السودان: الحرب تقضي على فرحة عيد الأضحى

15 يونيو 2024
الذهاب إلى سوق الأضاحي تقليد في العيد (إبراهيم حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الحرب في السودان تسببت في تغييرات جذرية على احتفالات عيد الأضحى، مع تشتت العائلات وصعوبة القيام بالطقوس التقليدية مثل شراء الأضحية والملابس الجديدة.
- السودانيون يواجهون تحديات كبيرة في الحفاظ على طقوس العيد بسبب النزوح واللجوء، لكنهم يحاولون الاحتفاظ بروح العيد والأمل في السلام.
- رغم الظروف القاسية، يظل العيد فرصة للدعاء من أجل الأمن والسلام في السودان، مع تعلق الأمل بعودة الاحتفالات التقليدية في المستقبل.

يحلّ عيد الأضحى على السودانيين وسط ظروف كارثية في ظل استمرار الحرب، وهو ما يجعلهم يستقبلونه في حالة من الحزن، وإن كان بعضهم يحاول الحفاظ على طقوسه.

يستقبل المسلمون في مختلف أنحاء العالم عيد الأضحى غدا محتفظين بشعائرهم وطقوسهم القديمة، إلا أن السودانيين يستقبلونه بواقع مختلف عما كان عليه في الماضي بسبب الحرب التي اندلعت في بلادهم في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي توسعت لتشمل أكثر من عشر ولايات سودانية من جملة 18 ولاية. وقُتِل في الحرب ما لا يقل عن 15 ألف شخص، وتشرد أكثر من ثمانية ملايين، ولجأ مئات الآلاف منهم إلى مصر وتشاد وأوغندا وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا وبلدان أخرى في الخليج. 
منيرة الأمين (45 عاماً)، وهي أم لطفلين من منطقة شرق النيل في الخرطوم، نزحت لأقاصي ولاية سنار جنوب شرق البلاد. وتقول لـ "العربي الجديد" عبر الهاتف، إنها مريضة وتسكن مع أسرة غير مرحبة بوجودها معها، هي التي فقدت كل شيء بعد طلاقها من زوجها الذي رفض الإنفاق على أبنائه. وفي الوقت الحالي، تعجز عن تأمين الدواء أو الغذاء. لذلك، لم تفكر في العيد ولم تستعد له. وتقول: "أعيش الهم بسبب أحوالنا وأحوال شقيقاتي الموجودات في شرق النيل، والمحاصرات من قبل قوات الدعم السريع"، مؤكدة أنها "ستفتقد هذه المرة ضحكات العيد والأبواب المفتوحة للمعايدات من الأهل والأصدقاء"، مشيرة إلى أنها تعيش غربة حقيقية لأن المجتمع هناك لا يتقبلها مطلقاً، وكل أمنيتها هي أن يسكت صوت الرصاص وتعود إلى منزلها وأسرتها.
أما مي عبد القادر، فقد لجأت بعد رحلات نزوح متعددة إلى أوغندا. وتقول لـ "العربي الجديد": "الحرب لوحدها كتاب جديد، وفصل غير الفصول. لم تعد الأعياد كما كانت، وتمر كما الأيام بلا طعم ولا لون". تضيف: "في السابق، كنت أستعد للعيد مع أسرتي وأشارك أمي في تحضير البهارات وفرش المنزل وأتفاءل بتغيير ديكور البيت ولو قليلاً، كبعض الدهان أو تغيير وضعية غرفة الجلوس وشراء مفارش جديدة بألوان زاهية. كنت أهتم كثيراً بالنظافة وتلميع كل شيء، إلى جانب الدهان ووضع الأزهار والشتول". 
من جهتها، تقول لمى عبد القادر، إن العيد فرصة لشراء "جلابية الهزاز أم طرحة وصندل جديدين"، مضيفة في حديثها لـ "العربي الجديد" أنها تكمل التجهيز بعطر جديد، والاهتمام بالتسريحة والمشاط الأفريقي الذي يمنحها إحساساً بالتجديد، مؤكدة أن ذلك طقس تمارسه كل عام. أما مي عبد القادر، فتقول إنها "لم تعد تملك بيتاً تزينه، ولا تشعر بالانتماء إلى شيء الآن". تضيف: "أفتقد لمة الأحبة في الحوش الكبير أول أيام العيد، حيث يُذبح خروف، وننتقل بعدها إلى منزل خالتي. أفتقد تحضير الطعام وباب الشارع المفتوح على مصراعيه لمدة ثلاثة أيام. هنا في أوغندا، سيمر العيد وأنا أشاهد التلفاز مع أبنائي. قد أشتري بعض اللحم من أجل الصغار".

ويقول عبد الكريم الطاهر (54 عاماً) من ولاية الجزيرة وسط السودان، إنه نزح من ولايته بعدما طاولتها الحرب، وكانت وجهته ولاية نهر النيل شمال السودان. صحب معه أسرته الصغيرة وزوجته وأولاده، وترك أمه ووالده في الجزيرة، بالإضافة إلى عدد من أشقائه. وفي فبراير/ شباط الماضي، أرسل أسرته الصغيرة إلى مصر حتى يتمكن أبناؤه من الالتحاق بالدراسة، ثم عاد إلى الخرطوم مرة أخرى. ويقول لـ "العربي الجديد" إن عيد الأضحى يمر عليه وحيداً بسبب تشتت عائلته بين النزوح والملاجئ وهو بعيد عن الجميع. يضيف أن أكثر ما يفتقده هو بداية رحلات التسوق لشراء الملابس والأحذية والألعاب لأطفاله برفقة زوجته، وهو تقليد كان يبدأه قبل أيام من العيد، وكان أمراً ممتعاً رغم التعب والإرهاق وصرف المال. لكنه في النهاية، يدخل فرحاً مبكراً في نفوس أطفاله الخمسة. 
يضيف الطاهر أنه بسبب ظروفه المالية، فإنه غير قادر الآن على إرسال أموال إضافية لأسرته الصغيرة في مصر لشراء ملابس جديدة، ويبدي تعاطفه مع الأطفال الذين سيبقون محبوسين في شقتهم في القاهرة من دون الخروج إلى الميادين العامة للعب واللهو مع أقرانهم كما كانوا يفعلون في السابق، وأنهم فقط سينتظرون مكالمة صوتية أو فيديو عبر تطبيق واتساب ليسعدوا بعض الشيء.

الحرب قضت على طقوس العيد (فرانس برس)
الحرب قضت على طقوس العيد (فرانس برس)

يضيف عبد الكريم الطاهر أن قلبه مع والدته في الجزيرة، فهو لن يعايدها هذا العام بعد أداء صلاة العيد ولن يتمكن من التواصل معها هاتفياً، لأن المنطقة التي تعيش فيها مقطوعة عن الاتصالات وشبكات الإنترنت منذ خمسة أشهر. كما لن تكون هناك أضحية في المنزل الكبير نتيجة الأوضاع المالية، وهو أمر لم يحصل على مدى عشرين عاماً، هو الذي كان شديد الحرص على ذبح الأضحية. 
رغم كل شيء، يؤكد عبد الكريم الطاهر، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "عيد الأضحى هو العيد الكبير وسنّة في الإسلام، وسنتجاوز من خلاله آلامنا ونفرح به ونبتهل بالدعاء لله عز وجل بأن يعيده علينا بالأمن والسلام واليمن والبركات". أما هديل (25 عاماً)، والتي لجأت إلى مصر مع أسرتها، فتقول إنها "فارقت الفرحة والبسمة منذ الطلقة الأولى من الحرب، وتوسعت الفجوة أكثر حينما غادرت منزلها بضاحية أركويت بالخرطوم بعد ثلاثة أشهر، وتركت منزلها المليء بالذكريات والحكايات، لا سيما ذكريات عيد الأضحي حين يجهزون أنفسهم له بصناعة الخبائز والحلوى والملابس وإعادة ترتيب المنزل بالمفروشات والستائر. الاجتماع الأحلى في الطهي حين يجتمع الناس اليوم في منزل واحد". وتؤكّد لـ "العربي الجديد" أنها لا تدري كيف سيكون هذه المرة، مشيرة إلى أن آلاف السودانيين في مصر يحاولون خلق أجواء للعيد، وخصوصاً في مدينة فيصل والعجوزة وغيرها من أماكن التجمعات الكبيرة، وتأمل أن يكون هذا آخر عيد لهم في بلاد الشتات والمنافي. 

أما مصطفى (32 عاماً)، وهذا ليس اسمه الحقيقي، فقد لجأ إلى أوغندا، يقول لـ "العربي الجديد" إنه يستقبل العيد وهو لم يغادر محطة الحزن على شقيقه الوحيد الذي مات بسبب الحرب اللعينة، وخصوصاً أنه عاش معه أجمل الأعياد في الأضحية حينما يتشاركان ذبح الخروف وتقطيعه، وإعداد المشاوي، وزيارة الأقارب والأصدقاء والجيران بقرى من سهول كردفان، غرب البلاد. 
ويقول مصطفى لـ "العربي الجديد" إن "حالته تشبه حالة الكثير من السودانيين الذين فقدوا واحدا أو أكثر من أسرهم خلال الحرب، ما يفقدهم نكهة العيد وينقص فرحتهم"، مبيناً أن البعد عن الأهل في العيد الكبير هو في حد ذاته ألم، لأنه اعتاد مغادرة الخرطوم والعودة إلى مسقط رأسه في عيد الأضحى، وأي عيد خارج قريته لا قيمة له. ويشير إلى أنه في أوغندا سيتعامل مع العيد بوصفه شعيرة دينية، وسيذهب للصلاة، ويذبح الأضحية، فلا مجال هنا لاجتماع أحبة وأصحاب وأهل. في العادة، تستمر الفرحة ثلاثة أيام، أما في الوقت الحالي، "فنعيش قلقاً على الأهل في السودان بسبب الهجمات والاعتداءات العشوائية من قبل المليشيات المسلحة"، مؤكداً أن الأمل يبقى بعودة الأطراف المتحاربة لصوت العقل والتفاوض لإيقاف الحرب حتى يعود الجميع إلى حضن الوطن، ونعيش حياة وأعياداً اعتدناها". 
أحمد عثمان، الموجود حالياً في مدينة أم درمان، وهو تاجر سابق في سوق المدينة، يعرب في حديثه لـ "العربي الجديد" عن شعوره بأسى شديد لأنه لم يتمكن هذا العام من توزيع المال على بعض الأسر المتعففة لتسعد. 

المساهمون