من أهم المهمات الحالية للقوات العراقية ملاحقة طائرات شراعية تنقل مخدرات عبر الحدود مع إيران، وإحباط عملياتها. وخلال الشهرين الماضيين، أسقطت هذه القوات ست طائرات شراعية في مدينة البصرة (جنوب) حمّلت أحدها بمليون حبة "كبتاغون".
تخبر مصادر أمنية في جنوب العراق "العربي الجديد" أن "غالبية الطائرات الشراعية عراقية الصنع، وتهرّب إلى إيران عبر قطع صغيرة، ثم تجمع في مناطق إيرانية مجاورة للحدود، وتزود بحبوب مخدرة وتطلق في اتجاه محافظة البصرة تحديداً.
وقواتنا شكلت خطوطاً أمنية متخصصة بمراقبة أجواء المنافذ، خصوصاً منفذ الشلامجة".
ويؤكد مسؤول أمني في منفذ الشلامجة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الطائرات الشراعية باتت أسلوباً جديداً في نقل المخدرات لمسافة تصل إلى 10 كيلومترات تشكل الجزء الخاص بالشريط الأمني القائم بين البلدين، وتهبط محمّلة بكميات كبيرة من الحبوب المخدرة في أماكن يوجد فيها أشخاص ينتظرون تنفيذ عملية النقل. واعتمد هذا الأسلوب بعد تكثيف قوات جهازي الرد السريع وجهاز مكافحة الإرهاب تدابير مراقبة المنافذ، تنفيذاً لأمر أصدره رئيس الحكومة. ونحن نعمل لمنع هذه العمليات، وتقويض عمل المهربين من الجانبين".
ويؤكد أن "6 طائرات أسقطت أخيراً، في حين تعمدنا السماح بعبور طائرتين إلى الأراضي العراقية، وتابعنا مسارهما تمهيداً لاعتقال عدد من المهربين المحليين المتورطين في محافظتي ميسان والبصرة". ويصف هذه المهمات بأنها "بين الأخطر لقواتنا حالياً، لأن جماعات محلية مسلحة نافذة تدعم هذه التجارة".
ومنذ مطلع العام الحالي، تعلن القوات العراقية في شكل شبه يومي ضبط كميات كبيرة من المخدرات وتوقيف مهربين، لكن ذلك لا يمنع استمرار تداول المخدرات محلياً، وصولاً إلى المدارس والمعاهد والكليات والسجون.
وفي مايو/ أيار الماضي، أعلنت أجهزة الأمن تفكيك شبكتين لتهريب المخدرات عبر اعتقال عدة أشخاص بعضهم من جنسيات عربية مختلفة ، ومصادرة أكثر من 6 ملايين حبة "كبتاغون" كانت معدة للتوزيع في البلاد، علماً أن مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية أشارت إلى أن محافظتي البصرة وميسان تحتلان المرتبة الأولى في عمليات التهريب والتعاطي بين المحافظات.
ونهاية 2021، كشفت الحصيلة السنوية لعمليات أجهزة الأمن اعتقال 11.900 متهمين بترويج المخدرات، بينهم 156 امرأة، و328 مراهقاً تحت سن الـ 18، و6327 تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً، و3874 شخصاً بين 31 و40 عاماً، و1035 بين 41 إلى 50 عاماً.
وأوضحت وزارة الداخلية أن العاصمة بغداد تتصدّر محافظات البلاد في عمليات المخدرات، وأشارت إلى اعتقال ألفي مروّج فيها، ثم البصرة 1871 متورطاً، وبابل 1617 متورطاً.
ويقول النائب المستقل من محافظة ميسان باسم خشّان لـ"العربي الجديد" إن "المخدرات تتفشى في شكل كبير في عموم مناطق العراق، لكنها تستمر في التزايد في المناطق الجنوبية، منها البصرة وميسان وبابل. ووصلت العمليات إلى مرحلة خطرة، إذ نسمع بتورط موظفين في دوائر الدولة بعمليات التعاطي، وهم ضحايا بكل تأكيد، لكن لا بدّ من محاسبة التجار الذين تحميهم جهات نافذة بعضها سياسية وأخرى مزودة بسلاح".
ويجزم بأن "العصابات التي تتاجر بالمخدرات قوية وقادرة على تحدي أجهزة الدولة، وتملك فرقاً لتنفيذ اغتيالات شملت بعضها عناصر أمن وضباط، ما يعني أن التحدي الذي تخوضه السلطات كبير مع قوى تعتبر نفسها فوق أي قانون".
ويلفت إلى أن "الحدود مع إيران تعاني من هيمنة جهات نافذة وأشخاص فاسدين يعملون لحسابهم الشخصي، وباتوا من أصحاب ملايين الدولارات بسبب المتاجرة في المخدرات، والحكومات المحلية في جنوب البلاد تتجنب التصادم معهم، نظراً إلى ما يملكونه من علاقات واسعة ونافذة مع جهات مسلحة وسياسية".
ويعتبر أن "ملف المخدرات بات أخطر من الإرهاب في العراق، ويعني ابتكار أساليب جديدة، منها الطائرات الشراعية، أن المتورطين لا يرغبون في التخلي عن عملياتهم، وأن هناك طرقاً جديدة لإدخال المخدرات إلى العراق".
من جهته، يذكر الناشط والمحامي من محافظة البصرة مظفر المالكي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات إسقاط الطائرات الشراعية المحمّلة بمخدرات لا تمنع دخول مواد مخدرة عبر ممرات غير قانونية بين العراق وإيران".
يضيف: "تحصل غالبية عمليات تهريب المخدرات وإدخالها إلى البصرة ومناطق أخرى في الجنوب عبر ممرات تعرف السلطات بعضها، لكنها لا تستطيع مواجهة الجهات التي تستبيح سيادة العراق، فيما لا تعرف ممرات أخرى تستخدم عند الحاجة وتغلق بعد انتهاء المهمات. والحدود مع إيران مستباحة من أحزاب تدعي الإسلام والتشيّع".
يذكر أن القانون العراقي الذي طبق قبل الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 يعاقب مروّجي المخدرات بإعدامهم شنقاً، لكن هذه العقوبة أُلغيت بعد الاحتلال، واستبدلت بالسجن حتى 20 عاماً محد أقصى.