قال مسؤولون محليون في محافظة ذي قار، جنوبي العراق، إن ما لا يقل عن ألف أسرة تركت منازلها في مناطق وبلدات مختلفة من المحافظة خلال الأشهر الماضية، وغادرت إلى مناطق أخرى لأسباب أبرزها مشكلة الجفاف التي تتفاقم في البلاد بشكل غير مسبوق.
وقال علي الناشي، مسؤول محلي في المحافظة التي تعتمد على الزراعة بشكل رئيس، لـ"العربي الجديد"، إن "ما لا يقل عن ألف عائلة غادرت منازلها في مناطق الفهود والمنار شرقي المحافظة، ونزحت إلى مناطق أخرى بالفترة الماضية، بسبب الجفاف الذي ضرب الزراعة والرعي وهما مصدر دخل سكان تلك المناطق".
ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "شح المياه أدى إلى ارتفاع نسبة الملوحة بالأراضي، ما أدى إلى موت الحيوانات وتضرر الزراعة، وهو ما دفع مئات العائلات للنزوح، حيث بدأت الأسر تبحث عن مصادر عيش أخرى في مناطق ثانية"، معتبراً أن أزمة الجفاف التي تضرب المناطق الجنوبية من البلاد غير مسبوقة.
من جهته، قال حيدر البدران، رئيس منظمة "التواصل والإخاء" الإنسانية، إحدى الجمعيات الفاعلة جنوبي البلاد، لـ"العربي الجديد"، إن "مناطق محافظة ذي قار كانت الأكثر نزوحاً للعائلات بين محافظات وسط وجنوب العراق خلال الفترة الأخيرة، بسبب الجفاف القاسي".
وأضاف البدران أن "300 عائلة نزحت عن قضاء غمّاس بسبب شح المياه وانقطاعها بشكل تام، حتى مياه الشرب، هذا الأمر دفعنا للتنسيق مع منظمة الصليب الأحمر الدولية وقمنا بإنشاء مشروع للمياه ونجحنا في إكماله وإعادة غالبية هذه العائلات".
وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، حثت جيران العراق على بدء حوارات حول تقاسم المياه، في ظل أزمة مائية ضربت العراق منذ العام الماضي نتيجة تراجع الإيرادات المائية التي تأتي من إيران وتركيا، محذرة من أنّ "التخفيض النشط لتدفقات المياه من البلدان المجاورة إلى العراق يمثل تهديداً خطيراً آخر".
فيما أكد وزير الموارد المائية العراقي، مهدي الحمداني، أن "العلاقة مع تركيا تحسنت بشكل كبير بما يخص ملف المياه وقاسمتنا الضرر، لكن ملف المياه مع إيران يختلف ولم تقاسمنا طهران الضرر بشأن الشح"، متهماً إيران بقطع "روافد أنهار وتغيير مجرى أخرى إلى داخل إيران أبرزها نهر الزاب الأسفل وأنهار سيروان والكارون والكرخة، وبذلك خالفت كل المواثيق الدولية، وبالتالي سنعاني جراء ذلك من الشح ومن الفيضانات أيضا، لأنها ستذهب بمعظمها ألى الأراضي الإيرانية"، ملوحاً باللجوء إلى المحاكم الدولية وتدويل القضية.
"الجلوة"
قال مسؤول أمني بارز، جنوبي البلاد، طلب عدم ذكر اسمه، إن أسباباً اجتماعية وأمنية أيضاً خلف بعض حالات النزوح، وقال لـ"العربي الجديد" إن "هناك أسباباً أمنية أيضاً مرتبطة بالنزاعات العشائرية التي تصل إلى القتل"، مضيفاً أن "بعض الأسر قررت ترك منازلها والنزوح إلى منطقة أخرى بحثاً عن الاستقرار، كما أن هنالك إجراء عشائري يعرف بـ(الجلوة) يفرض على عائلة وأهل القاتل مغادرة المنطقة إلى محافظة أخرى، كجزء من العقوبة التي تفرضها العشائر على ذوي القاتل".
ويضيف المسؤول أنه كان للقوات الأمنية "دوراً مهماً في منع نشوب العديد من النزاعات المسلحة وإيقاف بعضها وملاحقة مرتكبيها، كذلك وفرنا الحماية في حالات كثيرة للعائلات، وعملنا على مبادرات إعادة الكثير منها، ونعلم ويعلم الكثير أن بعض الحالات تحتاج جهدا اجتماعيا لا أمنيا أو حكوميا، لكننا مارسنا كل الأدوار ونجحنا ونواصل".
ولقي ما لا يقل عن 20 شخصاً مصرعهم وأصيب آخرون خلال الشهر الماضي نتيجة نزاعات عشائرية في مناطق متفرقة جنوبي البلاد والعاصمة بغداد، بحسب مصادر في الشرطة العراقية.
وتتصدر محافظات ذي قار والبصرة وميسان وواسط ثم بغداد المحافظات الأكثر تسجيلاً للنزاعات العشائرية، التي يذهب ضحيتها مواطنون وتتسبب في كثير من الأحيان بفرض حظر تجول وإغلاق للطرق والمناطق من قبل قوات الأمن، فضلاً عن خسائر مادية بالممتلكات العامة والخاصة، إثر الاشتباكات التي تستخدم فيها في بعض الأحيان الأسلحة المتوسطة وقذائف الهاون.