يتواصل تشديد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة مُنذ اليوم الأول لبدء العدوان، ما يفاقم الأزمة، إذ لا يسمح الاحتلال سوى بدخول كميات قليلة وأصناف محددة من الأساسيات الحياتية، ما يعتبر نُقطة في بحر الاحتياجات المُتزايدة، وفق وصف مكتب الإعلام الحكومي. وتطاول الأوضاع المأساوية كافة النازحين في مراكز ومؤسسات ومدارس الإيواء، والذين تقدر أعدادهم بنحو 1,9 مليون شخص، وهم من كل الشرائح العُمرية، فيما يتزايد أثرها الخطير على الفئات الهشة، وفي مُقدمتهم الأطفال والرُضع وكبار السن، وكذا المرضى والجرحى، والنساء الحوامِل، وأصحاب الإعاقات المُختلفة، وكل هذه الفئات تحتاج إلى رعاية ولها احتياجات خاصة.
ولا يتوقف انعدام المقومات الأساسية على المواد الغذائية، ومياه الشرب النظيفة، بل يمتد إلى جميع المستلزمات الحياتية الأساسية، وفي مقدمتها حليب الأطفال الرُضع، والمُكملات الغذائية، والأدوية الخاصة بعلاج العديد من الأمراض، وعقاقير التعامل مع الأمراض التي تزايدت بفعل التلوث الشديد الناتج عن الزحام وانعدام النظافة داخل مراكز الإيواء، ومواد التنظيف والمُعقِمات.
لم تتمكن الفلسطينية ختام الشريف من الحصول على حليب لطفلها الرضيع، وصفته لها طبيبة في أحد مراكز الإيواء التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، رُغم وقوفها في طابور طويل أمام الغرفة الخاصة بتسليم المُساعدات، وذلك لنفاد الكميات.
وتقول الشريف لـ"العربي الجديد" إنها من سُكان منطقة المقوسي شمالي مدينة غزة، وانتقلت مع زوجها وعائلته إلى إحدى مدارس اللجوء في مدينة دير البلح منذ الأيام الأولى لبدء الاجتياح البري الإسرائيلي للمحور الشمالي الغربي من المدينة، بفعل التهديدات الإسرائيلية بضرورة الإخلاء نحو جنوب وادي غزة، وبعد زيادة المجازر المُرتكبة بحق المدنيين في المنطقة، والتي شملت شطب عائلات كاملة من السجل المدني.
وتلفت إلى أن عائلتها باتت مقتنعة بأن قرار انتقالهم إلى مدرسة الإيواء لم يوفر لهم الأمان، فالأوضاع لا تختلف كثيراً عن حالة الخطر التي كانوا يعيشونها على مدار الوقت في شمال غزة، وتوضح: "كنا نواجه خطر الموت، وما زلنا كذلك، فلا وجود لأي مكان آمِن في القطاع، وفي المناطق التي يدّعي الاحتلال أنها آمِنة، إلى جانب افتقار تلك المناطق إلى أدنى مقومات الحياة، إذ لم نعُد قادرين على توفير الطعام الكافي لأطفالنا الأربعة، كما لا يُمكنني توفير الحليب والأدوية الخاصة بطفلي الرضيع".
وتوضح الشريف أنها قامت بوضع طفلها عبد الرحمن قبل ثمانية أشهر بعد عملية جراحية صعبة، وكان من المُقرر أن تواصل المُتابعة مع طبيبة في أحد المراكز الطبية بالقرب من منزلها في مدينة غزة، لكن العدوان الإسرائيلي المتواصل مُنذ أكثر من ثمانين يوماً حال بينها وبين ذلك، كما لم تتمكن من الحصول هي أو طفلها على الرعاية المطلوبة من جراء التكدس الشديد داخل مراكز الإيواء، وعدم توفر مراكز صحية عاملة.
وإلى جانب غياب الخصوصية للأسر والنساء بشكل عام داخل مراكز الإيواء، لا تحصل النساء الحوامل على أدنى احتياجاتهن من الرعاية الصحية، أو المُتابعة الدورية المطلوبة، فيما راجت خلال فترة العدوان الإسرائيلي الحالي ظاهرة اللجوء إلى "الداية"، إذ تقوم إحدى النساء ذوات الخِبرة بمهمة توليد النساء بالطرق البدائية، وفي ظل أوضاع غير صحية وغير آمِنة على الأم والجنين.
وتظل أوضاع المُسنين وكبار السن والمرضى سيئة داخل مراكز الإيواء، التي تضُم في مُعظمها أعداداً أكبر من طاقتها الاستيعابية بنحو خمسة أضعاف، إذ تفتقر تلك المراكِز إلى المُعدات الطبية، ولا تتوفر فيها الأسِرة الخاصة، كما تنعدم فيها أصناف الأدوية، وخصوصاً المُضادات الحيوية، والمُسكِنات اللازمة لتخفيف الآلام، ما يزيد من مُعاناتهم يوماً بعد يوم.
يقول الفلسطيني هيثم مراد، وهو نازح من مدينة غزة يقيم في أحد مراكز الإيواء بمُخيم النصيرات للاجئين في وسط قطاع غزة، إنه يُعاني من إعاقة حركية ترافقه مُنذ الوِلادة، وإنه يتعرض لصعوبات بالغة في المركز الذي يفتقر إلى أي من مقومات الحياة للأشخاص الطبيعيين، فيما تتضاعف مُعاناة أصحاب الإعاقات المُختلفة.
يضيف مراد لـ"العربي الجديد" أنه يُعاني لعدم قدرته على الحركة بسلاسة، أو تدبير أمور حياته اليومية، كما يجد صعوبة بالغة في دخول المِرحاض غير المُخصص لحالته، كما لا يُمكنه التجول داخل المركز بكُرسيه المُتحرك نظراً لتكدس خِيام النازحين في كل مكان، وإشعال حطب الطهي في كافة الزوايا، وكذا لا يُمكنه التحرك خارج أبواب المركز بفعل أعداد النازحين غير المسبوقة. ويُشير الفلسطيني جابر المدهون إلى أن طفله أحمد، المُصاب بمتلازمة داون، يعيش معاناة شديدة في مركز الإيواء، إذ اعتاد على الذهاب به يومياً إلى مركز تأهيل شرقي مدينة غزة لمُتابعة حالته، بينما لا يتاح له هذا حالياً، إضافة إلى ما يشهده مركز الإيواء من تكدس غير طبيعي.
يوضح المدهون لـ"العربي الجديد" أن "هناك أزمات مُضاعفة يُعاني منها أصحاب الإعاقات وذويهم، خاصة في ظل غياب الرعاية الشخصية، وشُح المواد التموينية، والمُكملات الغذائية، وغياب الأدوية المُختلفة، سواء للأمراض المُزمنة، أو حتى الأمراض الطارِئة بفعل تغير المناخ، ويتزامن كل ذلك مع زيادة الأمراض الفيروسية والمُعدية بسبب التكدس الكبير".
وإلى جانب الخطر العام الذي يمثله القصف الإسرائيلي، وحالة التهجير القسري التي يعيشها آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، تعيش الفئات الهشة أزمات مركبة داخل مراكز الإيواء، تتمثل في انعدام الخدمات الأساسية الخاصة بحالاتهم، فكل منهم له احتياجات مُختلفة، وتسوء أوضاعهم الصحية والمعيشية خلال أيام الحرب القاسية.