وحدة استقبال الحوادث في مستشفى القصر العيني صورة عن المستشفى بأكمله، فقد رصدت "العربي الجديد" فيها إهمالاً واضحاً رغم عدد الحالات الطارئة الكبير
مستشفى القصر العيني في العاصمة المصرية القاهرة يعتبر من أهم المستشفيات المصرية، ويلجأ إليه يومياً المئات من المواطنين للعلاج، لكنّ سوء الخدمة الطبية أثار استياء كثيرين طالبوا القائمين عليه بضرورة الاهتمام بصحة المرضى، وتكثيف الرعاية الطبية. وبالرغم من إنفاق ملايين الجنيهات على تطوير أروقة المستشفى، بحسب ما أعلن، فإنّ المريض لا يشعر بأيّ تقدم يذكر في مستوى الخدمة الصحية، بل زادت رحلة عذاب ومعاناة المرضى داخل جدرانه، فلا إمكانات ولا أطباء ولا علاج يقدم للمرضى الفقراء الذين لا يجدون بديلاً، بينما تستمر سيارات الإسعاف في جلب الحالات الحرجة والمصابين على مدار اليوم.
"العربي الجديد" رصدت الأوضاع داخل وحدة استقبال الحوادث في القصر العيني، تلك الوحدة المهمة التي يصلها عشرات المصابين بالحوادث في كلّ ساعة، تبرز فيها الشكاوى المتكررة من بطء العلاج، فيما الإهمال هو العنوان الرئيس داخل قسم الاستقبال، فالأسرّة يصل عددها إلى 12 فقط داخل القسم، وهي متهالكة، ولا تجهيزات أو إمكانات في القسم، حتى أنّه لا يكفي لاستقبال الإصابات، فيوضع كلّ شخصين على سرير واحد، بل إنّ عدداً من المرضى أصحاب الحالات الخاصة، لا سيما صغار السن، يوضعون على الكراسي. عدم توفر الإمكانات الطبية هذا يتسبب في إزهاق أرواح كثير من المرضى، فالفقراء لا يستطيعون الوصول إلى مستشفيات مجهزة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حالة من الغضب بين ذوي المرضى، وللاعتداء على الأطباء والمنشآت الطبية. ولا يقتصر الأمر على القسم نفسه، بل إنّ الاستراحات الخارجية ليس فيها أيّ مقاعد، وهو ما يدفع أهالي المصابين إلى افتراش الطرقات.
بالقرب من وحدة استقبال الحوادث، نقطة شرطة تابعة لقسم النيل بالقاهرة، تتابع المصابين لإجراء المحاضر والتحريات حول أسباب الحوادث. ويكشف مسؤول أمني أنّه يجري تنظيم محاضر يراوح عددها بين 400 و500 يومياً للحوادث في قسم الاستقبال، مشدداً على أنّ الحوادث التي تصل إلى الاستقبال من بينها ما هو خطير يصمد أصحابه لساعات محدودة ربما، ثم يلفظ بعدها المصاب أنفاسه الأخيرة، ومنها المتوسط والبسيط، لكنّ أكثر الحوادث هناك هي الخطيرة، إذ إنّ المستشفى يقع في الوسط بين عدد من الأحياء الشعبية التي تكثر فيها الحوادث مثل: مصر القديمة، وبولاق الدكرور، والوراق، والسيدة زينب، وإمبابة، وبشتيل، وفيصل، بالإضافة إلى حوادث خطيرة أخرى يجري نقلها من عدد من أحياء محافظات القاهرة الكبرى. يتابع أنّ فترة الليل هي التي تنقل فيها أغلب الإصابات إلى المستشفى، ففي الليل تزداد المشاكل والخلافات. كذلك، فإنّ معظم الإصابات هي في الرأس بسبب التضارب، أو الكسور الخطيرة التي تنشأ غالباً نتيجة الرمي من مكان مرتفع، بالإضافة إلى حوادث الطرقات وغيرها.
بدوره، يقول "م. ح."، وهو طبيب في وحدة استقبال الحوادث بالقصر العيني، إنّ الكارثة الكبرى داخل مستشفى القصر العيني تتمثل بغياب الأسرّة الكافية داخل وحدة الرعاية المركزة، لكثرة الإصابات الناتجة عن الحوادث والتي تحتاج إلى رعاية 100 في المائة، وبالتالي ليس أمام الأطباء سوى وضع المصاب، فاقد الوعي، على أجهزة التنفس الصناعي. ويشدد على وقوع مشاجرات داخل وحدة استقبال الحوادث بالقصر العيني، يومياً، من جانب أهالي المرضى، ويقول إنّهم معذورون في ذلك لعدم إنقاذ أحد أقاربهم، وفي الوقت نفسه فالأطباء ليست لديهم الإمكانات الطبية. ويردد مثلاً شعبياً في هذا الإطار، يدلّ على مهارة الأطباء بالرغم من كلّ الظروف السيئة: "الشاطرة تغزل برجل حمار". ويتابع أنّ أهل المصاب إما ينتظرون قضاء الله وقدره لعدم توفر رعاية مركزة، أو تحويله إلى مستشفى آخر تتوفر فيه الرعاية اللازمة، والقادرون على ذلك من بينهم قلة، إذ إنّ الرعاية المركزة في المستشفيات الاستثمارية تتجاوز أجرتها 4 آلاف جنيه مصري (255 دولاراً)، في اليوم الواحد، وفق ما يقول.
يضيف طبيب آخر أنّ معظم الأطباء العاملين بوحدة استقبال الحوادث بمستشفى القصر العيني هم شباب، أي "أطباء امتياز"، وفي النوبة الواحدة، وهي ثماني ساعات، خمسة أطباء فقط، ما يمثل ضغطاً كبيراً عليهم: "نتعرض لاعتداءات لفظية متكررة من الأهالي الغاضبين. أما السبب الرئيس في كثرة الإصابات التي تصل إلى وحدة استقبال القصر العيني، فهي تحويل المصابين من مستشفيات حكومية أخرى ومستشفيات جامعية، بزعم توفر إمكانات في القصر العيني، وهو ما أدى إلى اكتظاظ القسم بكثير من المصابين على الدوام".
تجول مراسل "العربي الجديد" خارج وحدة استقبال حوادث مستشفى القصر العيني، حيث يفترش أهالي المرضى الطرقات، والبعض الآخر ينتظر طبيباً يطمئنه على المصابين، بالإضافة إلى عشرات من الموجودين خارج أسوار المبنى لرفض الأمن الإداري دخولهم. ومع سؤال واحد من الأهالي الجالسين على الأرض، عن سبب بقائه، يقول إنّ اسمه حسن عبد الوهاب، من منطقة إمبابة، بمحافظة الجيزة، وإنّ ابن شقيقته (18 عاماً)، سائق "توك توك" لنقل الركاب، تشاجر مع زميل آخر له بسبب راكب، واعتدى عليه بزجاجه فارغة على رأسه، أحدثت نزيفاً خطيراً، وبنقله إلى مستشفى إمبابة العام، أمر الأطباء بضرورة نقله بسرعة إلى القصر العيني. يضيف أنّه في انتظار قرار الأطباء. كذلك، تشكو أم محمود من سوء العناية في وحدة الاستقبال بالقصر العيني، مشيرة إلى أنّ نجلها تعرض لحادث سير على دراجة نارية، بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة، مضيفة أنّها تعجبت من المعاملة السيئة من الممرضين والأمن الإداري، كما أنّ الشرطة بالمستشفى لا همّ لها سوى الأسئلة والتحريات عن الحادث، قبل إنقاذ حياة المريض.
من جهته، يقول أحمد أبو اليسر إنّ أحد أقاربه سقط من مكان مرتفع بمنطقة بولاق الدكرور، ما أدى إلى نزيف داخلي وفقدان للوعي، وجرى وضعه على جهاز التنفس لنحو أربع ساعات، وأكد الطبيب المعالج أنّ الحالة العامة صعبة ولا بدّ من نقله إلى مستشفى تتوفر فيه رعاية مركزة لعدم وجود سرير بالمستشفى "بالرغم من أنّ القصر العيني من المفترض أن يكون من أهم المستشفيات المصرية، وها نحن نجري اتصالات بالمستشفيات وبالرقم الساخن 137 لتدبر أمر سرير رعاية مركزة". يعقب: "أثناء وجودنا هنا، سمعنا صراخاً داخل وحدة الاستقبال، فتبين أنّ شاباً توفي بعدما جاء مصاباً في شجار، فكسر ذووه الأبواب، وبعدها بنصف ساعة توفي شخص آخر أصيب في حادث سير".
الممرضون يهربون
يلفت ممرض يدعى أحمد إلى أنّ حالة وحدة استقبال الحوادث بالقصر العيني ليست خافية على أحد، فالمصابون الذين يستقبلهم معظم حالاتهم تحتاج إلى تدخل سريع، لكنّ الإمكانات ضئيلة جداً، مشيراً إلى أنّ الممرضين يرفضون العمل في استقبال الحوادث، ويفضلون العمل في الأقسام الداخلية، لأنّها أهدأ كثيراً، والأجر الإضافي في قسم الحوادث ليس مجزياً فيما الصراخ والبكاء في القسم طوال 24 ساعة يجعلان مهمة من يعمل هناك صعبة جداً.