استمع إلى الملخص
- عقد وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني اجتماعًا مع المنظمات الدولية لتنسيق الاستجابة لأزمة النزوح، مع التركيز على تسجيل النازحين للحصول على بيانات دقيقة، لكن الجهود لا تزال محدودة مع وجود 98 ألف نازح.
- تعاني المناطق المستضيفة من نقص حاد في الخدمات الأساسية، وتعتمد على مبادرات فردية وجمعيات محلية، بينما تظل عودة اللاجئين السوريين محدودة، مما يعقد الوضع الإنساني.
يتواصل تدفق النازحين من سورية إلى لبنان، سواء السوريون أو اللبنانيون، منذ سقوط نظام بشار الأسد، ويستقرّ هؤلاء في مناطق تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي، في حين لا تتوفر لهم أية مساعدات.
بدأت أعداد من النازحين بالتدفّق على لبنان عقب سقوط نظام الأسد في سورية، وغالبيتهم من الموالين للنظام السابق أو الخائفين من المصير المجهول في بلادهم، فضلاً عن لبنانيين مقيمين في سورية منذ سنوات طويلة.
ولجأ النازحون الجدد نحو المناطق الأقرب إلى الحدود، أو التي تناسب توجّهاتهم السياسية أو الطائفية، واستقرّ أغلبهم في محافظة بعلبك - الهرمل وبعض قرى وبلدات البقاع الأوسط، في حين شكا أهالي تلك البلدات من غياب أي تحرّك للحكومة اللبنانية، وغياب تدخل المنظمات الدولية لإغاثة النازحين وتلبية حاجاتهم الأساسية، لا سيما أنهم هربوا من سورية على عجل، ولم يتسنّ لهم حمل مقتنياتهم ومستلزماتهم، ولجأوا إلى مناطق معروفة بقسوة طقسها وبردها القارس.
وفي 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عقد وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، هكتور حجار، اجتماعاً افتراضياً بهدف تنسيق الاستجابة السريعة لأزمة النزوح الجديدة، بعد جولة في محافظة بعلبك - الهرمل، رفقة ممثلي عدد من المنظمات الدولية، حيث يوجد 133 مركز إيواء غير رسمي، وفق الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية.
واستعرض حجار "الأوضاع الإنسانية للنازحين السوريين الذين بلغ عددهم نحو 85 ألفاً"، مؤكداً أهمية تسجيل هؤلاء النازحين للحصول على بيانات موحّدة وواضحة كي تبدأ منظمات الأمم المتحدة الاستجابة للحاجات الأساسية، كما أعرب عن نيته القيام بجولة ميدانية في منطقة المصنع لتأمين ممرّ إنساني يمكّن المنظمات الإنسانية من إيصال الدعم اللازم للنازحين العالقين بين الحدود اللبنانية والسورية.
عاد أقل من 20% من اللاجئين السوريين في لبنان إلى بلادهم
بدوره، أكد منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في لبنان، عمران ريزا، خلال الاجتماع الافتراضي الذي عقده وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني، "ضرورة بدء تسجيل النازحين الجدد من سورية، والاستجابة للحاجات الإنسانية للنازحين العالقين في منطقة المصنع، في أراضٍ ما بين الحدود اللبنانية والسورية، نظراً إلى الوضع المأساوي الذي يعيشونه".
وكشف الباحث في "الدولية للمعلومات" (مؤسسة دراسات وأبحاث مستقلّة) محمد شمس الدين، لـ"العربي الجديد"، أن "عدد النازحين من سورية إلى لبنان، وتحديداً من حمص نحو محافظة بعلبك - الهرمل، بلغ 92 ألفاً حتى 17 ديسمبر/ كانون الأول، من بينهم 55 ألف لبناني يحملون الجنسية السورية، والباقون سوريون، ونزح نحو ستة آلاف شخص إضافي نحو لبنان عبر معبر المصنع الحدودي، ما يعني نزوح 98 ألف لبناني وسوري. في المقابل، تظل حركة عودة اللاجئين السوريين باتجاه بلادهم محدودة".
بدوره، يؤكّد رئيس اتحاد بلديات الهرمل، نصري الهق، تدفّق نحو 60 ألف سوري ولبناني من سورية في ليلة واحدة، من بينهم نحو 25 ألف لبناني مقيم في سورية. ويقول لـ"العربي الجديد": "لجأ النازحون الجدد إلى 107 مراكز إيواء، تتنوّع بين حسينيات ومساجد وقاعات عامة، إضافة إلى المنازل التي تستضيف النازحين، وهناك نازحون قصدوا قرى ومدن قضاء بعلبك والبقاع الأوسط. الحاجات والنواقص كثيرة، والواقع سيئ. لدينا مشكلات، مثل الإيواء، وسبل تأمين الأغطية الشتوية والفرش، والحصص الغذائية، ووسائل التدفئة، والوقود، وتوفير دورات المياه والصرف الصحي، وجمع النفايات، وسبل النظافة الشخصية. بينما الدولة غائبة".
نحو 55 ألف لبناني يحملون الجنسية السورية وصلوا إلى لبنان
يضيف: "قرى وبلدات قضاء الهرمل تعرّضت لأضرار جسيمة من جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، وما زالت في مرحلة رفع الأضرار، فكيف يمكنها أن تتحمّل أزمة نزوح وهي بالكاد تستطيع تلبية احتياجات مواطنيها؟ فضلاً عمّا تضمّه من مخيمات للاجئين السوريين منذ النزوح الأول. رغم سقوط النظام في سورية، لكننا لم نلحظ حركة عودة كبيرة، وإنما اقتصرت على بعض الأفراد، وقد نشهد عودة كبيرة حال توقفت المساعدات الأممية للاجئين".
من جانبه، يكشف رئيس اتحاد بلديات بعلبك، شفيق شحادة، لـ"العربي الجديد"، أنه "لا معطيات دقيقة لغاية الساعة، لكن يمكن الحديث عن 12 إلى 15 ألف نازح جديد من سورية، 80% منهم سوريون و20% لبنانيون مقيمون في الأراضي السورية، وقد لجأ اللبنانيون إلى منازل أقاربهم، أما السوريون، الذين يشكلون العدد الأكبر، فاستُضيفوا في الحسينيات والمساجد ومقام السيدة خولة وبعض المدارس الخاصة التي لم تفتح أبوابها للتعليم الحضوري".
ويأسف شحادة كون بلديات قضاء بعلبك لم تلبث أن بدأت لملمة آثار الحرب الإسرائيلية، وبدأ أهالي البلدات بالعودة إلى منازلهم، حتى تدفّق إليها النازحون، ويقول: "المفارقة أن المنظمات الدولية لا تكترث لأمرهم، ولا تقدم أية مساعدات، وكذلك حال الهيئة العليا للإغاثة والدولة اللبنانية اللتين لم تحرّكا ساكناً. مستحقاتنا محجوزة منذ سنوات لدى الحكومة، ولا إمكانات مادية لمساعدة النازحين. لذا يقتصر الدعم على مبادرات فردية وبعض الجمعيات المحلية والخيّرين وحزب الله، وهم يسعون لتأمين الطعام والألبسة والفرش والحرامات الشتوية للعائلات النازحة".
وينبّه رئيس اتحاد بلديات بعلبك إلى أن "ما يُؤمّن أقل بكثير من الحاجات، والنواقص عديدة، خاصة في موضوع التدفئة، فهناك مراكز إيواء تنعدم فيها وسائل التدفئة، كما أن عدد دورات المياه ضئيل. تواصلنا مع منظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، ووعدت بنقل معاناتنا إلى المنظمات المعنية لديها، كما ننتظر ردّ جهات أخرى، وقد عُقد قبل أيام اجتماع حضره وزراء ونواب محافظة بعلبك - الهرمل، ورئيس الهيئة العليا للإغاثة، وتمحور الحديث حول آلية رفع الردم الناتج عن العدوان الإسرائيلي، كما جرى التطرق لموضوع النزوح الجديد، وضرورة أن تتحمّل الدولة المسؤولية، علماً أن الهيئة العليا للإغاثة لم تكلف بعد بهذه المسألة، ووفق القانون، فإنها غير معنية بالنازحين السوريين، وإنما فقط باللبنانيين. لذا ثمة مسؤولية كبرى تقع على عاتق مفوضية اللاجئين، وفي حال كان القرار الدولي عدم التعاطي معهم، فسنكون أمام مشكلة حقيقية".
ويشير شحادة إلى أن "النازحين انتشروا في المحافظة، وبعضهم لجأ نحو قرى وبلدات في البقاع الأوسط مثل حزرتا وتعلبايا. عدد اللاجئين السوريين كان يقارب 50 ألفاً قبل العدوان الإسرائيلي، ولم يعد منهم سوى ما يقارب 20% إلى سورية، على عكس مدينة عرسال الحدودية التي عاد أغلب اللاجئين فيها إلى بلادهم. مخيمات اللاجئين السوريين ما زالت مكتظّة، وأغلبهم من عمال الزراعة الذين قد لا يعودون إلا حال توقفت مساعدات مفوضية الأمم المتحدة، أو قد يُعيدون عائلاتهم ثم يأتون للعمل في القطاع الزراعي في لبنان".
من جانبه، يؤكد رئيس بلدية بعلبك، مصطفى الشل، أن "اللبنانيين المقيمين في سورية يعيشون ضمن مناطق تتداخل فيها العقارات بين البلدين، ويحمل معظمهم الجنسيتين اللبنانية والسورية"، ويكشف لـ"العربي الجديد" عن "وجود نحو 120 ألف نازح جديد في محافظة بعلبك - الهرمل".
في المقابل، تُشير المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، دلال حرب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المفوضية تتابع حركة النزوح العكسية من سورية باتجاه لبنان، والتي تشمل سوريين ولبنانيين، ونوفّر لهم المساعدات الإغاثية الفورية من فرش ومياه وغيرها، من منطلق أنه يحق للأشخاص الفارين من العنف والاضطهاد أو أي مخاوف وهواجس أخرى البحث عن الأمان عبر الحدود وطلب اللجوء، وبذات الوقت، تؤكد المفوضية أن جميع اللاجئين لديهم الحق الأساسي بالعودة إلى بلادهم في الوقت الذي يختارونه، ويجب أن تكون العودة آمنة وطوعية وكريمة، وفي ظل حالة عدم اليقين في سورية، يجب الأخذ بعين الاعتبار ضرورة أن يتمتع اللاجئون السوريون بإمكانية القيام بزيارات تفقّدية إلى قراهم وبلداتهم لتقييم ظروف العودة مع عائلاتهم".
وتذكّر المسؤولة الأممية أن "لبنان كان يستضيف قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة نحو 1.5 مليون لاجئ سوري، بما في ذلك نحو 700 ألف مسجل لدى المفوضية، ومنذ وقف إطلاق النار وقبل إغلاق الحدود في 7 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، نتيجة التطورات في سورية، عبر نحو 11 ألف شخص من لبنان إلى سورية، نحو 62% منهم من السوريين و38% من اللبنانيين".