أعلنت مصادر صحية في جنوب العراق وفاة 20 شخصاً بمرض الحمّى النزفية خلال الأسابيع القليلة الماضية، فيما تحدثت مصادر مختلفة عن أن عدد المصابين اقترب من 200، ما دفع محافظات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمحاولة الحدّ من المرض الذي يصيب الحيوانات.
وأمر محافظ البصرة (جنوب) أسعد العيداني بمنع دخول المواشي إلى الأحياء والبلدات، فيما اتخذ مسؤولو محافظة واسط إجراءات صارمة، بينها عزل المصابين عبر وضعهم في ردهات خاصة بالمستشفيات مع تخصيص فرق لمتابعة الحالات وعلاجها، وأيضاً عزل المزارع التي يثبت إصابة مواشي فيها بالحمى النزفية.
وكشف المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، تسجيل أكبر عدد من الإصابات والوفيات في محافظة ذي قار، وأوضح في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الإصابات مستمرة وقد ترتفع، ما يعني أن الحاجة ماسة إلى التزام مربي المواشي والمزارعين إجراءات السلامة والوقاية التي توصي بها وزارة الصحة".
وتابع: "تعتبر محافظة ذي قار الأولى على صعيد عدد الإصابات، والفرق الصحية تواصل عملها في سبيل حصر الضرر وإجراء اللازم، لكن هناك حاجة إلى تعاون أكبر من المواطنين".
وأكدت مصادر صحية في محافظات البصرة وذي قار وبابل تعاون وزارة الصحة جدياً مع وزارتي الزراعة والبيئة لحصر الأزمة وتوفير العلاجات.
وقال مسؤول في دائرة صحة ذي قار لـ"العربي الجديد": "معظم المصابين يصلون إلى المستشفيات بعد فوات الأوان، إذ يتجنبون إجراء مراجعة طبية فور ظهور الأعراض، وتستدعي حالاتهم عزلهم في غرف مغلقة داخل المستشفيات، علماً أن مضاعفات المرض قد تؤدي إلى نزف شديد لا يمكن السيطرة عليه وصولاً إلى الوفاة، ووزارة الصحة مقصّرة في توفير العلاجات والفرق الطبية المتخصصة للتعامل مع هذا المرض الخطير".
بدوره، أبلغ مدير قسم الصحة العامة في دائرة صحة ذي قار، حسين رياض، صحافيين أن "ربات البيوت هن الأكثر تعرضاً للإصابة بالمرض، بسبب تعاملهن المباشر مع اللحوم الطازجة"، وتوقع "حدوث الأسوأ في الأشهر القليلة القادمة"، مشيراً إلى أن "الإصابات بالمرض حصلت في مناطق مختلفة من محافظة ذي قار، ولم تقتصر على مكان معين، وشملت شرائح أخرى، مثل قصابين وتجار مواشي وطلاب".
والحمّى النزفية الفيروسية من الأمراض المُعدية التي قد تسبب الإصابة بعلّة شديدة تهدد الحياة. وهي تهدد بتلف جدران الأوعية الدموية الصغيرة، وحدوث تجلط. وعادةً لا يهدد النزف الداخلي الذي ينتج من هذه الحالة الحياة، لكن الأمراض نفسها يمكن أن تعرِّض الحياة للخطر. وتشمل بعض أنواع الحمّى النزفية الفيروسية حمّى "الضنك" وحمّى "إيبولا" وحمّى "لاسا" وحمّى "ماربورغ"، والحمّى الصفراء.
وتنتشر الحمّى النزفية الفيروسية بمُخالطة الحيوانات أو الحشرات المصابة بالعدوى. وتعيش الفيروسات التي تسبب الإصابة بالحمى النزفية الفيروسية في العديد من أنواع الحيوانات والحشرات، وتشمل غالباً البعوض والقراد والقوارض والخفافيش.
من جهته، أشار المدير العام لدائرة البيطرة في وزارة الزراعة ثامر الخفاجي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الفرق الزراعية والطبية تواصل عملها في سبيل مواجهة الأزمة الصحية التي تضرب مدناً عدة جنوبيّ العراق، وسُجلت حالات في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار)، وأخرى لرجل صيني الجنسية حمل المرض، وظهرت عليه الأعراض وأدخل إلى المستشفى لتلقي العلاج. والحكومة العراقية أطلقت حملة وطنية كبرى لمنع تفشي الحمّى النزفية بإشراف مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني".
وأضاف: "وفرت وزارة الزراعة مبيدات حشرات، وكل مستلزمات رش الحظائر والقضاء على الحشرات، وتحديداً القراد الناقل للحمّى النزفية من نوع هايلوما الذي يُعَدّ مرضاً فيروسياً ينتقل من الحيوان إلى الإنسان، ونشرت أكثر من 300 فرقة بيطرية في كل المحافظات، وركزت على المدن الأكثر تضرراً من المرض للمساهمة في منع الضرر، وهناك تعاون من جهات عدة، لأن أسباب انتشار المرض ليست الحيوانات وحدها، بل التصحّر والجفاف أيضاً التي تظهر الحشرات في شكل مستمر، وولادة فيروسات ضارّة، علماً أن تساقط الأمطار يخفف من تأثير المرض بسبب مساهمتها في القضاء على الحشرات والقراد".
من جهته، ذكر الطبيب البيطري حبيب الساقي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "عوامل عدة تسبب انتشار الأمراض والأوبئة. وحتى إذا كان الخطأ قد نتج من المواطنين، فالمسؤولية تقع على عاتق الأجهزة الرسمية، وخصوصاً أنها لا تراقب جيداً المجازر (الملاحم) العشوائية للحيوانات، ولا سيما تلك وسط المدن وقرب الأحياء السكنية، كذلك لا تتابع الحالة الصحية للمواشي".
والعام الماضي أطلقت الحكومة حملة لإغلاق المجازر العشوائية، لكن مراقبين أكدوا أنها لم تكن بالمستوى المطلوب للتخلص من الفيروس. وترافقت الحملات مع حثّ فرق إرشادية المواطنين على شراء اللحوم من محلات بيع اللحوم الرسمية التي يفحصها الأطباء البيطريون، وتعتبر صالحة للاستهلاك البشري، علماً ان التجاوزات في عمليات البيع غير الخاضع لرقابة مناسبة سبّبت نسبة 40 في المائة من الإصابات العام الماضي.