أثار قتل السلطات الصينية الحيوانات الأليفة التي يملكها مصابون بكوفيد-19 من دون موافقة أصحابها، ضجّة كبيرة في البلاد. وكان ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في الصين قد تداولوا مؤخراً مقطع فيديو يظهر أفراداً بلباس الشرطة المدنية في مقاطعة جيانغ شي (جنوب شرق) يضربون كلباً بالهراوات على رأسه، ما أدّى إلى نفوقه. وقد برّرت السلطات المحلية في المقاطعة الحادثة بأنّها استجابة لتعليمات داخلية تقضي بالتخلّص من الكلاب والقطط التي أصيب أصحابها بالوباء، تحسباً لانتقال العدوى من الإنسان إلى الحيوان.
وتأتي الواقعة في ظلّ إجراءات جديدة صارمة، إذ تكافح الصين ظهور بؤر جديدة لفيروس كورونا الجديد في مدن ومناطق عدّة قبل استقبال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية بالعاصمة بكين الشهر المقبل. وقد أفاد بعض المرضى بأنّهم تفاجأوا عندما عادوا إلى منازلهم بعد قضاء فترة الحجر الصحي، بأنّه تمّ الإجهاز على حيواناتهم الأليفة. إحدى المصابات وتدعى شو جيان كتبت على صفحتها على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع "تويتر"): "كنت حريصة في خلال الفترة الماضية على عدم الإصابة بالمرض، لأنّني أملك قطاً في حاجة إلى رعاية. وعند إصابتي، نُقلت إلى المستشفى فأوصيت جارتي بالاعتناء به. لكنّني صُدمت بعد عودتي حين أخبرتني بأنّ رجال الأمن أخذوه عنوة وأعدموه بدم بارد".
وبعد اتساع دائرة النقد الشعبي لعناصر الشرطة بسبب الفيديو المتداول، أصدرت السلطات بياناً أعربت فيه عن أسفها للطريقة التي نُفّذ بها الأمر، وأشارت إلى أنّها وبّخت المتورّطين وطالبتهم بتقديم اعتذار إلى صاحب الكلب. لكنّها في الوقت نفسه شدّدت على أنّ قتل الحيوانات الأليفة التي يملكها مرضى كوفيد-19، جزء من إجراءات الوقاية الصارمة من الفيروس. وقد علّق أطباء على ذلك بأنّه لا يتوفّر حتى الآن علاج للحيوانات المصابة، بالتالي فإنّ القتل الرحيم هو الخيار الوحيد.
لي وان شيا (26 عاماً) شابة صينية تقيم في منطقة شيجياجوانغ بمقاطعة خبي التي تخضع للحجر الصحي منذ فترة، تقول لـ"العربي الجديد" إنّها باتت تخشى على كلبها بعد سماعها بأنّ السلطات صادرت عشرات الكلاب والقطط في منطقتها، على الرغم من أنّ أصحابها أصحاء لا يحملون المرض. تضيف أنّه "قبل أسبوع، جُمعت كلاب تعود إلى أشخاص ثبتت إصابتهم بكوفيد-19 وأُحرقت كلها في أحد الأنفاق. وحين استفسر السكان عن الأمر، قيل لهم إنّ نتيجة اختبار الحيوانات أتت موجبة في ما يخصّ إصابتها بالوباء. ولأنّه لا يتوفّر علاج خاص بها، كان لا بدّ من الإجهاز عليها. أُضيف أنّه في حال لا يفعلون ذلك، فإنّ الوباء لن ينتهي وسوف يستمر إلى ما لانهاية".
تعقيباً على ذلك، يقول الطبيب تسانغ وي المقيم في العاصمة بكين لـ"العربي الجديد" إنّه "حتى الآن لم تثبت الأبحاث والدراسات الطبية بأنّه في إمكان الحيوانات الأليفة أن تنشر الفيروس وتنقل العدوى إلى الإنسان"، مشيراً إلى أنّ "ما يُشاع حول هذا الأمر يستند إلى اجتهادات فردية ما زالت محلّ شكّ". يضيف أنّ "الحل الأمثل في حال ظهور إصابات في داخل أسرة تملك حيوانات أليفة مثل القطط والكلاب، هو عزل تلك الحيوانات كإجراء احترازي"، مؤكداً أنّ "الإجهاز عليها بصورة بشعة أمر غير إنساني يستوجب التحقيق والمساءلة".
وكان حقوقيون في الصين قد دعوا في أعقاب حوادث مماثلة إلى معاملة متسامحة ورحيمة مع الحيوانات الأليفة التي تثبت إصابتها. وأشاروا إلى أنّها ضحية للفيروس مثلها مثل البشر. وتشرح الناشطة الحقوقية شياو لين لـ "العربي الجديد" أنّه "وفق القانون الصيني، يمكن قتل الحيوانات البرية أو الماشية المصابة في أثناء وباء، لكنّ القطط والكلاب ليست مدرجة في قائمة الماشية، بالتالي فإنّ قتلها أمر غير قانوني". أضافت: "من المؤسف أنّه لا يتوفّر حتى الآن قانون في الصين يحمي الحيوانات المصاحبة، الأمر الذي يصعّب القتال على هذه الجبهة لحمايتها"، لافتة إلى أنّه "في ظل الوضع الحالي، لا يجد أصحاب الحيوانات الأليفة سوى تقديم الالتماسات عبر الإنترنت وتوجيه دعوات إلى الحكومات المحلية كي تتّخذ سياسات أكثر إنسانية". لكنّها ترى أنها "محاولات محدودة لن تؤدّي في النهاية إلى تغيّرات جوهرية".
وكانت وسائل إعلام صينية رسمية قد طلبت من الشبان الغاضبين تفهّم الظرف الذي تمرّ به البلاد وعدم التسرّع في إطلاق الأحكام وتعميم حالات وتجاوزات فردية. وجاء في صحيفة "غلوبال تايمز" الحكومية أنّه لا ينبغي توسيع النقد ليشمل جهود الوقاية من الوباء على مستوى البلاد، فالمجتمع يخضع إلى أشدّ حالات الإغلاق والحجر الصحي، وهو أمر يتطلب تضافر الجهود من أجل تحقيق استراتيجية الحكومة في تصفير عدّاد الإصابات. أضافت الصحيفة أنّ العاملين في الخطوط الأمامية يستحقون الثناء والتقدير وليس الهجوم والنقد، في إشارة إلى حادثة قتل الكلب المذكورة آنفاً. وأشارت إلى أنّه لا يجب على أحد أن ينسى الحقيقة الأساسية وهي أنّ حرب الصين ضدّ الوباء أنقذت أرواحاً لا تُعدّ ولا تُحصى، مشدّدة على أنّ هذه هي الحقيقة الأكثر أهمية التي يجب الانتباه إليها وتسليط الضوء عليها.
تجدر الإشارة إلى أنّه في الوقت الذي وصلت فيه دول العالم بمعظمها إلى مستويات عالية من التحصين وفتح الحدود والتعايش مع فيروس كورونا الجديد قبل رصد متحوّر "أوميكرون" قبل أيام عدّة الذي دفع دولا عدّة إلى تقييد حركة السفر من دول في جنوبي القارة الأفريقية، ما زالت الصين تغلق حدودها وتتّبع إجراءات مشددة في مكافحة الوباء. وتجري الحكومات المحلية فحوصا مكثّفة وتفرض عمليات إغلاق جزئية لعدد من المدن والمناطق من بينها العاصمة بكين. وعلى الرغم من أنّ الشعب الصيني كان متسامحاً بشكل كبير مع الاستراتيجية المتّبعة، فإنّ أصواتاً بدأت ترتفع معبّرة عن سأمها من استمرار الإجراءات المشدّدة، على الرغم من انخفاض أعداد الإصابات اليومية مقارنة بدول أخرى. لكنّ مراقبين يعيدون هذا التشدّد إلى رغبة الحكومة في تصفير الإصابات قبل استضافة الحدث الأولمبي.