حذّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أنّ اليمن يعاني من أحد أعلى معدّلات التلوّث بالألغام والمتفجرات من مخلفات الحروب في العالم، بعد تسع سنوات من بدء النزاع في البلاد.
وقال مدير عمليات الشرق الأوسط في اللجنة فابريزيو كاربوني، في مقابلة مع وكالة فرانس برس عبر الهاتف من اليمن حيث كان يجري مباحثات، إنّ أفقر دول شبه الجزيرة العربية هي من بين أكثر ثلاث دول تضرّراً بالمتفجرات.
ويقدّر خبراء في هذا المجال أنّ ما لا يقلّ عن مليون لغم زُرعت خلال سنوات الحرب، التي اندلعت في منتصف عام 2014 بين القوات الحكومية والحوثيين الذين سيطروا في العام نفسه على العاصمة صنعاء، وقد تفاقم الأمر مع تدخّل السعودية على رأس تحالف عسكري إلى جانب القوات الحكومية في عام 2015.
وقال كاربوني: "عندما يتعلّق الأمر بالتلوّث بالذخائر، فإنّ اليمن وأفغانستان والعراق تمثّل الدول الثلاث الأكثر تضرّراً من ذلك"، مضيفاً أنّ ذلك "أمر مدمّر حقاً وله تأثيره الكبير على الناس وسلامتهم وكذلك على سبل عيشهم".
وخلّف النزاع في اليمن مئات آلاف القتلى لأسباب مباشرة وغير مباشرة، من بينها المجاعة. ووفقاً لـ"مشروع مراقبة الأثر المدني" المرتبط بالأمم المتحدة، تسبّبت الألغام الأرضية والقذائف غير المنفجرة وغيرها من مخلفات الحرب في 1,469 ضحية من المدنيين خلال السنوات الخمس الماضية.
وفي هذا الإطار، أوضح كاربوني أنّ "حجم الذخائر غير المنفجرة هائل". ففي منطقتَين قريبتين من جبهات قتال، أبلغ 20 في المائة من أصحاب الماشية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، خلال استطلاع أُعدّ في عام 2022 الماضي، عن وجود متفجّرات في أراضيهم. كذلك خلصت دراسة أخرى أعدّتها اللجنة إلى أنّ 70 في المائة من هؤلاء فقدوا ماشية بسبب الألغام الأرضية وغيرها من المتفجرات.
حاجة إلى عقود من الزمن
وحذّر كاربوني من أنّ انتشار المتفجرات "كبير جداً، لدرجة أنّه من غير الممكن إزالة" كلّ الألغام ومخلّفات الحرب في حال انتهى الصراع اليوم. وشرح أنّه حتى لو ساد السلام، فإنّ إزالة المتفجرات سوف تستغرق سنوات عديدة، مضيفاً "نحن نتحدّث عن عقود، ربّما. لكنّها (...) مسألة موارد" في الأساس، وهو ما يفتقر إليه اليمن حالياً.
وكانت حدّة القتال في اليمن قد تراجعت بصورة ملحوظة بعد وقف إطلاق النار الذي توسّطت فيه الأمم المتحدة ودخل حيّز التنفيذ في إبريل/ نيسان 2022، وهو ما زال قائماً إلى حدّ كبير حتى بعد انتهاء مدّة الاتفاق في أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه.
وقد أثار التقارب الذي حصل أخيراً، بوساطة صينية، بين إيران والسعودية، بعد ثماني سنوات من قطع العلاقات بينهما، أملاً بنهاية النزاع في اليمن.
وأقرّ كاربوني: "هذه المرة الأولى التي أشعر فيها حقاً أنّ ثمّة خيارات سياسية مقنعة وملموسة على الطاولة، وأنّ العنف والصراع لم يعودا الخيار الوحيد".
وفي الانتظار، تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على تدريب السكان على الإبلاغ عن مخلفات الحرب وكيفية التعامل معها. وبيّن كاربوني: "نعقد جلسات مع السكان نبلغهم فيها بالمخاطر المتعلّقة بالذخائر غير المنفجرة، ونطلب منهم إبلاغنا إذا عثروا على مخلفات حرب، حتى نتمكّن من تنظيم (عملية الإزالة) مع مختلف السلطات والشركاء". وتابع: "هذا أمر جديد كلياً بالنسبة لنا".
إلى جانب ذلك، تبذل اللجنة الدولية جهوداً لتحديد هوية رفات مقاتلين لقوا حتفهم وإعادته إلى العائلات. وقد أفاد مدير عمليات الصليب الأحمر الإقليمي بأنّ "ثمّة جثثاً كثيرة (...) ونريد حقاً العمل مع كلّ أطراف هذا الصراع لدفع هذا الملف قدماً"، مضيفاً: "نحن نستثمر في الطبّ الشرعي، ونستثمر كذلك في محاولة جمع كلّ الأطراف حول الطاولة".
وفي أيار/ مايو الماضي، تبادل الحوثيون والقوات الحكومية جثث 43 مقاتلاً، في أكبر عملية من نوعها حتى الآن منذ بداية الحرب. وقبل ذلك بشهر، أطلق الطرفان سراح نحو 900 معتقل.
وإذ شدّد كاربوني على أنّه "نريد أن نكون متفائلين"، أضاف: "لكنّنا في الوقت ذاته لا نريد أن نكون ساذجين".
(فرانس برس)