اقترح البرلمان العراقي وضع خطة لتوزيع منح مالية على الشباب المتزوجين في مقابل موافقتهم على تحديد النسل وتنظيم الأسرة، محذّراً من أنّ البلاد تتجه نحو "انفجار سكاني" في حال عدم معالجة الأمر سريعاً. يأتي ذلك في وقت أثيرت مخاوف من نموّ سكاني غير مدروس في العراق، بعد تقرير سابق لوزارة التخطيط العراقية كشف ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان الذي قد يصل إلى 50 مليون نسمة بحلول عام 2030. وتجري الوزارة والجهات المعنية الأخرى مباحثات ومناقشات لهذا الملف، محاولة وضع حلول ناجعة له، في ظل عدم تقبّل معظم العراقيين لمبدأ تحديد النسل.
وقد تبنّت لجنة المرأة والأسرة في البرلمان، مقترح المنح المالية لتحديد النسل، ورأت أنّ ذلك يهدف إلى التحفيز على تنظيم الأسرة. وفي هذا الإطار، أكدت النائبة انتصار الجبوري وهي عضو في اللجنة، أنّ "بحوث ودراسات ونقاشات كثيرة أشارت إلى إمكانية حصول انفجار سكاني في خلال السنوات المقبلة في البلد، يقابلها ضعف إدارة الإمكانات والمالية والثروات، ما ينعكس بشكل سلبي على واقع المجتمع بزيادة حالات الفقر في مقابل زيادة في أعداد الأسر التي تعيش تحت هذا المستوى". وهي كانت قد حمّلت في تصريح سابق لصحيفة "الصباح" الرسمية المؤسسات والدوائر المعنية التي تهتم بالموضوعات الاقتصادية، مسؤولية "وضع حد لموضوع الزيادة السكانية غير الطبيعية".
وأوضحت الجبوري أنّ "ثمّة جهات تمنع وضع الحلول، إذ تدخلها في إطار ديني وشرعي وتؤكد عدم جوازها"، مشيرة إلى أنّ "العراق جزء من هذا العالم الذي يدعو دائماً إلى تنظيم الأسرة، التي لم تعد في الوقت الحالي قادرة على إعالة ثلاثة أطفال، في حين أنّه لو كان لديها طفل واحد أو اثنان، فإنّ من شأن ذلك أن ينعكس على واقع التربية والصحة والخدمات وغيرها ممّا يحتاجه المواطن". ودعت الجبوري إلى تقديم "منح مالية تشجيعية لتحفيز الأسر على التنظيم، من خلال وضع سياسات حكومية محكمة لذلك"، متوقعة أن "تتجه الحكومة إلى مثل هذه الطرق لضمان تنظيم الأسر في البلاد وتلافي الانفجار السكاني الذي قد يحصل في المستقبل القريب، فضلاً عن إدارة صحيحة للثروات".
في سياق متصل، يدعو باحثون إلى اعتماد أسلوب التثقيف ونشر الوعي حول هذا الملف، مؤكدين أنّ تقبّل فكرة تحديد النسل في العراق يحتاج إلى فترة زمنية ليست بقصيرة. وقال الباحث في الشأن الاجتماعي عدنان الغراوي إنّ "تغيير قناعات المجتمع لا يمكن أن تكون بإغراءات مالية. وقد تلامس تلك الإغراءات جانب الحاجة والعوز المالي أحياناً لدى بعض الناس، لكنّ تغيير القناعات يحتاج إلى خطوات مدروسة". أضاف الغراوي لـ"العربي الجديد": "نحتاج إلى استراتيجية طويلة الأمد في هذا الإطار، تركّز على حملة إعلامية مستمرة لبثّ الوعي، من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والنشر في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من أجل تحقيق الهدف". وحمّل الغراوي الحكومة والجهات المعنية مسؤولية ذلك، كونها "لا تعمل على وضع الخطط المدروسة، بل تلجأ أحياناً إلى أسلوب الكيّ للعلاج، وهذا أسلوب لا يحقق نتائج حقيقية".
تجدر الإشارة إلى أنّ العراق، منذ الغزو الأميركي للبلاد في عام 2003، لم يعدّ إحصاءً سكانياً دقيقاً يعتمد التوثيق الإلكتروني، بسبب خلافات حادة نتيجة إصرار قوى سياسية على تضمين الطائفة الدينية في هوية المواطنين، في حين ترفض قوى أخرى ذلك وتعدّه ترسيخاً للتقسيم الطائفي، مشددة على ضرورة الاكتفاء بالدين والقومية في حال الإصرار على التصنيف.