازات النجاح عبر تنظيم استعراضات للتباهي، ومحاولة نشر خبر النجاح على أوسع نطاق في المجتمع والمواقع الافتراضية، فيجب أن يناقشه متخصصون تربويون على صعيد علاقته بالمستوى التعليمي والرصيد المعرفي".
ويصف بعض المنتقدين احتفالات النجاح في شهادتي المرحلتين الابتدائية والمتوسطة بأنها "مشاهد دخيلة على المجتمع الجزائري تسيء إلى التعليم أكثر مما تفيده، خصوصاً أن هذه الاحتفالات لا تأخذ في الاعتبار المستوى التعليمي والمعرفي للتلاميذ ونسب النجاح".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قال الأستاذ في ثانوية عبد الحفيظ بو الصوف بولاية ميلة كريم مولاي: "الاحتفال بالنجاح في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يعد جزءاً من التحولات التي تشهدها البلاد، والتي لا تضيف شيئاً إلى المجتمع. الاحتفال بشهادة البكالوريا كان يرتبط بقيمتها خلال العقود الماضية، لأنها تحدد مصير الناجحين والانتقال إلى الحياة المهنية. أما الانتقال من مرحلة دراسية إلى أخرى فلا يتطلب تنظيم أعراس".