تأجير الأرحام... فقيرات إيران ينقذن العاجزين عن الإنجاب

24 سبتمبر 2021
معايير تأجير الرحم في إيران معقدة جداً (مرتضى نيكوبازل/ Getty)
+ الخط -

"بعد أعوام من التنقّل بين مراكز علاج العقم، اكتشفنا عجزنا عن الإنجاب. أنا أعاني من مرض في الرحم يمنعني من الحمل. تابعت علاجاً على مدى عشرين سنة، غير أنّه لم ينفع". بهذا تبدأ فريدة، وهي امرأة إيرانية من طهران في الأربعينيات من عمرها، حديثها إلى "العربي الجديد". تضيف أنّ صديقة لها أشارت إلى حلّ يعتمده أكثر فأكثر أزواج يئسوا من إمكانية الإنجاب، وهو عملية استئجار رحم. وتقول فريدة: "في بادئ الأمر وعلى مدى عامَين، رفضت أنا وزوجي المقترح رفضاً قاطعاً. كيف لامرأة أخرى أن تحمل أطفالي وتلدهم؟". وتتابع: "لكنّ زوجي عاد وأقنعني بالأمر قبل أشهر عدّة. هو حريص عليّ وعلى حياتنا الزوجية والحبّ بيننا بعد أكثر من عشرين عاماً من الزواج لا مثيل له"، لافتة إلى أنّ "ثمّة رجالاً يطلّقون زوجاتهم بمجرّد وجود مشكلة لديها تمنعها من الإنجاب".
وفي مقابل حرمان فريدة على الإنجاب، قاد ضغط الفقر مريم الثلاثينية إلى تأجير رحمها للحصول على المال. هكذا تساعد زوجها وعائلته من جهة، ومن الجهة الأخرى تساعد أسرة أخرى لتحقيق أمنيتها في إدخال أطفال إلى حياتها. وتقول لـ"العربي الجديد" وهي حامل في شهرها الخامس إنّ "هذه هي المرّة الثالثة التي أحمل فيها لأسر تعجز عن الإنجاب وتحلم في احتضان طفل". وتشير مريم إلى أنّها تقاضت "نحو أربعة آلاف دولار أميركي في مقابل حمل جنين زوجين لمدّة تسعة أشهر، بعدما كانت الزوجة قد فقدت رحمها بسبب إصابتها بالسرطان". يُذكر أنّ "العربي الجديد" تعرّفت إلى مريم من خلال وسيط ينسّق ما بين النساء المستعدّات لتأجير أرحامهنّ والأسر غير القادرة على الإنجاب.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وتوضح مريم أنّ معايير تأجير الرحم في إيران "معقّدة جداً وليست النساء جميعاً قادرات على القيام بذلك. فالأمر يتطلب أن تكون قد أنجبت في السابق طفلاً واحداً على أقلّ تقدير بصحة جيدة، وأن تتمتّع هي بصحة جيدة. ويتوجّب عليها أن تخضع إلى فحوص عدّة تؤكّد سلامتها الجسدية والنفسية"، مشيرة إلى أنّ "كوني صاحبة قلب قوي، فقد ساعدني ذلك في تجاوز تداعيات تأجير رحمي". وتتحدّث مريم عن صديقة لها أجّرت رحمها، لكنّها أصيبت بعد الولادة باكتئاب شديد رافقها أربعة أعوام، لذا رفضت بعد ذلك تأجير رحمها. وتلفت إلى أنّه "يُمنع على المرأة المعنية أن تلقي مجرّد نظرة على الطفل بعد عملية الولادة، ويُسلّم سريعاً إلى والدَيه البيولوجيَّين".

شروط وضوابط
معهد "رويان" الطبي لعلاج العقم واحد من المراكز المتخصصة بعمليات التلقيح الصناعي في هذا السياق. وقد حدّد المعهد "شروطاً وضوابط معقدة لعملية تأجير الرحم"، بحسب ما يشدد الطبيب أحمد وثوق وهو نائب رئيس المعهد لشؤون علاج العقم والخدمات التخصصية. يضيف وثوق لـ"العربي الجديد" أنّ "من هذه الشروط أن تكون الزوجة تعاني من مشكلة خلقية في الرحم، أو استُئصل رحمها بسب السرطان أو حادثة ما، أو هو مصاب بمرض يمنعها من الحمل. ومن الشروط كذلك أن يكون رحمها سليماً لكنّها مصابة بأمراض قلبية مثلاً، وبالتالي لا يمكنها بتاتاً الحمل والولادة نظراً إلى المخاطر التي تهدد حياتها من جرّاء ذلك".  
ويتابع وثوق أنّه "يُشترط كذلك أن تكون لصاحبة الرحم البديل تجربة موفقة في إنجاب طفل سليم من الناحية الصحية، وتكون متزوجة ويوافق زوجها على تأجير رحمها ويوقّع هو كذلك على الاتفاقية بين صاحبة الرحم والزوجَين الراغبَين بطفل. وتُضاف إلى ذلك معايير اجتماعية وأخلاقية ونفسية من قبيل صحة نفسية جيدة وعدم الإدمان". ويشير وثوق إلى أنّ "المعهد يحظر تأجير أرحام الأرامل والمطلقات، إذ من شأن ذلك أن يثير شبهات حولهنّ في المجتمع. ونحن لا نريد أن يتعرّضنَ إلى ضغوط مجتمعية". لكنّ "العربي الجديد" رصدت كذلك مراكز طبية أخرى لا تعتمد هذا الشرط وتوافق على تأجير أرامل ومطلقات أرحامهنّ.
ويصف وثوق "الرحم البديل" لحل مشكلة أزواج في الإنجاب بأنّه "عمل إنساني"، لافتاً إلى أنّ "اختيار الأرحام البديلة يتمّ بطريقتَين، إمّا أن يرشحهنّ الأزواج غير القادرين على الإنجاب، وتكون المرأة المعنية من أقارب الزوجَين أو معارفهما أو غير ذلك، وإمّا أن يرشح معهد رويان أرحاماً لهؤلاء الأزواج فيختارون بينها". ويشرح وثوق أنّ "ثمّة أربعاً وخمسين عملية إنجاب عبر الرحم البديل تتمّ سنوياً في معهد رويان الذي يُعَدّ أكبر مركز لعلاج العقم في إيران".

والدان وطفلة رضيعة في إيران (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
الوالدان البيولوجيان هما الحقيقيان للطفل بحسب نصّ الاتفاقية (فاطمة بهرامي/ الأناضول)

غياب للقوانين
ولا يتوفّر أيّ قانون خاص بتأجير الرحم أو بالرحم البديل في إيران، بحسب ما يقول القاضي الإيراني محمد رضا رضانيا معلم لـ"العربي الجديد". يضيف أنّ "غياب القوانين لا يمنع تأجير الأرحام، فالدستور الإيراني في مادته 167 حلّ ذلك، فهي تنصّ على أن ضرورة الاعتماد على مصادر إسلامية موثوقة وفتاوى معتمدة في غياب النص القانوني". ويشرح رضانيا معلم مؤلف كتاب "الإخصابات الطبية: رؤية فقهية وحقوقية" أنّ تأجير الرحم في إيران يستند إلى فتاوى بعض رجال الدين المجيزين له بضوابط شرعية، في مقدمتهم المرجع الديني المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، مشيراً إلى "آراء مختلفة بين رجال القانون والفقهاء الإيرانيين حول الأمر بين موافق ومعارض. لكن ما يسري في نهاية المطاف في هذا الشأن والشؤون الخلافية الأخرى هو فتاوى قائد الثورة الإسلامية لمكانته الدستورية باعتباره الولي الفقيه".
وفي السياق الفقهي القانوني، يشير رضانيا معلم إلى "خلافات بين رجال الدين الشيعة حول هوية أمّ الطفل المولود عبر الرحم البديل، وإذا ما كانت هي المرأة التي تعود لها البويضة أو المرأة التي تحملها وتلدها، والفقهاء بمعظمهم يعدّون أنّ الأمّ البيولوجية هي أمّ الطفل. لكنّ الاتفاقية التي تُعقد بين صاحبَي الجنين وصاحبة الرحم البديل حسمت الخلاف، إذ تنصّ على أنّ الوالدَين البيولوجيَّين هما الوالدان الحقيقيان للطفل". ويتابع رضانيا معلم أنّ الاتفاقية تنصّ على "وجوب تسليم الطفل إلى والدَيه البيولوجيَّين بعد الولادة من دون أن تراه المرأة التي تلده"، مشيراً إلى أنّ "هذا التصرّف ربما يُعَدّ سلوكاً ظالماً من الناحية العاطفية". ويكمل أنّه "بمجرّد إتمام عملية الولادة، تتسلّم المرأة التي أجّرت رحمها أُجرتها، وتنتهي هنا العلاقة بينها وبين الأسرة المستأجرة".

والدان وطفلة في إيران (فاطمة بهرامي/ الأناضول)
حققا حلمهما في تأسيس عائلة (فاطمة بهرامي/ الأناضول)

وعن الحقوق الثنائية للطرفَين الموقّعين على العقد، يوضح رضانيا معلم أنّ "الوالدَين البيولوجيَّين يتكفّلان بحسب الاتفاقية بكلّ النفقات في خلال مدّة الحمل، منها نفقات نقل الجنين إلى الرحم المستأجر والفحوص الطبية اللازمة، فضلاً عن تأمين نفقات المرأة الحامل من مأكل وغير ذلك. أمّا صاحبة الرحم البديل، فتتعهد بجملة التزامات بموجب العقد، وربما تختلف هذه التعهدات من عقد إلى آخر، فهي بالأساس تعود إلى اتفاق بين الطرفَين. ومن تعهدات صاحبة الرحم البديل أنّها تتعهّد بعدم الإجهاض والالتزام بالتعليمات الطبية والصحية، من قبيل عدم التدخين وتناول الخمر".
ولا يخلو تأجير الرحم في إيران من إشكالات قانونية، ويشرح رضانيا معلم أنّه "في ضوء عدم توفّر قانون ينظّم الوضع بكلّ جوانبه ويحدّد تعهدات الطرفَين بتفاصيلها، ثمّة تساؤلات وإشكالات قانونية تبقى مطروحة من دون إجابة قانونية"، مشيراً في هذا السياق إلى "أمراض قد تصاب بها صاحبة الرحم البديل في أثناء الحمل. فإذا كانت هذه الأمراض تتهدّد حياة الحامل، ثمّة تساؤلات تُطرح عمّا إذا كان في إمكانها أن تجهض. كذلك إذا كان الجنين يعاني من تشوّهات أو عيوب وأراد ذووه إجهاضه فيما تعارض المرأة الحامل ذلك لأيّ سبب كان، فما هو الحل؟".

قضايا وناس
التحديثات الحية

ومن الإشكالات القانونية كذلك، يتحدّث رضانيا معلم عن "الهوية التي تدخل بها المرأة الحامل إلى المستشفى لوضع ولدها. فإذا دخلت باسم المرأة صاحبة البويضة، فذلك يُعَدّ مخالفة قانونية بسبب تزوير الهوية، ولها عقوبتها. وإذا سجّلت نفسها باسمها، فسوف تُسجّل في أوراق هويّة الطفل المولود كأمّه وتواجه بالتالي عائلته البيولوجية معضلة عند استصدار الهوية من إدارة السجل المدني". وفي هذا السياق، تخبر مريم أنّها دخلت إلى المستشفى باسم أمّ الطفل البيولوجية، مشيرة إلى أنّ "النساء اللواتي يؤجّرن أرحامهنّ يفعلنَ ذلك، علماً أنّه عند مراجعة المستشفيات، لا تُطلب من المراجعين الأوراق الثبوتية".

المساهمون