السودان: إضرابات لا تنتهي

04 أكتوبر 2022
خلال إضراب مجموعة من الأطباء (فرانس برس)
+ الخط -

ما إن ينتهي إضراب عن العمل في أحد القطاعات في السودان، حتى يبدأ إضراب جديد في قطاع آخر. وتشهد البلاد في الآونة الأخيرة جملة من الأزمات الاقتصادية والمعيشية تتحملها الأسر السودانية، وتتمثل في زيادة أسعار السلع والخدمات الأساسية في ظل التضخم وانخفاض سعر الجنيه السوداني في مقابل العملات الأجنبية. وبالتالي، لم تعد رواتب الموظفين تكفي لسد الاحتياجات الضرورية، الأمر الذي يدفع العمال والموظفين إلى الاضراب.      
في الأسبوع الأول من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، نفذ عمال في قطاع الكهرباء العديد من الإضرابات، الأمر الذي أثر على خدمة التيار الكهربائي التي تعاني أصلاً في ظل غياب الصيانة وسوء الإدارة وقلة ساعات التغذية. واستجابت الحكومة لمطالب العمال ورفعت رواتبهم إلى 375 ألف جنيه (نحو 700 دولار أميركي)، ما أثار حفيظة بقية النقابات، التي أعلن عدد كبير منها، من بينها نقابة أطباء السودان، الإضراب عن العمل مدة 3 أيام من الـ11 إلى الـ13 من الشهر الماضي، بهدف الضغط على الحكومة لصرف رواتب جميع أطباء الامتياز وغيرها من مستحقات مالية. وبعد مضي الأيام الثلاثة من دون استجابة لمطالبهم، مُدّد الإضراب ثلاثة أيام أخرى. يشار إلى أن الطالب الذي أنهى متطلبات التخرج المقررة بنجاح يقضي 12 شهراً في التدريب السريري. 

كما لوّح 400 أستاذ يعملون بعقود خاصة في جامعة الخرطوم، كبرى الجامعات السودانية، بالاستقالة بعد تخفيض رواتبهم بنسبة 50 في المائة، وسط مساندة ودعم من زملائهم والهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم. كما بدأ العاملون في الصندوق القومي لرعاية الطلاب إضراباً عن العمل في وقت سابق. 
وتواصلت الإضرابات لتشمل عاملين في وزارات حكومية، مثل وزارة الزراعة والغابات التي أعلن العاملون فيها بدء إضراب تدريجي عن العمل في المركز والولايات اعتباراً من 25 سبتمبر/ أيلول الماضي، للضغط على السلطات لتنفيذ مطالبهم الخاصة بالرواتب والمخصصات الأخرى. وهدّد المهندسون بالبث الإذاعي والتلفزيوني بالدخول في إضراب قبل أن تستجيب لهم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي في وقت سابق، لكنهم ما زالوا يتخوفون من عدم وفائها بالتزاماتها كما نقضت اتفاقها مع عمال ومهندسي قطاع الكهرباء، الأمر الذي أعاد إضراب عمال الكهرباء إلى الواجهة يوم الـ25 من الشهر الماضي.  
كما امتدت الإضرابات إلى الأسواق السودانية، وأغلق التجار محالهم، في مدن تمبول والقضارف والأبيض والدمازين وغيرها من المدن، احتجاجاً على السياسيات الضريبية الجديدة التي رفعت نسبة الضرائب عشرة أضعاف، وينوي تجار في مدن أخرى تكرار التجربة في مدنهم.        
ويقول الناشط محمد داؤود إن تلك الإضرابات تنعكس كلياً على حياة الناس، لا سيما تلك المرتبطة بالخدمات اليومية كالصحة والمياه والكهرباء، مبدياً تخوفه من انتشار عدوى الإضرابات، الأمر الذي قد يصيب الحياة كلها في السودان بالشلل التام. ولا تستطيع الدولة مقاومتها إلا من خلال الاستجابة الكلية أو الجزئية لمطالب الموظفين والعمال وأصحاب المهن الأخرى.
ويوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الأمر الجيد في الإضرابات الحالية هو بعدها عن التسييس وتدخل الأحزاب التي تسخرها لمصلحتها الخاصة، مبدياً تحفظه الشديد على الإضرابات في القطاعات الحيوية، مثل المستشفيات والكهرباء، مطالباً الموظفين باستخدام أدوات ضغط بعيدة عن التوقف عن العمل كونها تكلف المرضى حياتهم، وأن يكون اللجوء للإضراب هو آخر الخيارات. يضيف أن أسرته تضررت قبل فترة من إضراب الأطباء الذي أخر إجراء عملية جراحية لأحد أفرادها، ما أدى إلى ضرر نفسي وجسدي بالغ.

خلال إضراب مجموعة من الأطباء (فرانس برس)
مطالب كثيرة للعمال والموظفين في السودان (فرانس برس)

إلى ذلك، يقول الخبير في مجال العمل النقابي محمد خوجلي إنّ دائرة الإضرابات ستتسع أكثر فأكثر في ظل حالة الفراغ الحكومي الآني الذي أعقب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في ظل عدم وجود نقابات رسمية. ويوضح لـ"العربي الجديد" أن "للكثير من الإضرابات أبعاد سياسية تسير جنباً إلى جنب مع المطالب المالية والخدماتية، وتثبيت الحقوق"، موضحاً أنه "حتى الحلول والعلاجات الطارئة لقضية الإضرابات، كما حدث في قطاع الكهرباء، تفتقر إلى الخبرات الكافية وخصوصاً من قبل الحكومة، التي تصرف الحوافز من دون أدنى ضوابط أو معايير، ما خلق الكثير من الظلم وسط الفئات المختلفة".
ويقلّل خوجلي في حديثه لـ"العربي الجديد" من الانتقادات التي توجه للإضرابات بحكم أنها تمس حياة المواطنين ورواتبهم وصحتهم وتعليمهم، مبيناً أن "اللجان التي تشرف على الإضرابات دائماً ما تنظمها بما يراعي احتياجات الناس. على سبيل المثال، لا يضرب أطباء الطوارئ عن العمل. وعلى الرغم من إضراب عمال الكهرباء، لم يحدث ظلام كلي". ويؤكد أن "الإضرابات العمالية المهنية محكومة بمعايير دولية تعطي أهمية قصوى لعدم الإضرار بالمواطنين، ووضع اعتبار للظروف الإنسانية"، منتقداً بشدة دور وزارة العمل والإصلاح الإداري ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي اللتين فشلتا تماماً في إدارة الملفات المنوطة بها، لا سيما الاختلال الكبير في الرواتب والمخصصات من وزارة إلى أخرى ومؤسسة إلى أخرى. 

كما يحمّل حكومة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك جزءاً من الارتباك الحاصل في الرواتب، مؤكداً عجز السلطات الحالية عن العمل بنظام الراتب الموحد، وبشروط خدماتية متوازنة ومجزية، وخصوصاً ما يلي الحوافز التي تصرف في بعض المؤسسات بما يساوي راتب الموظف الواحد في السنة 44 مرة. ويؤكد أن التخصيص المهول للحوافز يحدث غالباً في المؤسسات الإيرادية، ويشدد على أن المعالجة النهائية تكمن في التوحيد الكامل للهيكل الراتبي بما يخلق عدالة بين جميع القطاعات.        

المساهمون