سجلت وزارة الصحة العراقية خلال الشهرين الماضيين، أكثر من 100 حالة عض لأشخاص من كلاب سائبة، وأدت إحداها إلى وفاة طفلة في ضواحي بغداد بعد أن هاجمها قطيع من الكلاب المسعورة، ما أدى إلى حدوث أزمة قلبية تسببت في وفاتها على الفور، وفقاً للتقرير الطبي.
ولا تملك السلطات العراقية أية حلول مستدامة لمواجهة الظاهرة المتفشية، وتقوم بشكل بدائي، يصفه البعض بالوحشي، بحملات منتظمة لقتل كلاب الشوارع بواسطة فرق من الشرطة والجيش، والذين يستخدمون بنادق الكلاشنكوف لإطلاق الرصاص عليها، أو يقومون بوضع السم في طعام يدسونه بمناطق وجودها، ثم يجمعون جثث الكلاب النافقة لدفنها خارج المدن.
ويؤكد أطباء بيطريون أن الظاهرة اتسعت خلال فترة المعارك مع تنظيم الدولة "داعش"، والتي منحت كثير من الحيوانات السائبة فرصة للتكاثر، من بينها الكلاب بمختلف أنواعها، والخنازير البرية، والغرير، والذئاب، والثعالب، إذ لم تكن مناطق المعارك مأهولة بالسكان.
ويقول أحمد يحيى، من بلدة المسيب في ضواحي مدينة الحلة مركز محافظة بابل، إنه "لم يعد بإمكان أطفالنا الذهاب إلى المدارس أو مغادرة البيت وحدهم بسبب هجمات الكلاب السائبة المنتشرة في المنطقة. أكثر من خمسين كلباً يسيطرون على الحي، والأهالي ناشدوا سلطات المحافظة لجمعها، لكن لم يجدوا رداً. انتشار الكلاب السائبة في الشوارع والأزقة استفحل خلال السنوات الأخيرة نتيجة انتشار النفايات، والمجمعات العشوائية معدومة الخدمات، إضافة إلى توقف حملات مكافحة الحيوانات التي تهدد حياة المواطنين".
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من مقاطع الفيديو والصور المأخوذة بالهواتف الشخصية، وكاميرات المراقبة، والتي تظهر الكلاب السائبة تهاجم المواطنين في الشوارع، سواء في الليل أو النهار.
يسكن علي خليفة (43 سنة) في ضواحي بغداد ضمن منطقة "سبع البور"، وقبل ثلاثة أشهر، توفيت ابنته زهراء التي لم تكن تتجاوز الخامسة من عمرها بعد أن هاجمتها مجموعة كلاب سائبة أثناء وقوفها أمام منزلها قبيل غروب الشمس. يقول خليفة إن ابنته توفيت نتيجة تسمم الدم بعد العض الذي تعرضت له من الكلاب التي تبين لاحقاً أنها مسعورة، والمركز الصحي لم يكن يملك الأمصال لإسعافها، بينما أقرب مستشفى في بغداد.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد وفاة ابنتي أخذت على عاتقي مسؤولية قتل الكلاب المسعورة، وتخليص المواطنين من خطرها، كما تقدمت بشكوى إلى دائرة الصحة والبلدية، والتي أوعزت بتشكيل لجنة لإبادة الكلاب السائبة في المدينة".
ولا يختلف الحال كثيراً داخل بغداد، إذ لا تخلو منطقة من وجود كلاب سائبة تهدد سلامة المواطنين، ويرجع سبب انتشارها لوجود المناطق الصناعية داخل المناطق السكنية، فضلاً عن كثرة النفايات والمناطق العشوائية، والدور الضعيف لدوائر الصحة في مجابهة تلك الظاهرة.
يقول الطبيب البيطري سلام أحمد، من دائرة صحة بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "مجاميع كبيرة من الكلاب السائبة تنتشر ليلاً بالمناطق السكنية في حزام بغداد، والمجمعات العشوائية، والمساحات الفارغة قرب المستشفيات، وعند مكبات النفايات. أغلب هذه الكلاب تحمل أمراضاً تهدد صحة الإنسان، وأخطرها داء الكلب الذي يؤدي إلى الوفاة في حال عدم تلقي العلاج اللازم بصورة سريعة بعد التعرض للعض، والأساليب الخاطئة في مكافحة هذه الحيوانات تسببت في زيادة أعدادها، الأمر الذي يستوجب تصدي الجهات المعنية لها بصورة جدية".
من جانبه، قال المهندس في أمانة بغداد، بشار عبد الستار، لـ"العربي الجديد"، إن "الأمانة وجهت شعب البيئة في الدوائر التابعة لها لتنظيم حملات مكافحة للكلاب السائبة والقوارض، بالتعاون مع وزارة الصحة، وحسب الرقعة الجغرافية لكل منطقة، بواقع أربع حملات شهرياً، والفرق تعمل بالتعاون مع جمعية الصيادين العراقيين على الحد من انتشار الكلاب السائبة، ومنع تكاثرها، لا سيما في المناطق القريبة من المناطق السكنية".
وأشار إلى أن "أمانة العاصمة قامت بوضع خطة لحملات مكافحة الكلاب السائبة، تشمل نشر فرق جوالة من الصيادين في الليل والنهار لتتبع أماكنها، وتصفيتها. الحملات انطلقت بعد ورود شكاوى متعددة من الأهالي حول انتشار الكلاب المسعورة، وزيادة عدد ضحايا هجماتها، وخصوصاً من الأطفال".
في المقابل، يصف عضو جمعة حماية الحيوان في بغداد، فراس ماجد، حملات القتل والمكافحة العنيفة للكلاب بأنها أحد الجرائم المتواصلة التي مصدرها الجهل بكيفية التعامل مع الكلاب السائبة، ويوضح لـ"العربي الجديد": "نسمع أحيانا اقتراحات معيبة مثل جمع الكلاب وبيعها للدول الآسيوية التي يأكل أهلها الكلاب، وتحصيل موارد للدولة، وأخرى تتحدث عن حملات قتل جماعية في حين أن هناك أساليب كثيرة للتعامل مع الظاهرة، ونجحت في دول كثيرة من بينها تركيا، وتشمل تلقيح الكلاب، وجمع الخطر منها بمحميات"، مُقدراً وجود "أكثر من ربع مليون كلب سائب، وهذا العدد بازدياد نظرا لقدرة الكلاب على التكاثر أكثر من غيرها".