يعيش اللاجئون السوريون في الأردن معاناة جديدة بعد قرار برنامج الغذاء العالمي تقليص المساعدات الغذائية المقدمة لهم، وإعلان المجتمع الدولي بطريقة غير مباشرة التخلي عن مسؤولياته تجاههم. ويعيش في الأردن نحو 1.3 مليون سوري، من بينهم 660260 مسجلين لدى الأمم المتحدة، ويعتبر الأردن ثاني أكبر دولة في العالم تستضيف لاجئين سوريين بعد تركيا.
وقال بيان صادر عن مكتب برنامج الأغذية العالمي في عمّان، الجمعة، إن أزمة التمويل غير المسبوقة دفعته إلى تقليص مساعداته الغذائية الشهرية للاجئين في الأردن، ابتداءً من شهر أغسطس/آب، كما تم استثناء نحو 50 ألف لاجئ من المساعدات، موضحاً أنه سيعطي الأولوية للأسر الأشد احتياجاً عبر توجيه الموارد المحدودة لتلبية احتياجاتهم، وذلك بعد أن استنفد البرنامج جميع الخيارات، بما في ذلك خفض قيمة المساعدات النقدية في بداية الشهر الحالي بمقدار الثلث لجميع اللاجئين خارج المخيمات.
وجاء قرار قطع وتقليص المساعدات مفاجئاً للاجئين، خاصة بعد إعلان سابق يؤكد أن قيمة المساعدات للمقيمين خارج المخيمات من أسر اللاجئين المصنفين من بين الأكثر احتياجاً للمساعدات الغذائية، ستصل إلى 15 ديناراً (21 دولارا أميركيا) للفرد شهرياً، بدلا من 23 ديناراً، فيما أسر اللاجئين المصنفين متوسطي الاحتياج، ستتقلص قيمة المساعدات التي يتلقونها من 15 ديناراً للفرد إلى 10 دنانير.
ويقول اللاجئ محمد عارف، والذي يعيش في أحد أحياء عمان الشعبية، لـ"العربي الجديد"، إن أطفاله يبيتون من دون طعام، وإنه غير قادر على دفع إيجار البيت، ومن المحتمل أن يطرده صاحب المنزل إلى الشارع، مضيفاً أن "الكوبون الغذائي كان يسترني أنا وأطفالي، وعار على كل من ساهم في قطع الكوبونات. كنت أحصل على سلة تتضمن المواد الغذائية الأساسية من سكر وأرز وشاي وزيت، واللحم والدجاج نادراً ما كنا نحصل عليها، ولم نكن نستطيع شراء أكثر من ثلاث دجاجات شهرياً، وفي ظل القرارات الأخيرة، لن نحلم بالدجاج حتى. هربنا من الموت، والآن نواجه مصيراً مجهولاً".
ويرى عارف أن "التخفيضات لم تكن مدروسة بالشكل الكافي، ولم تنظر للوضع الإنساني للاجئين. كنت مصنفاً ضمن الأسر الأشد احتياجاً، ولم أحصل على أية مساعدات باستثناء المساعدات الغذائية، ورغم ذلك جرى قطعها"، واقترح توزيع ما هو متوفر على جميع اللاجئين بعدالة، مشيراً إلى أنه منذ شهرين لم يستطع الحصول على أي عمل، وقطع المساعدات يعني أن الأمور تضيق، والمعاناة تتسع.
بدوره، يقول اللاجئ عادل، والذي فضل الاكتفاء باسمه الأول، إن قطع المساعدات عن اللاجئين يعني أن المجتمع الدولي يعلن تخليه عنهم، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد التخفيض السابق، أصبحت المعاناة مضاعفة، ففرص العمل شحيحة، والأجور متدنية، في حين ترتفع أسعار السلع والخدمات وإيجارات المنازل، حتى أن الحصول على الغذاء الكافي لم يكن ممكناً في كثير من الأيام. لا أنوي العودة إلى سورية في ظل الظروف الحالية، فلا أحد يضمن سلامته، ومن يعود إذا لم يعتقل سيذهب إلى الخدمة العسكرية".
ويدعو اللاجئ السوري المجتمع الدولي إلى المساعدة في الحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات التي يحصل عليها اللاجئين طالما أن خيار العودة إلى سورية غير مطروح. قائلاً إنه يخشى من تبني الحكومة الأردنية إجراءات تدفع السوريين إلى المغادرة بسبب الظروف الاقتصادية، مثل وقف تصاريح العمل، أو مضاعفة الرسوم على من يحملها، أو إعادة النظر في تسهيلات الإقامة والعمل.
من جهتها، تقول اللاجئة أم علي، لـ"العربي الجديد": "تنتظرنا أيام صعبة. كانت الكوبونات لا تكفينا، لكننا كنا نستغل حصتنا من المواد الغذائية في استبدالها بأشياء أخرى مثل توفير الملابس للأطفال، وكنا نحاول الاعتماد على الأعمال اليدوية لسد النقص في الاحتياجات. وضعنا أفضل من غيرنا، لكننا مدينون بمبلغ يصل إلى 3 آلاف دولار، وأحيانا نضطر إلى شراء مستلزمات، في حين لا يتوفر لدينا المال، والقرار الجديد يتركنا للمجهول، بينما التفكير بالعودة إلى سورية مستبعد".
وفي السياق، تقول مديرة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، سمر محارب، لـ"العربي الجديد"، إن "تخفيض الدعم كان متوقعاً، وهذه ليست المرة الأولى، فقد حدث سابقاً مع اللاجئين العراقيين، وجنسيات أخرى، ومن المؤسف محاولة نقل العبء على اللاجئين أنفسهم، أو الدول المضيفة، والتي تتحمل الإشكالات الناتجة من صعوبة ظروف حياة اللاجئين، وتحاول توفير فرص عمل لهم في ظل بطالة تتجاوز في الأردن كمثال 22 في المائة من السكان".
تضيف محارب: "نحن أمام واقع جديد، ولا بد من إعادة النظر بشكل أكثر جدية للبحث عن حلول مستدامة، ومنها العودة الطوعية للاجئين بعد توفير الظروف المناسبة لذلك، أو توفير سبل عيش تضمن لهم حياة كريمة، واستضافة جزء منهم في دول التوطين. يعيش اللاجئون مأساة، ومع وقف المساعدات ستكون ظروفهم أكثر صعوبة، لكن ذلك لن يدفعهم إلى العودة إلى بلدهم، وما يحدث هو زيادة المعاناة فقط. مأساة اللاجئين ظاهرة للعيان، داخل المخيمات وخارجها، ومن هم في المخيمات أقل معاناة اقتصادياً بسبب عدم دفع إيجار البيوت وفواتير الماء والكهرباء، لكن أزماتهم أكبر بسبب وجودهم في مكان غير آدمي".
وأكدت أن "تخفيض الدعم عن برنامج الغذاء العالمي سبقه تخفيض الدعم لجميع الجمعيات والمنظمات العاملة في مساعدة اللاجئين، فالتمويل بدأ بالتقلص بشكل ملحوظ بعد أزمة كورونا، ثم تقلص أكثر بعد الحرب في أوكرانيا، وكل هذه الضغوط دفعت الجمعيات إلى تقليص خدماتها رغم أن حاجات اللاجئين تفرضها الأولويات، وفي السابق كان من الممكن التركيز على أمور ليست أساسية، لكن اليوم سيصبح توفير الغذاء هو الأولوية بدلاً من التدريب والتمكين، وقد أصبح هذا مطلب حكومي أيضاً، ولا بد من التركيز على الحلول المستدامة، والعمل معاً كحكومة ومنظمات لوضع خطة استجابة منطقية تلبي أساسيات الحياة للاجئين".
وقال الممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن، ألبرتو كوريا مينديز، في تصريحات سابقة، إن البرنامج يشعر بقلق بالغ من أن تقليص المساعدات سيزيد معاناة آلاف الأسر اللاجئة، ويجعلهم أكثر عرضة لخطر انعدام الأمن الغذائي، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفاً، بمن في ذلك الأطفال والنساء وذوو الاحتياجات الخاصة. وأضاف أنه "بالرغم من تقليص المساعدات، لا يزال البرنامج يواجه نقصاً حاداً في التمويل قدره 41 مليون دولار أميركي حتى نهاية عام 2023. دون الحصول على التمويل اللازم، سيضطر البرنامج إلى خفض مساعداته بشكل أكبر".
وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في تغريدات على موقع "تويتر"، إنه بحلول الأول من أغسطس/آب المقبل، سيقطع برنامج الغذاء العالمي الدعم الحيوي عن اللاجئين السوريين في الأردن، داعياً البرنامج إلى مراجعة القرار لما له من تداعيات على عدة مستويات. وحذّر من أن قطع المساعدات عن اللاجئين سيزيد من معاناتهم، وأن الأردن غير قادر على سد هذه الفجوة.
وخلصت دراسة لقياس الفقر بين اللاجئين في الأردن، أجرتها مفوضية شؤون اللاجئين وفريق البنك الدولي المعني بالفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن 39.8 في المائة منهم، عدا اللاجئين الفلسطينيين، يعانون من الفقر الغذائي، والمقدر بـ16.71 ديناراً شهرياً للفرد (23.5 دولارا)، وأظهرت أن "معدل الفقر وعمقه لدى اللاجئين خارج المخيمات أعلى نسبياً من اللاجئين في داخل المخيمات"، وذلك بعد تقييم المساعدات العينية التي تشمل المأوى والمياه والكهرباء المقدمة.
وقالت الدراسة إن "15.54 في المائة من اللاجئين الذين يسكنون المخيمات يعانون من فقر غذائي، في مقابل 44.84 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، وباستخدام معيار خط الفقر الدولي، وهو 5.5 دولارات يومياً للفرد، يبلغ معدل الفقر بين جميع اللاجئين 66.25 في المائة، ويعاني منه 58.79 في المائة من اللاجئين في المخيمات، و67.8 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، وأن 21.15 في المائة من اللاجئين في الأردن يعيشون على أقل من 3.2 دولارات يومياً".