انتصار رزق العرابيد معلمة فلسطينية نزحت من شمال قطاع غزة إلى جنوبه ضمن أكثر من مليون امرأة يبحثن عن المأوى والأمان، لكنها لم تنس رسالتها، إذ أطلقت مبادرة فردية لتعليم الأطفال النازحين في مدرسة القدس بمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
لم تكن المدرسة التي انطلقت منها مبادرة العرابيد سوى مأوى للنازحين، تختلط على جدرانه اللافتات المدرسية وأغطية النازحين وملابسهم، وعبر الأثير تتردد الدعوات ممزوجة بأصوات لعدد من الأطفال يرددون آيات من القرآن الكريم داخل غرفة من الصفيح تتوسط المدرسة.
رحلة الفرار من شمال غزة عبر ممر "الرعب"
تتذكر العرابيد رحلتها من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة إلى جنوبه، قائلة: "وصلنا إلى الجنوب في شهر نوفمبر 2023 عبر ما كان يسمّى الممر الآمن، لكنه كان في الحقيقة ممراً للرعب"، تركت الرحلة والحرب آثارها على الأطفال والأفراد، كما تصف العرابيد، وتكمل "لاحظت حالة من الفراغ لدى الأطفال في ظل عدم وجود مدارس أو مراكز تحفيظ للقرآن والتي يحرص أطفال الشمال على ارتيادها، فضلاً عن تأثر الأطفال بسلوك عدواني من مشاهدات الحرب وما مرّوا به، لذا بدأنا التفكير في تحفيظهم القرآن الكريم".
انتصار العرابيد: الشعب الفلسطيني شعب محب للحياة ولن تثنيه الحرب الإسرائيلية عن طلب العلم
وبدأت المعلمة انتصار فكرتها بتعليم النازحين الأطفال القرآن الكريم وتشجيعهم على حفظه، ومع مرور الوقت، وفي ظل إقبال الطلاب على الدروس، قررت المعلمة تطوير فكرتها من أجل تعليم العلوم الأساسية وفق المنهج الفلسطيني، وذلك في تحدٍّ للآليات الحربية الإسرائيلية التي عمدت إلى قصف المدارس والجامعات والمستشفيات في القطاع الذي يتعرض لحرب وحشية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
تقول العرابيد لـ"العربي الجديد" إن "الشعب الفلسطيني شعب محب للحياة ولن تثنيه الحرب الإسرائيلية عن طلب العلم مهما كانت الظروف".
في ساحة المدرسة تتبادل شيماء محمد حمد (12 عاماً) وميار محمد السوسي (9 سنوات) مراجعة الآيات المقررة عليهما، تقول شيماء التي لم تذهب إلى المدرسة منذ 3 أشهر بسبب الحرب: "اشتقت لمدرستي ومعلماتي وأصحابي"، مضيفة بشيء من الإصرار: "إنّ شاء الله نرجع لدارنا ونبني مدرسة جديدة ونتعلّم فيها، أتمنى أن أرجع ونبني بلادنا من جديد، حتى لو كانت دارنا على الأرض سوف ننصب خيمة ونقعد فيها".
تلتقت ميار أطراف الحديث مؤكدة حالة الشوق إلى المدرسة والمعلمات والأصدقاء، واصفة أصدقاء النزوح الجدد بالجيدين قائلة: "اشتقت كثيراً للمدرسة ولزميلاتي وكل الذين أحبهم، وأقضي يومي في حفظ القرآن واللعب مع صديقاتي الجدد، وأتمنى أن أرجع إلى داري الحلوة ومدرستي وصديقاتي وأفرح بهن".