يعتبر الابتزاز الإلكتروني من الظواهر الخطرة في العراق، وتزداد أرقامه، وتقع ضحيته الإناث عادة بعد اختراق حساباتهن وتهديدهن بنشر صور ومعلومات خاصة بهن في حال عدم دفع أموال.
كشف إحصاء أعدته رابطة القاضيات العراقيات أخيراً أن مطلع العام الحالي شهد تزايداً كبيراً في حالات الابتزاز التي بلغ عددها 2452 في كل المحافظات. وأوضحت أن هذا الرقم توزع على 557 في العاصمة بغداد، و481 في الرصافة، و421 في ديالى، و227 في ذي قار، و221 في الأنبار، و209 في كربلاء، و207 في كركوك، و146 في نينوى، و113 في القادسية، و102 في بابل، و75 في المثنى، و75 في صلاح الدين، و57 في البصرة، و19 في النجف، و14 في واسط، و9 في ميسان.
ويصف متخصصون هذا الرقم الكبير واللافت بأنه "ظاهرة خطيرة" يربطونها، على غرار مسؤولين أمنيين، بحالات الانتحار التي يوضحون أنها ناتجة من الضغط الذي يمارسه المبتزون على الضحايا الذين يخافون من مواجهة فضائح وآثار اجتماعية وعشائرية وقانونية.
وسبق أن أقرّ المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، في مؤتمر صحافي عقده مؤخراً، بتزايد حالات الابتزاز، وقال: "بات الأمر يشكل خطراً حقيقياً على المجتمع، لذا تصدت وزارة الداخلية للظاهرة من خلال أجهزتها الأمنية المختلفة التي تتلقى يومياً شكاوى وبلاغات بوجود حالات ابتزاز إلكتروني، وتتعامل معها في إطار القوانين المطبقة التي تهدف إلى حماية مصالح المواطنين، وإبعاد المخاطر عن حياتهم الشخصية".
من جهته، يقول عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي إن "الابتزاز الإلكتروني قضية بدأت تتفاقم في العراق، وبين ضحاياه أفراد أسر وأطفال ومراهقون. وأصبح بالتالي نوعاً من الجرائم المنظمة التي دفعت العديد من الأشخاص الى الانتحار أو محاولة الانتحار بسبب تهديد المبتزين بنشر صور لهم، بعضها في أوضاع غير مناسبة أو في أماكن لا يرغب الضحايا في أن يراهم آخرون فيها لأسباب شخصية أو حتى أمنية. كما هدد مبتزون الضحايا بنشر معلومات ووثائق تؤدي الى الإساءة لسمعة هؤلاء الضحايا، أو تؤثر على مسار حياتهم وعملهم، في حال عدم دفع مبالغ مالية لا يستطع هؤلاء الضحايا توفيرها".
يضيف الغراوي: "يقودنا هذا المسار إلى مسألة تزايد حالات الانتحار المرتبطة بالابتزاز الذي يضاف إلى أسباب متعددة أخرى بينها ضعف الرادع الديني والاستخدام السيئ للاتصالات والصدمات النفسية، وأيضاً بالعامل الاقتصادي وما يتعلق بضعف الرقابة الحكومية والمجتمعية. ولا بدّ من الاعتراف أيضاً بأن الابتزاز ناتج أيضاً من ضعف الرقابة القانونية باعتبار أن العقوبات لا تتناسب مع حجم الجريمة".
ويشكو خبراء في القانون من غياب التشريعات الخاصة بجرائم الابتزاز الإلكتروني "لأنها حديثة في المجتمع العراقي". ويخبر أحدهم ويدعى سعد البخاتي "العربي الجديد" أن "وسائل التواصل الاجتماعي دخلت العراق بعد عام 2003، ما أدى إلى تفشي جرائم الابتزاز الإلكتروني بسبب ضعف التدابير الأمنية وتدهور الوضع الاقتصادي وتدني مستوى ممارسة السياسة، لكن لا توجد حتى الآن تشريعات خاصة بالاستخدام الواسع للإنترنت بين المواطنين، والذي لا يخضع لأي تنظيم قانوني". ويلفت إلى أن "المشرّع العراقي أخضع هذه الجرائم لمواد قانون العقوبات، بينها على سبيل المثال المادة رقم 430 التي تنص على معاقبة كل من يتعمد تهديد شخص آخر بارتكاب جناية ضده عبر نشر صوره أو معلومات تخصه على الإنترنت، بالسجن مدة لا تزيد عن سبع سنوات. أما تعامل الحكومات فظل غير حازم مع هذه الجرائم، إذ لم تعمل على إيجاد تشريعات تتناسب معها ودرجات خطورتها. من هنا ندعو البرلمان إلى الإسراع في تشريع قانون لجرائم الابتزاز الإلكتروني وحسم عقوباته التي يجب أن توضع قيد التنفيذ من أجل تشكيل وسيلة ردع حاسمة ضد المخالفين".
وتظهر إحصاءات توزع حالات الابتزاز الإلكتروني بين المحافظات، واختلاف عددها مع تنامي الظاهرة في الأشهر الأولى من العام الجاري، علماً أن متخصصين يعتبرون أن جرائم الابتزاز تنطلق من أفعال وتصرفات بسيطة جداً، لكنها تقود إلى أفعال إجرامية كثيرة وكذلك إلى الانتحار.
وتؤكد المتخصصة في الشؤون الاجتماعية فاتن الحلفي لـ"العربي الجديد" أن "مؤشر جرائم الابتزاز الإلكتروني في العراق بدأ يرتفع في شكل لافت، ورصد رابطة القاضيات لـ 2452 حالة ابتزاز خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي مؤشر كبير وخطير". وتؤكد أن "ارتكاب جريمة ابتزاز إلكتروني لا يحتاج إلى جهد باستثناء استخدام محركات البحث والاتصال والتهديد بنشر فضائح، لكن أفعاله الإجرامية تشمل النصب والاحتيال والإيقاع في ترويج المخدرات وتعاطيها، والتجارة بالجنس والخيانة الزوجية والسرقة والانتحار".