تراجعت إدارة مدرسة كلية "شميدت" الألمانية في القدس المحتلة الليلة الماضية عن قرارها بإغلاق المدرسة أمام طالباتها، بعد الاحتجاجات التي نظمتها الطالبات على سلوك إحدى المدرسات بمنعهن من رسم خريطة فلسطين، لتعود المدرسة إلى فتح أبوابها أمام الطالبات اعتباراً من صباح اليوم الثلاثاء.
وقبل أيام منعت مدرّسة ألمانية في مدرسة كلية "شميدت للبنات" في القدس المحتلة طالباتها من رسم خريطة فلسطين، ما تسبب بحالة غضب عارمة في أوساط الطالبات وأولياء أمورهنّ الذين وصفوا تصرف المدرّسة الألمانية بالانحياز للاحتلال الإسرائيلي وتبني روايته فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وانتهت مساء أمس الإثنين سلسلة من الاجتماعات خصصت لحل الأزمة الناشئة عن قرار المدرسة الألمانية قرارها بإغلاق أبوابها، حيث أكدت مصادر في لجنة أولياء أمور الطلبة فضلت عدم ذكر اسمها في حديث لـ"العربي الحديد" أن بياناً مشتركاً صدر صباح اليوم عن المشاركين في هذا الاجتماع وهم: إدارة المدرسة، ولجنة أولياء الأمور والممثلية الألمانية، أكد إبرام اتفاق بالتزامن مع فتح المدرسة أبوابها مجددا أمام الطالبات.
ووصف المصدر نتائج اجتماعات أمس والتي بدأت باجتماع ضم القنصل الألماني في رام الله ووزارتي القدس والتربية والتعليم بالإيجابية وفي مصلحة الأهالي والطالبات.
وفيما يتعلق بمصير المعلمة التي تسببت في إثارة هذه القضية علم "العربي الجديد" أن إدارة المدرسة تبحث فيما يمكن أن تتخذه من إجراءات بحقها، وهو ما كان قد طالب به أولياء الأمور باتخاذ إجراءات بحقها وإقالتها من وظيفتها، لدورها الرئيس في تلك الأحداث.
ووفق البيان الصادر صباح اليوم، والذي شمل نتائج حل الأزمة، وصدر عن إدارة المدرسة وممثلي لجنة أولياء الأمور تحت رعاية مكتب الممثل الألماني لدى السلطة الفلسطينية، وممثل عن المعلمين كافة، حيث عبّر أولياء الأمور عن استيائهم، فيما استمعت لهم إدارة المدرسة والحضور بعناية فائقة، اتفق الجميع على أهمية معالجة القضايا المطروحة بجدية تامة.
وأعربت إدارة مدرسة "شميدت" عن أسفها لأسلوب مناقشة الوضع السياسي، واعتذرت عما تسبب ذلك من إيذاء لمشاعر الطالبات والأهل، وأن الجميع سيعمل لتجنب مثل هذه المواقف في المستقبل.
وأكد المجتمعون، وفق ما جاء في البيان، أن المدرسة يجب أن تبقى مكاناً آمناً للطالبات والتعليم، وأن تبقى التجاذبات خارج أسوار المدرسة، مؤكدين أنه بناء على ذلك تتم إعادة فتح المدرسة ابتداء من اليوم الثلاثاء.
وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قد أكّدت في بيان لها أنه "في ضوء التطورات التي حدثت في مدرسة شميدت للبنات في القدس، خلال الأيام الماضية، واستمراراً لمتابعة وزارة التربية والتعليم لهذا الأمر، فقد عقد وزير التربية والتعليم مروان عورتاني، أمس، اجتماعاً مع ممثل حكومة ألمانيا الاتحادية لدى دولة فلسطين كرستيان كلاجز، بحضور وزير شؤون القدس فادي الهدمي؛ لبحث مجريات الأمور، وإيجاد السبل الكفيلة بإعادة فتح المدرسة بأسرع وقت، ومعالجة السبب المباشر لهذه الأزمة في إطار التزام المدرسة بدورها الأكاديمي كإحدى المؤسسات التعليمية المقدسية العريقة، والتي عبرت دوماً عن عمق العلاقة التاريخية بين فلسطين وألمانيا".
وكان زياد الشمالي رئيس اتحاد أولياء أمور الطالبات في كلية شميدت قد أوضح لـ"العربي الجديد" أن "معلمة التاريخ في الكلية حينما دخلت ورأت الطالبات قد رسمن علم وخريطة فلسطين إلى جانب خريطة ألمانيا معلقة بالخلف، فسألتهن المعلمة بابتسامة، (أين إسرائيل على الخريطة؟)، فردت إحدى الطالبات عن أي خريطة تتحدثين؟ خريطة ألمانيا أم خريطة فلسطين؟ فأشارت بيدها إلى خريطة فلسطين، فأجابت الطالبة بأنه لا توجد إسرائيل في خريطة فلسطين، وعلى الفور بدأت المعلمة بالحديث أن هذا الكلام غير صحيح، وأن إسرائيل موجودة بالفعل، وهذه حقيقة، ثم عبّرت المعلمة عن استيائها من الطالبات، وقالت لهنّ: (إنهنّ لم يتعلمن شيئاً من الصف السابع وحتى الآن").
ثم بعد ذلك، فتح نقاش بين الطالبات ومعلمتهنّ، حيث تحدثن عن فلسطين و(إسرائيل) وعن القتل والإبادة التي يتعرضن لها، وعن أطفال غزة والشهداء، وهنا قالت المعلمة: (إن حركة حماس هي منظمة إرهابية، وهي تأخذ الأطفال ذرائع بشرية وتضعهم في مقدمة الـحدث، وأن إسرائيل كانت تدافع عن الشعب الفلسطيني عندما كانت ترد الصواريخ على قطاع غزة، الأمر الذي استفز الطالبات وسألن معلمتهن: عن أي المصادر تأخذين معلوماتك، فأجابت إنها تعتمد على المصادر الإسرائيلية والأخبار الألمانية والإنكليزية)، وفق الشمالي.
الشمالي أكد أن الطالبات رددن على المعلمة الألمانية بالقول: "بالطبع سيكون هذا رأيك، فالمصادر التي تسمعين منها الأخبار هي مصادر كاذبة، فقالت لهنّ: أنتنّ تقلن كذباً".
وأثارت المعلمة الألمانية موضوع الحقيقة والحلم، وقالت للطالبات: "على أرض الواقع إسرائيل موجودة، وإن الخريطة الفلسطينية التي رسمتها الطالبات هي حلمهنّ، وإنه يجب عليهنّ التمييز ببن الحقيقة والخيال!".
عندئذ اشتد النقاش بين المعلمة وطالباتها، فتحدثت إحدى الطالبات عن عمها الشهيد، وأخرى عن هدم بيوت أربع عائلات وتشريدها في الشارع، وبعض الطالبات أجهشن بالبكاء، وتصاعد الموقف بعد قول المعلمة إن فلسطين هي بلاد الشام، أما ما رسمته الطالبات إنما هو خريطة إسرائيل، فثارت الفتيات رافضات لما تقوله، وهنا نعتت المعلمة الطالبات بصغر العقل، وأنهنّ يرفضن التعلم، وأنها يئست منهنّ وسوف تنقل المسألة لمعلمة اللغة الألمانية (وهي المديرة ايفا) لتحاول أن توضح لهنّ الأمور.
وفي تعبير عن مشاعرهن بعد الذي حدث، نظمت الطالبات وقفة في ساحة الكلية رفعن خلالها رسماً لعلم فلسطين، وقد كتب عليه "أبو عبيدة في القلب"، في إشارة إلى الناطق باسم كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة "حماس".
يذكر أن مدرسة شميدت بالقدس تأسست في عام 1886 لخدمة الطالبات الفلسطينيات.