بعد ساعات من إعلان السلطات العراقية العثور على أول معمل لإنتاج المخدرات جنوبي البلاد، كشفت وزارة الداخلية العراقية، اليوم الاثنين، عن اعتقال 10 آلاف تاجر ومهرب للمخدرات خلال الأشهر الثمانية الماضية، مؤكدة استمرار عمليات مكافحة المخدرات، بالاشتراك مع أجهزة أمنية مختلفة في البلاد.
ويربط مسؤولون أمنيون عراقيون الارتفاع الكبير بمعدلات الجريمة والسرقة والسطو المسلح، بزيادة انتشار المخدرات، خاصة الكبتاغون التي تصل العراق عبر الأراضي السورية التي تسيطر عليها قوات نظام الأسد.
وأمس الأحد، بحث رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال زيارة استمرت ساعات عدة إلى دمشق، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد مسألة المخدرات، وضرورة ضبط الحدود لوقف تهريبها للعراق، الذي بدأ يعاني منها أمنياً واجتماعياً، بشكل واضح خلال العامين الأخيرين.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع) عن المتحدث باسم دائرة شؤون المخدرات بوزارة الداخلية، حسين التميمي، قوله إن "وزارة الداخلية نفذت عمليات استباقية بحق المتاجرين والمروجين للمخدرات والمؤثرات العقلية، منذ ديسمبر الماضي، وألقي القبض على 10 آلاف متهم بجريمة المخدرات، آخرها القبض على شبكة مخدرات دولية في المثنى جرى الإعلان عنها من قبل وزارة الداخلية".
وأضاف التميمي أن "عملية محافظة المثنى جرت بجهود استخبارية استثنائية سرية، نتيجة المتابعة والتحري والتدقيق، ومساندة القضاء الأعلى، الذي كان له الدور الكبير في إنجاح ملف ملاحقة المخدرات في العراق، وجرى تتبع شبكة المخدرات التي دخلت من إحدى الدول المجاورة ولمدة يومين متتاليين، متابعة دقيقة"، مشيراً إلى ضبط كميات كبيرة من المواد المخدرة خلال الأشهر الثمانية الماضية، تبلغ ضعف ما ضُبط بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003، صار العراق من بين البلدان التي تنتشر فيها المخدرات بشكل واسع، والتي تُهرَّب عبر الحدود من إيران، وأخيراً سورية.
وفي الأشهر الماضية، نفّذت القوات العراقية حملات واسعة ومتلاحقة ضد عصابات وتجار المخدرات في البلاد، أدّت إلى اعتقال عشرات من تجار ومتعاطي المخدرات. كذلك، أسهمت بمحاصرة شبكات توريد المخدرات بشكل كبير.
مسؤول عراقي في وزارة الداخلية قال لـ"العربي الجديد"، إن القوات العراقية ضبطت منذ مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي نحو 20 مليون حبة مخدرة من نوع كبتاغون، كان "جميعها مصدره الأراضي السورية".
وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: "نعتقد أن ما نجح المهربون بإدخاله أكبر من هذه الكمية. نحن نواجه حرباً من نوع آخر قد تكون أعقد من حربنا ضد الإرهاب، لأن قسماً من المتورطين بتجارة المخدرات وتهريبها لديهم أغطية قانونية تمكنهم من التحرك والتنقل"، في إشارة إلى اتهامات تلاحق فصائل مسلحة تنضوي ضمن "الحشد الشعبي"، بالتورط في عمليات النقل أو تسهيلها على الحدود مع سورية، حيث تنتشر هناك.
وأكد المسؤول ذاته أن وزارة الداخلية فقدت حياة عدد من الضباط ومنتسبيها خلال مواجهات مع تجار المخدرات ومهربين داخل المدن وعلى الحدود، و"الحاجة لتأسيس جهاز لمكافحة المخدرات، مثل جهاز مكافحة الإرهاب الحالي صارت ضرورة ملحة".
وتنتشر في العراق يافطات إعلانية للسلطات العراقية تحث المواطنين على الإبلاغ عن أنشطة المخدرات ومروجيها، عبر هاتف ساخن يحمل رقم 178، وتتعهد قوات الأمن بالحفاظ على سرية هوية المتصل.
وحول ذلك، قال المحامي والخبير بالشأن الأمني رياض النائب، لـ"العربي الجديد"، إن "نحو 70 بالمائة من جرائم القتل والسرقة والاعتداء والعنف الأسري ترتكب من قبل أشخاص خاضعين لتأثير المخدرات، وتبين أن هناك حالات لحوادث مرورية انتهت بالوفاة، كانت لوقوع السائق تحت تأثير مواد مخدرة".
ولفت النائب إلى أن "الحرب ضد المخدرات في العراق ما زالت طويلة وصعبة، لأن الأمر أشبه ما يكون بمحاولة تنظيف منزل من غبار بشبابيك مفتوحة، وهذه الشبابيك هي حدود سورية على وجه التحديد"، متهماً قوات النظام من الجانب الآخر، وأيضاً قوات "قسد"، بأن "الفساد المستشري بينهم سبب آخر في استمرار انسياب المخدرات إلى داخل العراق".