يتدافع المواطنون في قطاع غزة أمام أي محطة مياه أو سيارة نقل لتعبئة أوانيهم بما هو متوفر من مياه غير مكررة، بعد قطع المياه والكهرباء عن القطاع من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتوقف محطات التحلية عن العمل. المشهد أصعب وأقسى في مراكز الإيواء في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) التي تكتظ بالنازحين الذين يأملون أن تكون هذه الأماكن أكثر أماناً.
ومع اشتداد الحرب والقتل والدمار وعدم قدرة المواطنين على توفير مياه الشرب، لجأ الغزيون إلى شرب مياه البلدية التي بالكاد تتوفر بسبب عدم ضخ المياه أو تشغيل الكهرباء. ومع تحذير منظمة الصحة العالمية من خروج الوضع عن السيطرة في قطاع غزة، يوضح المسؤول في الإدارة العامة للمستشفيات في وزارة الصحة في غزة علي البلبيسي، أن تفشي الأوبئة يحتاج إلى بعض الوقت، لكن الأخطر ناتج من التلوث والجراثيم المنقولة بسبب شرب مياه غير مكررة.
يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "وصلنا في غزة إلى مرحلة التسمم والنزلات المعوية (عدوى فيروسية أو بكتيرية أو طفيلية تصيب الأمعاء الدقيقة والغليظة) بفعل الجراثيم الناتجة من مياه الشرب الملوثة"، لافتاً إلى أن "مياه الشرب في قطاع غزة ملوثة أساسا. وقبل أن يكون هناك حرب، كان القطاع يشهد حالات تسمم ونزلات معوية، فكيف اليوم في ظل شرب المواطنين مياها غير مكررة؟".
ويشدد على أن الفئات الهشة من المجتمع كالأطفال وكبار السن والحوامل ومرضى الضغط والسكري ومرضى الكلى، عرضة بشكل أكبر لحدوث جفاف في أعقاب إصابتهم بالنزلات المعوية الناتجة من تلوث مياه الشرب. يتابع: "الخطر الأكبر قد يكون خلال أيام معدودة أو أسابيع، إذ إن هناك خشية من حدوث وباء إذا ما استمر الحال على ما هو عليه"، لافتاً إلى أن لذلك تداعيات خطيرة. ويؤكد أن "الأهالي يعون مخاطر شرب المياه الملوثة، لكن لا خيار أمامهم في ظل استمرار الحرب على غزة والقتل والدمار في كل المناطق".
من جهته، يقول المواطن محمد الطويل إن أزمة مياه الشرب وصلت إلى ذروتها في غزة في ظل انقطاع التيار الكهربائي وعدم قدرة محطات التحلية على العمل وإغلاق المعابر وبالتالي عدم القدرة على إدخال المياه المعبأة. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد": "أصبحنا نشرب مياه البلدية إن توفرت"، لافتاً إلى أنها "قُطعت منذ اليوم الأول للحرب بقرار من الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول قتل الحياة في غزة". ويوضح أن "المواطنين أصبحوا غير قادرين على توفير المياه وهناك خشية حقيقية على حياتهم مع اشتداد الحرب وطولها".
بدوره، يؤكد المواطن صالح حلس وهو من حي الشجاعية شرقي غزة، وقد نزح مع عائلته إلى أحد مراكز الإيواء لدى الأونروا، أن المياه غير متوفرة داخل المدارس والوكالة توفر في بعض الأحيان سيارات مياه غير مكررة، فضلاً عن عدم توفر الأوعية الخاصة بالمياه وانعدام وسائل النظافة في ظل تكدس المواطنين في المراكز والمدارس. ويلفت إلى أن المواطنين يتجمهرون ويتدافعون أمام سيارة المياه محاولين الحصول على الحد الأدنى من مياه لا تصلح للشرب، لكنهم يتناولونها رغم معرفتهم بسوئها والأضرار التي قد تقع عليهم.
أما المواطنة أم أكرم نبهان، وهي أم لطفل رضيع، فتبكي بحرقة وتقول: "حرام ما يحصل في غزة، وين (أين) العالم ينجدنا؟ وين حقوق الإنسان؟"، مناشدة الضمائر الحية نجدة غزة وإيقاف آلة القتل ونزيف الدم وإغاثة ما تبقى من المواطنين. تضيف أن "الوضع كارثي. لم أتوقع يوماً أن نصل إلى هذه الحالة والمرحلة من ضيق العيش. لا يُعقل ألا نجد مياهاً نشربها. هذا تغول غير طبيعي. هذا إجرام بحق المواطنين الغزيين العزل". وتقول: "لا أجد مياه شرب أغليها لطفلي، لا أحد ينظر إلى غزة على الرغم من الإبادة الجماعية والموت البطيء للأحياء. أين العالم مما يدور في غزة؟".
من جهته، يؤكد صاحب محطة تحلية في وسط القطاع أمجد ظهير، أن قطع الكهرباء هو السبب الرئيسي لعدم تشغيل المحطات التي أضحت من دون أهمية في وقتنا الحالي. ويوضح أنه حوّل سيارات محطته لنقل مياه الخدمة (البلدية) التي بالكاد تتوفر كل يومين أو ثلاثة لعدة ساعات، لصالح النازحين على أمل أن تغيثهم خلال أيام الحرب الطويلة. ويشير إلى أن مئات العائلات تسأله عن مياه الشرب، ما يجعله في حالة حزن شديد وقهر لحال المواطنبن. ويدعو المواطنين إلى التكاتف والتلاحم والاقتصاد في المياه المتوفرة في ظل انسداد أفق انتهاء الحرب التي أتت على الحجر والبشر.
يضيف ظهير أن بعض المواطنين حاولوا تشغيل مولداتهم الخاصة من خلال الطاقة الشمسية المحدودة جداً، وأمدوا الآخرين بحاجتهم من الماء. وكانت الأونروا قد حذرت من نفاد المياه في غزة، ما سيشكّل خطورة على حياة أكثر من مليوني شخص داخل القطاع، وذلك من جراء الحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على الأهالي. وقال المفوّض العام للأونروا فيليب لازاريني، إنّ "الناس يضطرون إلى استخدام المياه القذرة من الآبار، مما يزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه".