بهيجة كومي... مغربية قاومت اللوكيميا بالأمل

04 فبراير 2023
عاهدت نفسها على توفير العلاج والأدوية للمرضى المعوزين (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تكن تجربة الإصابة بسرطان الدم بالنسبة للكاتبة والناشطة المغربية بهيجة كومي سهلة. فالإعلان عن المرض كان بمثابة "شهادة وفاة" بالنسبة إليها، خصوصاً أنها أصيبت به وهي حامل بابنها الثالث. من عمق الألم، بدأت رحلة المقاومة، وأثمرت جمعية "أمل لمرضى اللوكيميا" التي دعمت المرضى وساهمت في تخفيف العبء عنهم.
أصيبت بهيجة كومي (53 سنة)، وهي ابنة مدينة تازة (شمال شرق)، باللوكيميا النخاعية المزمنة، وهي نوع غير شائع من سرطانات نخاع العظم، في إبريل/ نيسان 2002. كانت تنتظر طمأنة طبيبتها بشأن حالة الإعياء التي كانت تصيبها، لتخبرها أنها مصابة باللوكيميا، وأن أيامها باتت معدودة.
تقول: "كان الخبر بمثابة توقيع شهادة وفاتي. كان قد بقي أسبوع على موعد ولادتي. عندها توقف الزمن بي. لو سمعت هذه الكلمة من قبل، لظننتها جزيرة نائية يصعب عليّ إيجادها على الخريطة. لم أتقبل المرض في بداية الأمر، ولازمتني فكرة ارتباطه الوثيق بالأجل القريب، فأقمت حداداً على نفسي، وعشت أياماً من التعب والإرهاق الجسدي والنفسي، ضاعفها كوني أمّاً لطفلين (7 و3 سنوات). وما إن عرف ابني أنني مصابة بأحد أنواع سرطانات الدم، حتى انهار باكياً. بعدها، غادرت البيت إلى مستشفى السويسي بالعاصمة الرباط، حيث قضيت 42 يوماً. كان شريط حياتي يمر أمامي، ولم أجد ملاذاً سوى دعوة صادقة رفعتها إلى الله ليمدّني بالقوة على التحمل والصمود، ويبعث في قلبي الطمأنينة والرضا بقضائه وقدره، وهذا ما حصل".
خضعت كومي لمجموعة من الاختبارات الطبية وجلسات العلاج، وساعدها وعيها بمرضها وبحثها المتواصل عن آفاق للعلاج في إحراز خطوة إلى الأمام تتعلق ببدء دواء يستهدف الخلايا السرطانية، وكانت من أوائل مرضى اللوكيميا الذين عولجوا به. تقول: "استغرقت موافقة الجهات الصحية المختصة على جلب الدواء من الخارج وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً إذ لم يكن متوفراً في البلاد. وعلى مدى ثلاث سنوات، اضطررت إلى استقدامه من فرنسا".
التزمت كومي بالعلاج طوال 9 سنوات. تقول لـ "العربي الجديد"، إن هذا الدواء يستهدف الخلية السرطانية المريضة مباشرة ويدمرها، كما يمنع تكاثر الخلايا السرطانية في الجسم. كنت حريصة على متابعة وضعي الصحي باستمرار، وألزمت نفسي بالانضباط في تطبيق خطة العلاج، والحمية الغذائية، والفحوص والتحاليل الدورية".
واستناداً إلى التحاليل والفحوص التي أظهرت استجابة للعلاج، ناقشت كومي مع طبيبتها المعالجة إمكانية إيقاف الدواء، وكانت أول مصابة مغربية باللوكيميا تتوقف عن أخذ الدواء في عام 2011، مشيرة إلى أن وجودها في "المساحة الآمنة" لم يمنعها من الحرص على متابعة حالتها الصحية، وإجراء الفحوص دورياً.

بهيجة كومي برفقة مرضى في دار الأمل (العربي الجديد)
من داخل جمعية بهيجة كومي ومشروعها "دار الأمل" (العربي الجديد)

توضح: "بالنسبة إلى مريض السرطان، لا يمكن الحديث عن شفاء تام، بل ما يطلق عليه الأطباء حالة هدوء، أي الفترة التي تغيب فيها الأعراض أو تكاد تختفي. أشعر بالرضا وتقبل تجربة المرض في ظل الاستجابة العميقة والمتواصلة للعلاج، على الرغم من التحديات الكثيرة التي واجهتها، ومن بينها مركزية العلاج، وتحمل مشقة السفر من مراكش إلى كل من الدار البيضاء والرباط لمتابعة العلاج، بالإضافة إلى تعقد الإجراءات الإدارية لاقتناء الدواء من الخارج، ومشكلة التغطية الصحية، عدا عن الكلفة المرتفعة". 

تصف كومي تجربة المرض بأنها مدرسة مُلهمة مكّنتها من تعلم الكثير من الدروس، وفتحت عينيها على معاناة شريحة واسعة من مرضى السرطان، ومن هنا جاءت فكرة تأسيسها جمعية "أمل لمرضى اللوكيميا" عام 2011. وتوضح: "كان همي عامة مريض السرطان، وبشكل خاص النساء القادمات من القرى البعيدة، فضلاً عن الأطفال الذين يحاطون بالخوف والإحباط حين يمرضون".


عاهدت نفسي من خلال هذه الجمعية على توفير العلاج والأدوية للمرضى المعوزين، والتعريف بمرض السرطان والعلاجات المتوفرة وسبل الوقاية وتوعية المرضى وأهلهم، وكذلك تحسيس المجتمع بالمعاناة المعنوية والنفسية والمادية التي يعانيها المرضى، إلى جانب تقديم الدعم والمواكبة النفسية في هذا الصدد، فضلاً عن محاربة الشائعات والمعلومات المغلوطة عن داء اللوكيميا المزمن.
حازت جمعية أمل لمرضى اللوكيميا على جائزة أفضل مشاركة في ألمانيا عام 2012، وجنوب أفريقيا عام 2013. كما حصلت على الجائزة الأولى وطنياً للمجتمع المدني من قبل الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني عام 2017.

ضمن فعاليات المؤتمر العالمي "آفاق اللوكيميا" بمراكش (العربي الجديد)
مشاركتها في فعاليات مؤتمر "آفاق اللوكيميا" بمراكش (العربي الجديد)

واستمراراً لجهود دعم المرضى، أنشأت كومي في سبتمبر/ أيلول 2022 داراً لإيواء مرضى السرطان وأهلهم القاطنين بعيداً عن مراكز الاستشفاء، وحصلت جمعيتها على المرتبة الأولى عن مشروعها ضمن فعاليات الدورة العشرين للمؤتمر العالمي "آفاق اللوكيميا" 2022 Horizons CML، والذي أقيم للمرة الأولى في المغرب، وتحديداً في مدينة مراكش، وتنظمه "منظمة مرضى اللوكيميا" المتواجدة بسويسرا والتي تضم 128 منظمة خاصة برعاية مرضى سرطان الدم، والموجودة في 93 دولة. 
تقول: "طوال 20 عاماً، كان هذا المؤتمر ينظم في أوروبا. وهذه المرة الأولى التي يقام فيها في بلدي المغرب ومدينة إقامتي مراكش على شرفي، فكان بمثابة انتصار للمريض العربي والأفريقي كوني أمثل أفريقيا والشرق الأوسط في المنظمة، وقد حازت الجمعية على هذه الرتبة نظير مشروعها دار الأمل الذي تكفل بـ 30 أسرة، ويسعى لصون كرامة المريض وتوفير العلاج والإيواء والدعم النفسي للمرضى، مع السعي إلى تعميم هذا المشروع على كافة مدن المغرب. فكما توجد دار الطالب ودار الناخب، يحتاج المريض إلى دار للتداوي ومتابعة وضعه الصحي، وسد فجوات عدم المساواة في العلاج".

يحتفل العالم في 4 فبراير/ شباط من كل عام باليوم العالمي للسرطان، بينما يخصص 22 سبتمبر/ أيلول للاحتفال باليوم العالمي للوكيميا النقوية المزمنة، بهدف زيادة الوعي واتخاذ الإجراءات اللازمة للتوعية بالسرطان والوقاية منه. 

صحة
التحديثات الحية

كانت إصابة كومي دافعاً قوياً بالنسبة إليها للعودة إلى عشق الطفولة، أي الكتابة والشعر. تقول: "الكتابة خلاص وعلاج من نوع آخر. ساعدتني على تخطي الألم وتجاوز المرض. كان لهذه التجربة جانب إيجابي أحيا صداقتي للكتب وعشق الكلمة". تضيف: "من عمق الألم ولد الأمل، وفي غفلة مني، تسربت العدوى وأصبح الحبر من دمي، حبراً يتألم، يكتب، ينتقد ويهلوس مثلي تحت تأثير اللوكيميا"، تقول في ديوانها الشعري "سرطان الحبر".
وثقت كومي تجربتها الإنسانية في مؤلفات عدة، ضمنتها ما استخلصته من عبر ودروس على مدار هذه التجربة. عام 2008، أصدرت كتاب "آلام من أجل الحياة" باللغة الفرنسية، ثم ديوان شعر باللغة العربية حمل اسم "سرطان الحبر" عام 2012، ثم "أخاف أن أشفى" باللغة الفرنسية عام 2014، وديوان شعر "جنون الكروموسوم" باللغة العربية عام 2020. كما كتبت مقالات عدة لمساندة مرضى السرطان ودعم الأسر والعمل على تلبية احتياجات المرضى من أجل رعاية شاملة وعادلة للجميع.

خلال تتويج جمعية بهيجة كومي عن مشروعها دار الأمل (العربي الجديد)
أسست "دار الأمل" لدعم ومساندة مرضى السرطان (العربي الجديد)