فيما زاد وباء كورونا درجات الوعي لدى الناس بالعواقب الجسدية والعاطفية للعزلة، ظهر جلياً أنّ الرجال يواجهون مشاكل أكبر في التعامل مع الوحدة من النساء. ويعزو خبراء في تقرير نشره موقع "سايكولوجي توداي" ذلك إلى "ميل الرجال غالباً إلى إهمال علاقاتهم الشخصية لتحقيق النجاحات المهنية. وحين يفقدون الهياكل الاجتماعية الوقائية المتوفرة في المدرسة الثانوية والكليات والعمل، يجدون أنفسهم في وضع غير واضح، وغير متأكدين من كيفية إقامة علاقات وثيقة مع رجال أو نساء آخرين أو الحفاظ عليها".
ويستفيض هؤلاء بأنّه "في الحياة الزوجية، تتعامل النساء مع كلّ العلاقات الاجتماعية للزوجين والأطفال، لأنّهن يدركن أنّ شركاءهن الذكور لا تربطهم علاقات قوية خارج الأسرة. وهن يفعلن ذلك بسلاسة تجعل شركاءهن الرجال غير مدركين كيفية إدارة العلاقات الاجتماعية، خصوصاً أنهم لا يقدرّونها بدرجة عالية في الأصل، وقد لا يجيدون القيام بها أيضاً. وهنا قد تحصل المشكلة حين يصبح الرجال مطلقين أو أرامل ويدركون أنّ علاقات محدودة تربطهم بالآخرين باعتبار أنّ شريكاتهم السابقات أدرنها لهم".
ويعلّق التقرير بأنّ "الوحدة ليست مجرد شعور غير سار، بل ضعف في العلاقات الشخصية يلحق ضرراً كبيراً بحياة الرجال. فالتركيز على تراكم الثروة يؤدي إلى سعادة أقل في الحياة، ورضا أدنى عن العلاقات الحميمة". وينقل عن دراسة أجرتها جامعة "هارفارد" أنّ الرجال الذين كان لديهم من يقصدونهم كانوا أكثر سعادة في حياتهم، وأكثر صحة جسدياً بمرور الوقت.
ويشدد التقرير على أنّ "الخطر الذي يواجه الرجال لا يتعلق بالكامل بالكلفة العاطفية للوحدة، رغم أن هذا الأمر جوهري، بل بالعلاقات الوثيقة مع الآخرين الأكثر تأثيراً، حتى من الجينات، على صحتهم الجسدية وطول عمرهم". وينقل عن خبراء قولهم إنّ "علاقات الحياة التي تبعث الرضى قد تطيل العمر بنسبة تصل إلى 22 في المائة". واللافت أنّ دراسات كثيرة تعتبر الوحدة بين العوامل المهددة للحياة، وتقارن تأثيراتها السلبية بالتدخين والسمنة وارتفاع ضغط الدم. وهي تربط شعور الرجال بالوحدة مباشرة بإصابتهم بأمراض القلب والأوعية الدموية والسكتة الدماغية.
وفيما تشير إحصاءات إلى أنّ نسبة 80 في المائة من المنتحرين هم رجال، يعتبر شعورهم بالوحدة أحد العوامل الرئيسة في إقدامهم على هذا التصرف. ودفع ذلك بعض الباحثين إلى المطالبة بعدم حصر الأطباء أسئلتهم في معايناتهم السنوية لمرضاهم الرجال بعوامل المخاطر الصحية مثل التدخين واستهلاك الكحول، والاستفسار أيضاً عن مقدار رضى مرضاهم عن علاقاتهم وخلوها من الوحدة والعزلة.