لقي 150 شخصًا على الأقل حتفهم في مختلف مناطق شرق ليبيا، جراء السيول والفيضانات التي ضربت المنطقة ليل البارحة، بسبب مرور العاصفة المتوسطية "دانيال"، وسط دمار هائل في الممتلكات.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد مسعود لوكالة فرانس برس "قتل 150 شخصًا على الأقل جراء الفيضانات والسيول التي خلفها إعصار دانيال في درنة ومناطق الجبل الأخضر وضواحي المرج، غير الأضرار المادية الضخمة التي أصابت الممتلكات العامة والخاصة". فيما كشف مصدر أمني تابع لغرفة الطوارئ المركزية التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، في وقت سابق لـ"العربي الجديد" عن وفاة أكثر من 60 شخصًا.
حداد وتنكيس للأعلام
وأعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الحداد لثلاثة أيام وتنكيس الأعلام في كافة المرافق الحكومية ترحما على ضحايا الفيضانات والسيول في المنطقة الشرقية، ولم يتضمن بيان الحكومة أي توضيح حتى الآن بشأن الأضرار البشرية.
وتسببت العاصفة دانيال في أضرار بعدد من المنازل والسيارات والمباني والطرق فضلا عن انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات على مختلف المناطق، وفتحت شركة الاتصالات خدمتها بشكل مجاني للتواصل وطلب المساعدة.
وفيما بدأت فرق الإنقاذ والإسعاف والطوارئ بالدخول إلى أحياء مدن البيضاء والمرج وشحات لإجلاء الأسر العالقة في منازلها وإسعاف المصابين، لا تزال مدينتي درنة وسوسة معزولتين بسبب جرف السيول للطرقات الموصلة إليها.
وفيما أكد المصدر أن غرفة الطوارئ التابعة لحكومة مجلس النواب لا تزال تجمع المعلومات حول الأضرار، أضاف لـ"العربي الجديد" أن الحكومة شكلت الغرفة خلال الساعات الأولى من صباح اليوم بشكل عاجل في مدينة بنغازي، وبدأت بالتواصل مع فرق الإنقاذ والمتطوعين في مدن البيضاء ودرنة وسوسة والمناطق المجاورة لها، مؤكدا أن الإحصاء الأولي يزيد عن الستين قتيلا، والعشرات من المفقودين.
ورجح المصدر أن ترتفع أعداد الضحايا بشكل كبير، محذّرًا من الوضع الكارثي الذي تعيشه مدينتا درنة وسوسة منذ ساعات، وسط انقطاع شبه كامل للاتصالات والطرقات الموصلة إليها بسبب السيول التي جرفتها.
وتابع المصدر قائلا: "عشرات السيارات التي جرفتها السيول وعلى متنها أسر كانت في طريقها للخروج من مناطقها، لا تزال المياه تغمرها، ولا يمكن الوصول إليها حتى الآن"، مشيرا إلى أن البلاغات تتوالى من قبل عالقين على أسطح المنازل وأعلى العمارات.
وتحدث المصدر عن "انقطاع الكهرباء والاتصالات في مدن درنة وسوسة والبيضاء بسبب دخول المياه إلى غرف الاتصالات والكهرباء بالمنطقة، الأمر الذي ضاعف من صعوبة الأوضاع"
وأكد المصدر أن "غرفة الطوارئ أطلقت نداء لكل الجهات في ليبيا لتقديم الدعم لها، وأنها تحاول أن تستعيد سيطرتها على الوضع، لكن لن تتمكن فرق الإنقاذ فعل أي شيء دون دخول الطيران على خط أعمال الإنقاذ، وليبيا لا يمكنها سوى توفير الطائرات العمودية التي لم تتحرك أي قطعة منها حتى الآن".
نداءات استغاثة لنجدة العالقين
من جانب آخر، وجهت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في بيان لها، نداء استغاثة" للمنظمات الأممية والدولية والدول الجارة والصديقة لمساندة السلطات الليبية لمواجهة آثار الإعصار"
ورصد الهلال الأحمر الليبي أكثر من 2500 نداء استغاثة بمنطقة بنغازي وأجدابيا وتوكرة والبيضاء وشحات حتى ساعة متأخرة من فجر اليوم الاثنين.
وذكر مدير مكتب جهاز الإسعاف والطوارئ البيضاء "إبراهيم بولحاسية ان هناك نداءات استغاثة تأتينا من عائلات عالقة في منازلهم ومحاصرين بالسيول، والكهرباء انقطعت على أغلب أحياء مدينة البيضاء ما تسبب في ضعف الاتصالات، مشيرا إلى تقطع السبل بمدينة البيضاء من جراء السيول والأمطار الغزيرة وأصبحت معزولة.
من جهته، قال مدير المركز الطبي بمدينة البيضاء، عبد الرحيم مازق، إن الإحصاء الأولي في مدينة البيضاء وشحات المجاورة لها وصل الى 23 قتيلا حتى الآن، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن "الكثير من الأحياء والمناطق لم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إليها حتى الآن بسبب ارتفاع منسوب المياه إلى 3 أمتار وتقطع الطرقات"، مؤكدا أن عدد البلاغات عن المفقودين تجاوز المائة بلاغ.
مواطنون ينتقدون الأداء الحكومي
يقول المواطن عطبه البرعصي من منطقة البيضاء شرق البلاد لـ"العربي الجديد" إن هناك أضرارا كبيرة لحقت بمنزله وسيارته بسبب الأمطار والسيول، مضيفا أن البنية التحتية سيئة وجهود فرق الإنقاذ ضعيفة جدا ولا يمكن حصر الأضرار الآن، قائلا "المهم نجاة أسرتي من السيول والمياه".
وفي مدينه شحات، ينتقد المواطن سعيد الفاخري لـ"العربي الجديد" عدم توافر الدعم الحكومي رغم الأضرار الكثيرة التي لحقت بالمواطنين.
ويقول عميد بلدية الساحل بالجبل الأخضر يونس عبد الشفيع لـ"العربي الجديد" بأن هناك ضعفا في الإمكانات بشأن الفيضانات، وجربان السيول إلى الأحياء السكنية تسبب في أضرار بالطرق وخدمات البنية التحتية مطالبًا الحكومتين بالتدخل لانقاد المواطنين.
أوضاع كارثية في درنة
وفي سياق آخر، أعلنت مديرية أمن درنة فرض حظر تجول في المدينة في إطار التعامل مع تداعيات سوء الأحوال الجوية التي تضرب البلاد، كما تعرضت أحد مخازن الكتب في المنطقة الشرقية إلى السيول ما تسبب في أضرار كتب المناهج الدراسية لهذا العام وفقا لتصريحات صحافية لمدير مكتب الإعلام بوزارة التعليم عبد العزيز عيسى.
وقال عميد بلدية درنة عبدالمنعم الغيثي إن المجلس البلدي لا يملك أي إمكانيات لمواجهة تداعيات السيول والفيضانات التي غمرت أحياء وسط المدينة، مؤكدا أنه "لا توجد أي احصائيات لضحايا الفيضانات حتى الآن، ولا يمكن حتى تقديرها".
وأوضح الغيثي لـ"العربي الجديد" أنه خرج إلى أطراف المدينة للاتصال بكافة الجهات الحكومية في البلاد للمسارعة إلى إنقاذ المدنيين، مرجحا وجود بعضهم تحت أنقاض عدة مبان انهارت بسبب شدة تدفق السيول.
وأشار الغيثي إلى بدء وصول عدد من السيارات والمركبات العسكرية التابعة لقيادة حفتر، للمشاركة في فتح مسارات لتوجيه مياه الفيضانات من وسط المدينة نحو البحر، "كخطوة أولى لخفض منسوب المياه" في أحياء وسط المدينة لتسهيل عمليات الوصول إلى الأسر العالقة داخل منازلها.
ووفقا لإفادة عصام الدرة، أحد مواطني مدينة درنة، فإن المدينة باتت مربوطة بمحطيها بطريق وحيد لا يزال صالحا للتنقل نسبيا، مؤكدا جرف السيول للطرقات الرئيسية الموصلة للمدينة.
وتمكن الدرة القاطن على أطراف المدينة من الوصول إلى إحدى القرى المجاورة صباح اليوم، موضحا أن "درنة تعيش وضعا كارثيا" بسبب تدفق ميدان الفيضانات إلى وسط المدينة، قائلا "ثلاثة حواجز لسد وادي درنة انهارت تماما ليل البارحة ما جعل وصول المياه إلى مساكن وسط المدينة سهلا وفجائيا بالنسبة للسكان، وهناك أسر بالكامل محاصرة ولا تزال عند أعلى أسطح المنازل".
وتابع الدرة قائلا "وسط المدينة أغلب مبانيه قديمة الإنشاء ورأيت بعيني بعضها منهارا، وسمعت أصوات الاستغاثة من داخل حي المغار وبومنصور وسط المدينة القديمة، لكن لا أحد يستطيع الوصول إلى المستغيثين"، وذكر أنه علم بفقدان الاتصال بثلاث أسر كاملة جرفت السيول سيارات كانوا يستقلونها وهم في طريقهم للخروج من وسط المدينة.
الوصول إلى سوسة غير ممكن
وعن مدينة سوسة، أفاد المتحدث الرسمي باسم قيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أحمد المسماري، أن المدينة مغمورة بالمياه والطرقات الموصلة إليها مقطوعة، مؤكدا أن الوصول إلى المدينة "بات غير ممكن إلا عبر الطيران العمودي والزوارق، وحتى الآن المناخ وحركة أمواج البحر لا يساعدان على ذلك.
وأظهرت العديد من الصور والفيديوهات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي انهيارا في بعض الطرقات الرابطة بين المدن والمناطق شرق البلاد، ما يصعب تنقل فرق الإنقاذ والإسعاف ووصولها إلى بعض المناطق.
وفي تصريحات صحافية سابقة، قال عميد بلدية سوسة إن المدينة سجلت سبع وفيات، بينهم امرأتان، وإصابة 15 آخرين، بينما لا يزال البحث جاريا عن 30 مفقودا.
بدوره، أكد المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ، أسامة علي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن كافة فروع الجهاز استنفرت منذ ساعات "كل قواها للتوجه إلى المنطقة الشرقية"، مضيفا أن الفرق التي وصلت إلى مدينة سوسة لم تتمكن من الدخول، قائلا: "يحاول أفراد هذه الفرق الدخول مشاة ونقل ما يمكن نقله من مساعدات، وستعمل على إخراج العاقلين".
وقال المحلل الاقتصادي عبد الهادي الأسود لا توجد بنية تحتية، والانقسام السياسي في البلاد تسبب في ضعف الأداء الحكومي بشأن المساعدات وإنقاذ المواطنين، موضحا لـ"العربي الجديد" أن المناطق العشوائية أكثر الأماكن التي تضرر نتيجة توقف التخطيط العمراني منذ عام 2011، مما نتج مناطق ريفية صغيرة في الوديان والمناطق الزراعية خارج المخططات العمرانية.
وحول حجم الخسائر، قال إن التقديرات الأولية تشير بأن المناطق تحتاج إلى نصف مليار دولار للصيانة والتعويض للناس المتضررة وحصر الخسائر المادية نتيجة هطول كميات كبيرة من الغيث النافع.
وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة قد أعلن في الساعات الماضية جميع المناطق التي تعرضت للفيضانات والسيول في شرق ليبيا جراء العاصفة المتوسطية "مناطق منكوبة"، فيما لا يزال حجم الأضرار البشرية غير محدد حتى الآن، وسط أعداد من المفقودين.
ووجه الدبيبة، وفقا لقرار أصدره في الساعات الأولى من صباح اليوم الاثنين، "كافة الجهات العامة والمختصة باتخاذ التدابير العاجلة والاستثنائية لمواجهة أضرار الفيضانات والسيول"، معلنا حالة الطوارئ في جميع الأجهزة التابعة لحكومته.
ومنذ الساعات الأولى من ليلة أمس الأحد، شهدت مدن بنغازي والمرج والبيضاء وشحات وسوسة ودرنة، وعدد من المناطق المحيطة بها، في شرق البلاد، هطول أمطار غزيرة وارتفاعا في سرعة الرياح جراء مرور العاصفة المتوسطية "دانيال" بالمنطقة، ما تسبب في فيضان العديد من الأودية واجتياح سيولها هذه المدن والمناطق المحيطة بها وإغراقها بالمياه.