تحقّق ما أراده الفلسطيني نهاد البرغوثي (20 عاماً)، الذي يتحدّر من قرية كفر عين شمال غرب رام الله وسط الضفة الغربية. هذا الشاب الذي رفض واقع الاحتلال الإسرائيلي والحاجز العسكري المقام عند قرية النبي صالح المجاورة، والذي أقيم بعد انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000، قتله جنوده وحقّقوا حلمه بالشهادة.
لطالما أعرب نهاد عن رفضه الحاجز العسكري ومستوطنة "حلميش"، وفتح بوابته التي يغلقها جنود الاحتلال في إطار الإجراءات العقابية التي يمارسها بحق الأهالي مراراً. هذا الشاب الذي وقف في وجه الاحتلال، كان الحاجز سبباً في إنهاء حياته. فحين وصل ومجموعة من الشبان إلى الحاجز للاحتجاج بعد ظهر الثلاثاء الماضي، أطلق الجنود الرصاص نحوه بعد حتى قبل اندلاع مواجهات.
أسر نهاد مرات عدة، أولها حين كان بعدُ قاصراً. كما أصيب مرتين من جراء مواجهات مع الاحتلال. لم يخف عن والدته نجوى رغبته في الشهادة. الأخيرة عرفت أن ابنها استشهد بعد إصابته برصاص الاحتلال الإسرائيلي. في المستشفى، كانت تنظر إلى عينيه وتردد: "كنت تغني شهيداً ورا شهيد. ها أنت استشهدت يا بني. كنت تقول: يا ريت أمي بدالك، وأنا أصبحت مثل أم ثائر".
تقول نجوى لـ "العربي الجديد": "ابني طلب الشهادة ونالها. قال لي: الخطية برقبتك. لا تبكي عندما أستشهد. أتمنى الشهادة من قلبي وروحي، إن كنت تحبينني لا تبكي علي". وتذكر أنه "قصد والدة الشهيد عز الدين التميمي في قرية النبي صالح المجاورة، وعاد إلى البيت ليخبرني عن مدى حزنها".
كان نهاد يرفص الواقع الذي فرضه الاحتلال، وإغلاق بوابة حاجز النبي صالح التي تؤدي إلى قرى عدة شمال غرب رام الله، ليكون جزءاً من المواجهات المتكررة قرب الحاجز منذ كان في الرابعة عشرة من العمر.
من جهته، يروي والده أمين في حديثه لـ "العربي الجديد" حادثة في أحد الأعياد، حين كانت بوابة الحاجز مغلقة. اتصل به صديق ليسأل عن طريق آخر للوصول إلى مسقط رأسه كفر عين، فطلب منه نهاد الانتظار وفتح البوابة بنفسه متحدياً الاحتلال. حينها، أطلق الجنود الرصاص ما أدى إلى إصابته، إلا أنه "فتح البوابة رغم أنفهم"، يقول والده.
كما يذكر العديد من الحوادث التي أدت إلى إصابته واعتقاله. وكان قد أصيب برصاصة في الرقبة بعدما تعارك مع جندي إسرائيلي عند الحاجز نفسه بالأيدي، فأطلق جندي آخر النار عليه الأمر الذي أدى لإصابته بجروح خطيرة، واعتقل إثر المواجهات. ويؤكّد أن "جيش الاحتلال حقد على نجله، وأرسل له رسائل تهديد مرات عدة. وفي إحدى تلك الرسائل، قال له: سنقتلك يا نهاد، فأجابهم بأنه يحمل روحه على كفه".
في إحدى المرات التي خرج نهاد منها من السجن، قال الأب لابنه إنه "يريد بناء بيت له وتزويجه. فأجاب: بيتي في الجنة. في أي وقت ربما ستسمعون خبر استشهادي. لا أستطيع أن أتصور مروري في مستوطنة أو جيب جيش في أرضنا المغتصبة بالقوة. لا أستطيع أن أسمح لجندي إسرائيلي بتفتيشي. أنا لست أفضل من الناس ولكنني لا أستطيع المرور أمام جندي يتجول في أرضي في وقت أمنع من التجول. سأكمل طريقي هذه".
إلى ذلك، يقول شاهد عيان فضل عدم ذكر اسمه لـ "العربي الجديد" إنّ نهاد كان برفقة عدد من الشبان الذين توجهوا إلى الحاجز العسكري. وعلى الرغم من عدم اندلاع مواجهات، أطلق جنود الاحتلال النار عليهم وأصابوا نهاد وقتلوه بدم بارد. يضيف أن جنود الاحتلال، وبمجرد أن شعروا بوجود الشبان، أطلقوا النار عليهم، ثم عمد الشبان إلى رشق الجنود بالحجارة على الرغم من أنهم كانوا داخل برج عسكري محصن، لافتاً إلى أن الشبان كانوا يبتعدون مسافة لا تقل عن نحو 70 متراً.
من جهته، يقول الناشط في المقاومة الشعبية من قرية النبي صالح بلال التميمي لـ "العربي الجديد"، إن عدداً من الشبان كانوا قد تجمعوا قرب الحاجز والبرج العسكري المقام على أراضي النبي صالح. وحين رآهم جنود الاحتلال يتمركزون قرب البرج العسكري أطلقوا النار عليه فوراً، وكانت إصابة نهاد مباشرة، ما يعني أنهم أرادوا إعدامه".
من جهته، يقول شقيق الشهيد إيهاب البرغوثي: "ما حدث عملية اغتيال واضحة. كان يمكن للاحتلال تفريقهم بالغاز والرصاص المطاطي، لكنه أعطى أوامر بإطلاق الرصاص الحي".
أطلق والد نهاد عليه اسمه تيمناً بالشهيد نهاد هنطش، الذي كان رجل أمن عند حاجز فلسطيني وقد تصدى لجيش الاحتلال واستشهد بين يديه. يتابع: "استشهد هنطش ونحن نقاوم الاحتلال وأسميته على اسمه، وها هو يلحق بصاحبه. وسنستمر على هذه الطريق".
وكثيراً ما استهدف جنود الاحتلال الشبان عند الحاجز العسكري المقام عند مدخل النبي صالح، الذي يعاقب من خلاله أهالي النبي صالح والقرى المجاورة من خلال منعهم من الوصول إلى رام الله. ويقول التميمي: "لطالما استهدف جيش الاحتلال الشبان، وقد أقيم الحاجز عام 2000 أي بعد انتفاضة الأقصى، وأغلقت جهة منه. وعند الجهة الأخرى، يرابط جيش الاحتلال الأمر الذي يعيق حركة الناس نحو كل قرى منطقة بني زيد الغربية".
ويقول رئيس مجلس قروي كفر عين محمود الرفاعي لـ "العربي الجديد": "يتواجد جيش الاحتلال بشكل دائم في المكان، ويستفزون أهالي المنطقة، الأمر الذي يدفع الشبان إلى التجمهر والتعبير عن رفضهم ممارسات الاحتلال بطريقة سلمية، ومن خلال رشق الحجارة أحياناً. إلا أن جيش الاحتلال يواجههم بالرصاص، وعادة ما تكون الإصابات في المنطقة العليا من الجسد". يتابع الرفاعي: "هذا إعدام مباشر واختراق لكل القوانين الدولية، إذ يتم استخدام الرصاص الحي ضد مسالمين لا يملكون سوى حجارة يعبرون بها عن رفضهم للاحتلال".