يشهد السودان سبع حالات طلاق خلال الساعة الواحدة، بحسب إحصائيات رسمية كشفت عنها السلطات أخيراً، ما يطرح تساؤلات عن الأسباب والنتائج.
خلال عام 2021 وحده، سجلت السلطات السودانية 64 ألف حالة طلاق، وفي الفترة ما بين 2016 إلى 2020، شهدت محاكم البلاد نحو 270 ألف دعوى طلاق، وترجح السلطات القضائية وجود الكثير من حالات الطلاق التي يختار أصحابها عدم الذهاب إلى القضاء، وإنهاء العلاقة الزوجية في الإطار الاجتماعي.
تزوجت صفية (35 سنة)، قبل 15 عاماً وأنجبت 4 أبناء، ومنذ أكثر من ست سنوات، اختفى زوجها لتصبح مسؤولة فجأة عن تربية أبنائها وتوفير لقمة العيش لهم، على أمل أن يعود زوجها. تقول لـ"العربي الجديد"، إنها فقدت الأمل في عودته، فتوجهت إلى المحكمة الشرعية وطلبت الطلاق غيابياً.
بعد سلسلة من الجلسات، منحها القاضي وثيقة طلاقها، مشيرة إلى مدى صعوبة تربية الأبناء بمفردها وتأمين ما يحتاجون إليه، كما أن مؤسسات الدولة لم تساعدها، فكان عليها مواجهة التحديات. لم تعرف سبب هرب زوجها، وإن كانت تدرك مدى صعوبة الظروف المعيشية التي يعاني منها السودانيون خلال السنوات الأخيرة.
يقول خالد (30 سنة)، لـ"العربي الجديد"، إنه تزوج عن قناعة من زميلته في العمل، وبقيا معاً سنة واحدة قبل أن يختار الطلاق، لافتاً إلى أنها لم تكن صريحة معه، وأخفت عنه تجربة زواجها الأول، محملاً نفسه مسؤولية عدم اختيار الشخص المناسب.
ولثوبية (22 سنة)، قصة مشابهة، فقد أجبرت على الزواج من إبن عمها بحكم العادات والتقاليد، رغم أنها كانت مرتبطة عاطفياً بشاب آخر، مشيرة إلى أنها حاولت جاهدة العيش معه، لكنها فشلت، إلى أن قررا الانفصال، وباتت مطلقة على الرغم من نظرة المجتمع السلبية للنساء المطلقات.
في هذا الإطار، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم إن عدم الاختيار المناسب لشريك الحياة يعد أحد الأسباب الرئيسية التي ضاعفت حالات الطلاق في البلاد، وتحصل الكثير من الزيجات من دون توافق، مشددة على أن التوافق العاطفي والفكري والثقافي هو أحد ضمانات استمرار الحياة الزوجية، حتى لو لم يكن الزوجان بمستوى تعليمي واحد.
تضيف إبراهيم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ التدخل المستمر في حياة الزوجين سواء من أسرة الزوج أو أسرة الزوجة من العادات الاجتماعية الضارة جداً، وقد يتجاوز التدخل إلى حد التقرير نيابة عن الأزواج، وخصوصاً في حال كان الزوجان يعيشان في بيت واحد مع العائلة الكبيرة، حيث لا يشعران بالراحة.
كما تلفت إلى عوامل أخرى، منها الظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة التي تجعل من الزوج غير قادر على تلبية احتياجات الزوجة والأبناء، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن الظروف المعيشية لا تؤدي إلى الطلاق إلا في حال كانت العلاقة الزوجية هشة.
وتعدد إبراهيم أسباباً أخرى للطلاق، مثل الخيانة الزوجية، والعنف الجسدي والمعنوي ضد النساء، وإصرار المرأة على العمل أو التعليم لتحقيق ذواتهن وسط اعتراض الرجال، ليقرر الطرفان الانفصال. وفي ما يتعلق بنتائج وانعاكسات الطلاق في المجتمع، تقول إنه وصمة تقع على المرأة يؤدي إلى تقييد حركتها. وفي المحاكم، تكثر الخلافات حول نفقة الأبناء وغيرها لتنعكس الخلافات على الأبناء وقد تؤدي إلى اضطرابات نفسية، مشيرة إلى أن 90 في المائة من حالات الطلاق في السودان لا تضمن حقوق الزوجة أو الأطفال.
من جهتها، تعزو أستاذة علم الاجتماع أريج أمين زيادة معدلات الطلاق في السودان وغيره من البلدان إلى غياب التوعية، والإجبار على الزواج، وانتشار معلومات خاطئة حول كيف يجب أن يعامل الزوج زوجته، كما تحمل وسائل الإعلام المسؤولية، إذ يشاهد الشباب أفلاماً ومسلسلات رومانسية لحد الخيال، إلا أنهم يصدمون بالواقع والمسؤوليات التي يفرضها الزواج، مشددة على ضرورة التوعية والإرشاد، وتصميم برامج تساعد على بناء الأسرة.
أما المتخصص في الطب النفسي علي بلدو، فيرى أن تزايد حالات الطلاق يشكل خطراً على الأسرة وله انعكاسات نفسية واجتماعية خطيرة، ويؤدي الى شعور بالصدمة، وتعقيدات كبيرة في بناء شخصية الأبناء الذين يفقدون الثقة بأنفسهم، كما أن الخلافات بين المطلقين حول الأبناء أو نفقتهم يضاعف جرائم العنف اللفظي والجسدي والتي وصلت لجريمة القتل العمد، مؤكداً أن الطلاق يغذي الشعور بعدم الاطمئنان.
يضيف بلدو لـ"العربي الجديد"، أن هناك نظرة مجتمعية سلبية للمرأة المطلقة التي يحملها المجتمع في معظم الحالات مسؤولية وقوع الطلاق، عدا عن الآثار النفسية وشعورها بالاكتئاب، وإن كانت كثيرات يرغبن بالطلاق بسبب استحالة الحياة مع أزواجهن.