"يسبحان عكس التيار". هذه حال الزوجين الإيرانيين محمد رضا خاكي وفاطمة مؤمني اللذين كسرا كل الحواجز الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في بلدهما، وتبنيا 4 أولاد معوقين ومرضى، في وقت باتت أسر كثيرة، وبعضها ميسور الحال، تلجأ إلى خيار إنجاب عدد قليل من الأطفال، أو الاكتفاء بطفل واحد أو اثنين كحد أقصى لتفادي التأثيرات السلبية للأوضاع المعيشية الصعبة.
تقول فاطمة مؤمني (37 عاماً) لـ"العربي الجديد": "قررت مع زوجي محمد رضا تبني أطفال بسبب عدم قدرتنا على الإنجاب، ونتطلع إلى تشكيل عائلة كبيرة تضم أطفالاً كثيرين، علماً أننا باشرنا إجراءات إدارية وقانونية لتبني طفل خامس".
ويعاني أحد أولاد فاطمة ومحمد رضا بالتبني من إعاقة في الأصابع، والباقون من تأخر في النمو. ووُجِدوا جميعهم في مراكز ودور لحضانة الأطفال قبل أن ينتقلوا إلى بيت والديهم الجديدين. وقد أجريت عملية جراحية للطفل المصاب بإعاقة في اليد، في حين يحتاج الثلاثة الآخرون إلى علاج مستمر. وكان عمر طاها، الابن الأول للعائلة، 4 أشهر عندما تبنته فاطمة ومحمد رضا قبل 10 سنوات، ثم تبنيا الطفلة ضحى قبل أن تكمل العامين، وهي اليوم في السابعة من العمر، وبعدها تولا التي تبلغ عامين ونصف العام اليوم، ثم حسنى التي بلغت ربيعها الخامس.
وليس تبني الأولاد في إيران أمراً سهلاً، إذ يحتاج إلى اتباع عملية قانونية معقدة والخضوع لشروط ومتطلبات كثيرة. واستغرقت عمليات تبني عائلة مؤمني الأطفال الأربعة عامين.
تروي فاطمة أن علاقة حميمة تجمع بين الأولاد الأربعة، "فهم إخوة وأخوات توجد أيضاً خلافات بينهم مثل غيرهم، والأهم أننا لا نواجه مشاكل خاصة في تربيتهم". وتؤكد أن "الأولاد أمانة سواء أنجبهم الوالدان أو جرى تبنيهم، وهم حلاوة الحياة ونحن نهتم بهم كأنهم أولادنا الطبيعيون، ونرى أنهم أولادناً حقاً، نحبهم ويحبوننا وتجمعنا معهم علاقة حميمة طبيعية بين الوالدين والأولاد. وأنا أناشد كل الأسر الإيرانية، سواء تلك التي تنجب أو غير القادرة على ذلك، أن تتبنى أطفالاً".
وتتراوح نسبة العقم بين الأزواج الإيرانيين بين 15 و20 في المائة. ويقول خبراء طبيون إن "أقل من 5 في المائة منهم سيحتاجون إلى تلقي بويضات مخصّبة في رحم آخرين، وهو ما يعارضه كُثر أيضاً. وفي نهاية المطاف، إن نسبة ضئيلة جداً من الأزواج ترفض حل الإنجاب عبر أجنة أخرى، ما يدفع كُثرا إلى البحث عن طرق أخرى مثل تبني الأطفال".
من جهته، يعمل زوج فاطمة، محمد رضا خاكي، موظفاً في مدينة إسلام شهر جنوب غربي العاصمة الإيرانية طهران، ويتقاضى أجراً شهرياً يعادل 300 دولار يدفع جزءاً منه لأقساط السكن، في وقت تحتاج العائلة التي تضم 6 أشخاص إلى نحو 600 دولار لتسيير الأمور الحياتية، لكنه يؤكد أن أمله كبير بالحياة، مشيراً إلى أنه يتوكل على الله في رزقه.
ورغم المشاكل المالية يبذل الزوجان مؤمني قصارى جهدهما لتعليم الأولاد وإرسالهم إلى مدارس خاصة من أجل تحصيل التعليم في المراحل الأساسية، إذ يرون أن "هذه المدارس تولي اهتماماً أكبر بتعليم الأطفال من المدارس الحكومية".
ويقول محمد رضا لـ"العربي الجديد" إن "التخطيط والإدارة مهمان في كبح التكاليف والإنفاق، وذلك لا يمكن تحقيقه من دون تعاون زوجتي، وأنا أؤمن أيضاً بالمثل الفارسي الذي يقول من يخلق نفساً يتكفل برزقه".
وفي شأن تلقي أسرته مساعدات من منظمة الرعاية الاجتماعية "بهزيستي"، يقول محمد رضا إن "الأسر التي تتبنى أطفالاً لا تتطلع إلى مساعدات بهزيستي، لكن ذلك لا يمنع تسهيل المنظمة بعض شؤون هذه الأسر ودعمها في بعض الحالات".
عن الصعوبات الخاصة بتبني أطفال من مراكز رعايتهم في إيران، يشير محمد رضا إلى أن "الأسر القادرة على الإنجاب تنجب طفلاً خلال فترة زمنية لا تتجاوز 9 أشهر، أما تلك التي تلجأ إلى التبني فتحتاج إلى استكمال مراحل قانونية وإدارية معقدة تستغرق سنوات وتنتهي بالحصول على موافقة من المحكمة. ويجب أن يثبت الزوجان أنهما يملكان الأهلية اللازمة لتبني الأطفال، ويستطيعان أن يكونا والدين جيدين كي يكبر الطفل أو الطفلة في بيئة عائلية مناسبة".
يضيف: "هناك حاجة متبادلة في عمليات التبني. تطلب الأسر أولاداً في حين يحتاج الأطفال في مراكز الحضانة إلى والدين وإخوة وأخوات. وبالنسبة إلينا نفكر في أنه إذا أنجب زوجان طفلاً سيلقى رعاية مناسبة منهما سواء ولد بصحة تامة أو مريضاً مصاباً بداء مزمن، وسيبذلان قصارى جهدهما لرعايته، وهذه حالنا، إذ نعتبر أن أولادنا منا ونحن منهم، ولن نتهاون في تربيتهم والحفاظ عليهم وحضنهم". وهنا تقاطع فاطمة كلام زوجها، وتقول: "عندما ينادينا الأطفال بابا وماما، يعني ذلك أنهم قبلوا أن نكون الوالدين، وأننا قطعنا مساراً صحيحاً، وما عندنا من مال هو رزق كُتب لهم".
أيضاً يقول نادر ملكي الذي يسكن أيضاً في مدينة إسلام شهر، وتبنى مع زوجته قبل عام تقريباً طفلاً يدعى علي رضا يبلغ 4 أعوام و10 أشهر حالياً، لـ"العربي الجديد": "كان علي رضا يعاني من تشوّهات في الوجه، وتبنيناه مرضاة لوجه الله ولرعايته وعلاجه الذي كنت أعلم مع زوجتي أنه صعب ويتطلب عمليات جراحية عدة ومتابعة طبية حثيثة. ونحن تبنينا هذا الطفل بعدما أنجبنا ولدا يبلغ سن الـ 26 حالياً". ويخضع علي رضا حالياً لدورات في علم أمراض التخاطب واللغة، وبدأت قدرته على التكلم والحديث تتحسّن يوماً بعد يوم، ما يمنح ملكي وزوجته سعادة كبيرة إلى جانب رؤية وجهه البشوش، كما يقولان. يعمل نادر سائقاً لسيارة أجرة، وحصل على قرض من البنك مرتين لإجراء عمليتين جراحيتين لعلي رضا في مستشفى "ميلاد" بمدينة أصفهان (وسط) "لأننا لم نستطع انتظار فترة طويلة لإجراء العمليتين في مستشفى حكومي".