تشهد معظم المناطق في أفغانستان موجات برد قاسية، ووصلت في بعض المناطق إلى 30 درجة تحت الصفر، وسط انقطاع التيار الكهربائي منذ أكثر من أسبوع، ما يحرم كثيرين من وسائل التدفئة. ولم تعلن حركة طالبان حتى الآن عن أية تدابير لتأمين التيار الكهربائي، أو عن خطة للحد من سقوط الضحايا من جراء البرد، باستثناء إرسال بعض المساعدات إلى المناطق المتضررة، في ظل تفشي الأمراض الموسمية الناجمة عن البرد الشديد.
وتتباين أرقام الضحايا، فبينما أعلنت وزارة مواجهة الكوارث والأزمات، في بيان أصدرته قبل أيام، أن 107 أشخاص لقوا حتفهم من جراء البرد، و20 آخرين قضوا بسبب الإصابة بأمراض في بعض مناطق ولاية بدخشان (شمال شرق البلاد)، أكدت مصادر قبلية أن عدد الوفيات أكبر بكثير. ويصعب الوصول إلى بعض المناطق كون الطرقات مغلقة، وخصوصاً في الولايات الشمالية التي شهدت تساقطاً كبيراً للثلوج، وما زالت.
يقول الرئيس العام للشؤون المالية والإدارية بوزارة مواجهة الكوارث والأزمات، المولوي عبد الرحمن زاهد، لـ "العربي الجديد": "مع الأسف، وبسبب البرد، قضى أكثر من 100 شخص حتى الآن، وذلك في 15 ولاية، وهي تخار، وبدخشان، ونيمروز، وقندهار، ولغمان، وبكتيكا، وسمنغان، وهرات، وغزني، وأروزجان، وسربل، وجوزجان، وباميان، وبلخ، وفارياب. كما دمرت عشرات المنازل ونفق 70 ألف من رؤوس الماشية".
ويؤكد زاهد أن الوزارة، وبالتنسيق مع المؤسسات الإغاثية، عملت على إيصال المساعدات إلى أكثر من 40 ألف شخص، مؤكداً أنه في بعض المناطق بولاية بدخشان، تتفشى الأمراض الموسمية، ما أدى إلى موت 20 شخصاً، لافتاً إلى أن معظم المتوفين هم من النساء والأطفال ورعاة الماشية، وخصوصاً في المناطق النائية. ويطالب المؤسسات الدولية بالعمل أكثر على إيصال المساعدات إلى المتضررين، وخصوصاً أن توقعات الأرصاد الجوية تشير إلى تساقط المزيد من الثلوج.
من جهته، قال المتحدث باسم الهلال الأحمر الأفغاني عرفان الله شرف زوي، في بيان يوم الإثنين الماضي، إن المنظمة تواصل أعمال الإغاثة في مختلف المناطق المتضررة من جراء البرد القارس، وتوزع البطانيات والملابس. كما أن فرق الأطباء الجوالة التابعة لها وعددها 97 فرقة، تعمل على مدار الساعة في مختلف مناطق البلاد لتقديم العلاج والرعاية الصحية للمرضى وسط المتضررين من جراء البرد القاسي، مؤكداً أن الفرق قد تقدم الرعاية الصحية في المنطقة ذاتها، وفي حالات شديدة يتم تحويل وإيصال المرضى إلى مستشفيات رئيسية في المنطقة.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع الأفغانية أنها ساهمت من خلال استخدام المروحيات في إنقاذ المحاصرين في الثلوج، وخصوصاً في المناطق الشمالية، وتحديداً على الطريق الرئيسي بين الولايات الشمالية وبين العاصمة كابول، المعروف بطريق سالنغ. وقالت في بيان أصدرته مؤخراً إنها أنقذت من خلال العمليات عشرات السيارات العالقة وسط الثلوج في ولاية بروان وبدخشان الشمالية.
خسائر غير معلنة
يتابع أكرم أنّ الأضرار كثيرة، وخصوصاً في المناطق النائية والبعيدة التي لم تصل إليها فرق الإغاثة، ولا يمكن أن تصل في الوقت الحالي بسبب التضاريس الوعرة، وعدم وجود مواصلات، متهماً الحكومة بأنها لم تفعل شيئاً، وأن المساعدات وزعت في عدد من المدن، ولم تصل إلى الأرياف والقرى البعيدة. يقول: "لم تصل إلينا مساعدات ولا فرق طبية. وتواجه البلاد كارثة إنسانية"، مؤكداً أن عدد القتلى أكثر مما يذكر في وسائل الإعلام والإحصائيات الرسمية.
بدوره، يؤكد وزير مواجهة الكوارث والأزمات في حكومة طالبان الملا عباس أخوند، في حديث لـ "بي بي سي" البشتونية، أن "تساقط الثلوج الكثيف منعنا من الوصول إلى المناطق الجبلية الوعرة. وحاولت القوات المسلحة الوصول إليها عبر المروحيات لإغاثتها، إلا أن سوء الأحوال الجوية حال دون ذلك". ويوضح أن عدد الضحايا وصل إلى أكثر من 150 بحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الحكومات المحلية، لافتاً إلى تحسن الأحوال الجوية في الأيام المقبلة "لكن مع الأسف، يبدو أن عدد الضحايا أكبر وستتضح الأمور في الأيام المقبلة".
غياب وسائل التدفئة
ليست موجة البرد القارس وحدها التي تفتك بأبناء الشعب الأفغاني هذا العام بل يرافقها الفقر المستشري والبطالة المنتشرة في كل مكان، خصوصاً بعد سيطرة "طالبان" على كابول في عام 2021، حيث أغلقت الكثير من الإدارات، وتفشت البطالة بعدما انهارت مؤسسات الدولة، على رأسها الجيش والشرطة، بالإضافة إلى المؤسسات التي تعنى بشؤون النساء، كوزارة الشؤون النسائية، ولجنة حقوق الإنسان، عدا عن إغلاق المؤسسات الدولية بسبب عدم الاعتراف الدولي بحكومة "طالبان".
في هذا الإطار، يقول مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في تقرير صدر يوم الاثنين الماضي، إن "انهيار الحكومة السابقة أدى إلى تعليق المساعدة الإنمائية الدولية المباشرة، التي كانت تمثل 75 في المائة من الإنفاق العام، بما في ذلك صيانة نظام الرعاية الصحية. وفي ظل غياب الإنماء، يعاني الشعب الأفغاني وتزداد الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد".
وبحسب التقرير، سيحتاج 28.3 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة من أجل البقاء والعيش، في حين تعاني أفغانستان منذ ثلاثة أعوام من الجفاف الحاد، علاوة على التدهور الاقتصادي منذ عامين، في ظل الكوارث الطبيعية، ما يجعل المواطن الأفغاني عاجزاً عن تأمين احتياجات الحياة الأساسية.
انقطاع الكهرباء
منذ أكثر من أسبوع، انقطع التيار الكهرباء بشكل كامل في معظم المناطق الأفغانية، علماً أن المواطنين يعتمدون على الكهرباء لتشغيل وسائل التدفئة، ولا يستطيعون تأمين بدائل من جراء الفقر والبطالة. ويرتبط انقطاع الكهرباء بتوقف أوزبكستان عن مد أفغانستان بالكهرباء وسط صمت حكومي. وقبل أيام، أعلن وزير الخارجية الملا أمير خان متقي، أن ما قامت به أوزبكستان أمر غير لائق، مطالباً إياها بإيصال التيار الكهربائي في هذه المرحلة العصيبة، إذ يعاني المواطنون من جراء البرد القارس.
وفي النتيجة، يدفع المواطن الأفغاني الثمن. يقول الناشط محمد نصير أميري، لـ "العربي الجديد": "هذا العام هو عام الألم والوجع بالنسبة للشعب الأفغاني، الذي يعاني من كل أنواع البؤس والحرمان. وزاد من المعاناة انقطاع التيار الكهربائي. كما أن المنازل تفتقر إلى مياه الشرب". وينتقد حكومة طالبان التي فشلت في تخفيف المعاناة عن الشعب.
وبحسب بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان ومصادر حكومية، فإن 97 في المائة من سكان أفغانستان يعيشون تحت خط الفقر، في حين وصل عدد النازحين بسبب الفيضانات والزلازل الأخيرة إلى 3 ملايين نازح في عموم البلاد.