نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، اليوم الجمعة، ورشة عمل حول "الهجرة غير النظامية، أبعادها الاجتماعية وسياقاتها الجيوسياسية". وتأتي هذه الورشة بمناسبة اليوم العالمي للهجرة، الموافق في 18 ديسمبر/ كانون الأول من كل عام، حضرها باحثون مختصّون في المجال الأمني والاجتماعي.
ويقول رئيس المركز التونسي للدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، رفيق عبد السلام، إنّ "الهجرة ظاهرة قديمة متجددة، وقد تكون نسبها ارتفعت بعد الثورة لظروف سياسية واجتماعية. أمّا الفئات المهاجرة فهي متنوعة، سواء من الطبقات المتخرّجة وأيضاً اليد العاملة وغير المؤهلة، وبالتالي هم ليسوا بالضرورة فقراء، ولكن هناك شعوراً حاداً بالفقر والغبن الطبقي، فالعديد من الشباب يضيق بالواقع ويحلم بنمط حياة مختلف وهو ما يحفّز هجرة الشباب".
ولفت عبد السلام إلى أنه "للأسف لا توجد استراتيجية لمعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، والملاحظ أنه في الوقت الذي تُفتح فيه الأبواب للكفاءات والأدمغة فإنها تغلق أمام الفئات غير المؤهلة". وأشار إلى أنّ هناك سياسات دول تتحكم في الهجرة.
وأضاف عبد السلام في تصريح لـ"العربي الجديد " أنّ "ظاهرة الهجرة معقّدة، وهناك عدّة عوامل متداخلة، ومتحرّكة، وبالتالي هي ليست ثابتة. وارتفعت بعد الثورة وتراجعت عام 2017، ولكن لا يجب أن نحمّل الثورة كلّ المشاكل".
ويرى، مهدي مبروك، مدير المركز العربي بتونس، أنّه في اليوم العالمي للهجرة، "لا بد من العودة إلى أبعاد الهجرة الجيوسياسية والثقافية". وأضاف أنّ هناك مسؤولية أخلاقية لحماية المهاجرين، ولا بد من إعادة تنقيح القوانين، منها قانون 3 فيفري 2003 (3 فبراير/شباط 2004)، بما يتلاءم والمعايير الدولية، وإمضاء اتفاقيات جديدة وتحسين مراكز إيواء المهاجرين الأفارقة بتونس.
وأضاف أنّ هجر الأدمغة لا يعني بالضرورة نزيف أدمغة، فالفرص في التشغيل في القطاع العام غير متوفرة دائماً، ولا بد من الاستفادة من هذه الكفاءات والاستثمار في الرأس المال البشري.
وقال الخبير الأمني، هشام المؤدب، إنّ وجهة المهاجرين من أفريقيا ليست دائماً أوروبا، بل هناك هجرة أيضاً إلى شمال القارة الأميركية وكندا وبلدان الخليج، وأستراليا، كما هناك هجرة من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهي هجرة مسكوت عنها.
وأضاف المؤدب أنّ هذه الفئة لا تُقلق الاتحاد الأوروبي رغم أنه يخرج منها سنوياً حوالي مليونين ونصف مهاجر، في حين أنّ عدد المهاجرين إليهم يُعتبر ضئيلاً جداً.
ولفت إلى أنّ تقريراً صدر في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، أثبت أنّ "الاتحاد الأوروبي يعاني نقصاً في اليد العاملة المختصّة بنحو 3 مرات، وهذه من المفارقات، كما أنّ أكثر الجنسيات التي هاجرت إلى فرنسا على مدى 150 عاماً، هم الإيطاليون والإسبان وليس الأفارقة، ما يدحض العديد من الادعاءات بخصوص الهجرة".
ويشير إلى أنّ "رومانيا تتصدّر قائمة البلدان التي يُغادر منها المهاجرون إلى إيطاليا، بمليون مهاجر، ثم ألبانيا والمغرب والصين والفيليبين والهند ومصر، في حين أنّ تونس غير موجودة في الإحصائيات لأنها عدد المهاجرين منها لا يُقارن ببقية الوافدين، وبالتالي فالتساؤل المطروح هو لماذا كلّ هذا القلق من المهاجرين التونسيين؟ وما خفايا الضغط السياسي على تونس؟".
وأكّد المؤدب أنّه "يوجد في تونس حوالي 6 آلاف حامل للسلاح يحرسون الحدود، بالإضافة إلى 3 آلاف عون آخرين يعاضدون تلك الجهود، وبالتالي توفّر تونس كماً هائلاً من الرصيد البشري والإمكانيات لحماية الحدود، وتواجه صعوبات لتأمين هذه النفقات، لأنها تحرس أوروبا والحدود الأفريقية، في الوقت الذي يجب أن تدفع فيه أوروبا نفقات مالية لحماية الشواطئ وحراستها".
وأشار إلى أنّ "الهجمة ذات أبعاد سياسية، حيث هاجر هذا العام بطريقة سرية بين 12 ألفاً و12.500 تونسي، لكن هذه الأرقام غير مهمة مقارنة بـ 400 مليون أوروبي".
وقال المؤدب في تصريح لـ"العربي الجديد" إنّ العديد من الضغوطات السياسية تمارس على تونس لحماية الاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا. وفي الحقيقة ليست الهجرة هي التي تُقلق الأوروبيين، إذ هم متخوفون من الإرهاب، مشيراً إلى أنّه لا بد من مراجعات والمعاملة بالمثل.
من جهته، يؤكّد الباحث في مجال الهجرة، حلمي التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه لا يجب النظر إلى الجوانب السلبية فقط للهجرة، فهناك جوانب إيجابية لها أيضاً، سواء للدول التي تستقبل المهاجرين أو تلك التي يُغادرونها. وأكّد أنّ التعامل مع الظاهرة يجب أن يكون وفق الاتفاقيات الدولية التي يجب على كلّ بلد احترامها، داعياً المتعاملين وكافة المتدخلين إلى دراسة النصوص والقوانين، سواء فيما يتعلق بالأجانب القادمين إلى تونس أو الذين غادروها إلى أوروبا، بعيداً عن المعالجات الأمنية.
ويرى الباحث بمركز الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بتونس، علي عبد الله، أنّ "ملف الهجرة معقد جداً، فهو مرتبط بسياسات دول. وهذا التيار الجارف عادة يناقش كملف ولكن الهجرة أصبحت هجرات، وحتى تعريف المهاجر متعدّد، والهوية أصبحت معقدة، وعادة ما نتحدث عن البلد المضيف ويتم التغاضي أو التشديد على الموضوع بحسب الحاجة".
وأضاف أنّ "التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس كبيرة، وشهدت الهجرة عدّة تغييرات منذ السبعينيات إلى اليوم، ففي السابق كان هناك طلب على المهاجرين بسبب نقص اليد العاملة، ثم حصل مؤخراً ضغط على المهاجرين بسبب تغيّر السياسات والعوامل كثيرة ومتناقضة، وتمّ غلق الباب على الهجرة غير المؤهلة وطلب الكفاءات بل تحفيزها، بسبب الحاجات الاجتماعية لها".