يعيش اللاجئ السوري محمد أحمد في أحد أحياء العاصمة الأردنية عمّان، ويقول إن قرار برنامج الأغذية العالمي الخاص بوقف المساعدات زاد من معاناة آلاف اللاجئين السوريين في الأردن، وإنه كان مفاجئاً للاجئين، خاصة بعد إعلان سابق يؤكد أن قيمة المساعدات للمقيمين خارج المخيمات المصنفين من بين الأكثر احتياجاً، ستصل إلى 15 ديناراً (21 دولاراً) للفرد شهرياً، بدلاً من 23 ديناراً، فيما ستتقلص لأسر اللاجئين المصنفين متوسطي الاحتياج من 15 ديناراً للفرد إلى 10 دنانير.
يقول محمد لـ"العربي الجديد": "قدمت طلباً لاستئناف المساعدات المقدمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، فالوضع لا يحتمل، إذ كانت المخصصات تغطي جزءاً من الاحتياجات الغذائية للأسرة، بينما لا توجد سبل للحصول على متطلبات الحياة اليومية. يمكن للسورين الحصول على تصاريح عمل، لكن في الحقيقة لا يتوفر العمل دائماً، في ظل معدلات بطالة مرتفعة، وهناك العديد من المهن والأعمال المغلقة أمام العمال الوافدين، ومنهم اللاجئون السوريون. كنا نأمل أن يكون وجودنا في الأردن مؤقتاً، لكن الأمنيات معلقة بالتوطين في بلد ثالث، وها نحن ننتظر المجهول، فالأوضاع المعيشية في سورية صعبة، والوضع الأمني مقلق".
وقال مصدر في برنامج الغذاء العالمي في عمّان، لـ "العربي الجديد"، إنه لا توجد أية تحديثات منذ نشر البرنامج بيانه الأخير في 18 يوليو/ تموز الماضي، والذي تحدث فيه عن أزمة تمويل غير مسبوقة دفعته إلى تقليص مساعداته الغذائية الشهرية للاجئين ابتداءً من شهر أغسطس/ آب، ليتم استثناء نحو 50 ألف لاجئ من المساعدات، وأوضح المصدر أن "الأولوية ستكون للأسر الأشد احتياجاً عبر توجيه الموارد المحدودة إليهم، وذلك بعد أن استنفد البرنامج جميع الخيارات، بما في ذلك خفض قيمة المساعدات النقدية بمقدار الثلث لجميع اللاجئين في خارج المخيمات".
من جانبه، يقول اللاجئ أبو راكان إنه يحاول توفير احتياجات عائلته المعيشية عبر العمل في قطاع الإنشاءات بالمياومة، لكن هذا العمل لا يمكن الاعتماد عليه، إذ يعمل لعدة أيام، ثم ينقطع العمل. "نحو 10 في المائة من اللاجئين السوريين لديهم أعمال مستقرة، لكن الأغلبية إذا عملت اليوم لا تضمن العمل غداً، والمجتمع الدولي تخلى عنا، ولم يعد يهتم بقضيتنا كما كان في السابق، واللجوء أنهك السوريين في الأردن، لكن الأغلبية لا تفكر في العودة إلى سورية، وقطع برنامج الغذاء العالمي المساعدات حرم كثيرين من الفتات الذي كانوا يحصلون عليه".
ويقول لاجئ فضل عدم الكشف عن اسمه إنهم لا يريدون انتظار المساعدات، لكن الكثير من المهن مغلقة أما العمالة غير الأردنية، وغالبية اللاجئين السوريين يعملون في الاقتصاد غير المنظم، مثل قطاعات البناء والتشييد والزراعة، وفي قطاع الخدمات والمطاعم. ويتابع: "أغلب السوريين في الأردن يعانون، ولا يرغبون بالبقاء، ويحاولون تجاوز عوائق انتقالهم إلى بلد ثالث. الأوضاع الاقتصادية صعبة على المواطنين واللاجئين، لكن السوري لا يستطيع حتى أن يستدين، أو يحصل على قرض من البنك، ومن الواضح أنه لا حلول قريبة في سورية، وعلى المجتمع الدولي ألا يتركنا ضحايا للفقر واللجوء".
وتتحدث الحكومة الأردنية عن استضافة 1.3 مليون لاجئ سوري، نحو نصفهم غير مسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، ويقدر حصول 60 ألف لاجئ فقط على تصريح عمل سنوي في البلاد التي تصل نسبة البطالة فيها إلى 22 في المائة.
وخلصت دراسة لقياس الفقر بين اللاجئين في الأردن، أجرتها مفوضية شؤون اللاجئين وفريق البنك الدولي المعني بالفقر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن 39.8 في المائة منهم، عدا اللاجئين الفلسطينيين، يعانون من الفقر الغذائي، والمقدر بـ16.71 ديناراً شهرياً للفرد (23.5 دولاراً)، وأظهرت الدراسة أن معدلات الفقر بين اللاجئين خارج المخيمات أعلى نسبياً من اللاجئين في المخيمات، وذلك بعد تقييم المساعدات العينية التي تشمل المأوى والمياه والكهرباء.
وقالت الدراسة إن "15.54 في المائة من اللاجئين الذين يسكنون المخيمات يعانون من فقر غذائي، في مقابل 44.84 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، وباستخدام معيار خط الفقر الدولي، وهو 5.5 دولارات يومياً للفرد، يبلغ معدل الفقر بين جميع اللاجئين 66.25 في المائة، ويعاني منه 58.79 في المائة من اللاجئين في المخيمات، و67.8 في المائة من اللاجئين خارج المخيمات، كما أن 21.15 في المائة من اللاجئين في الأردن يعيشون على أقل من 3.2 دولارات يومياً".
وأكدت مفوضية شؤون اللاجئين، في بيان، أنها لم تقلص المساعدات النقدية المقدمة للعائلات الأشد احتياجاً، لكن التغييرات تتعلق بمن يتلقى المساعدة النقدية، استناداً إلى آلية تقييم محسنة تضع معايير تساعد في تحديد العائلات الأشد احتياجاً والأكثر ضعفاً.
ويقول الناطق باسم وزارة العمل الأردنية، محمد الزيود، إن عدد تصاريح العمل التي صدرت للعمالة السورية منذ عام 2016، بلغ نحو 385 ألف تصريح عمل، مؤكداً أن العمالة السورية يُسمح لها بالحصول على تصاريح عمل في المهن المسموح بها للعمالة غير الأردنية من باقي الجنسيات، وأن أكثر القطاعات التي يعملون فيها هي القطاع الزراعي، والانشاءات، والصناعات التحويلية، والخدمات الغذائية.
وأشار الزيود إلى أن "العمالة السورية معفاة من رسوم تصاريح العمل بموجب قرار رئاسة الوزراء الأردني، وذلك التزاما بوثيقة العهد الأردنية بعد مؤتمر لندن في عام 2016، ولطلب الحصول على تصريح عمل يطلب منهم وثيقة الخدمة الخاصة بالسوريين الصادرة عن وزارة الداخلية. فرق وزارة العمل تقوم بجولات تفتيش على القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة للتأكد من أن أصحاب العمل ملتزمون بتشغيل العمالة غير الأردنية وفقاً لأحكام قانون العمل، والأنظمة والتعليمات الصادرة بموجبه، وحاصلون على تصاريح عمل سارية المفعول، ويعملون بالمهن المصرح لهم بها، وعند صاحب العمل المصرح لهم بالعمل عنده". ويتابع أنه "في حال ضبط عامل سوري لا يحمل تصريحاً ساري المفعول، أو يعمل بمهنة غير المصرح له بها، أو يعمل لدى صاحب عمل غير الذي صدر باسمه تصريح العمل، يتم مخالفة صاحب العمل، ولا يتخذ أي إجراء بحق العامل، وإنما يتم إرشاده إلى إصدار تصريح عمل".
من جانبها، تقول مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، ليندا كلش، إن "السوريين يواجهون العديد من الصعوبات مثل العمل لساعات طويلة من دون احتساب أجر إضافي، واحتجاز الأجور، وعدم شمول العاملين بالضمان، وإبقاء العامل من دون مظلة حماية، وتوجه أصحاب العمل لفرض استصدار تصاريح عمل مرنة، بحيث يشمل العامل نفسه بالضمان بالمخالفة لقانون الضمان وقانون العمل".
وتوضح كلش: "يتخوف العمال السوريين من التقدم بشكاوى، خاصة عندما يكون صاحب العمل من أصحاب النفوذ، كما نرصد حرمان العامل من الانتقال لصاحب عمل آخر بالقطاع نفسه، وأحياناً حرمانه من العمل بذات المنطقة، وهناك دعاوى كيدية ضد العامل الذي يقرر ترك العمل، تشمل الاتهام بالسرقة، إضافة الى سوء المعاملة، والعنف اللفظي، والتهديد بالإضرار". وتضيف أن "هناك تحديات على مستوى الدوائر الرسمية، كتوجيه العامل للتواصل مع صاحب العمل، وإحضاره إلى مكتب العمل عند اللزوم، ويظهر ذلك في حالات مطالبة العامل برفع الفرار عنه، أو يطلب منه مراجعة صاحب العمل ليقنعه بدفع الغرامة على عدم استصدار تصريح عمل، إضافة إلى عدم الاستجابة السريعة للشكاوى، وتحصيل مبالغ لقاء منح العامل براءة ذمة، وأحياناً تحميله مسؤولية أخطاء أصحاب العمل، كإبقائه مسجلاً في الضمان على منشأة ترك العمل بها بحجة أن هناك ذمماً مالية على المنشأة، وبالتالي لا يتمكن من الشمول بالضمان بموقع العمل الجديد".
وترى كلش أنه بسبب قوائم المهن المغلقة أمام العمالة السورية، يجد العامل نفسه مضطراً للعمل بطريقة مخالفة للقانون لتغطية نفقات أسرته، وبعضهم يرفضون استصدار تصريح العمل بسبب الشمول بالضمان كونهم ملزمين بالدفع الشهري، أو ستترتب عليهم ذمم مالية، كما أن انتقال الأسرة من منطقة لمنطقة يشكل عبئاً مادياً واجتماعياً، لذا يفضل بعضهم البقاء بالعمل نفسه رغم وجود انتهاكات.