مع انتهاء الحظر العام على العودة إلى سورية اعتباراً من أول يناير/ كانون الثاني الماضي، بعدما مُدّد تسع مرات منذ عام 2012، تستعد ولايات ألمانية عدة لترحيل اللاجئين السوريين "الخطرين" وفق القانون، وذلك في ترجمة لاتفاق وزراء داخلية الولايات الألمانية أخيراً مع وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر. لكنّ أبناء الجالية السورية الكبيرة في البلاد ومنظمات حقوقية عدة يرفضون هذا القرار، خصوصاً أنّه يعني إرسال سوريين إلى مناطق سيطرة النظام السوري، مع ما في ذلك من خطر على حياتهم.
من هنا فإنّ ترحيل المجرمين الخطرين من ألمانيا من حيث المبدأ بات ممكناً على الرغم مما يعتريه من غموض، فيما المسار شاق وطويل. وقد أظهرت التقارير أنّ وزيرة الداخلية في ولاية شليسفيغ هولشتاين، ووزير الداخلية في ولاية هيسن، بالإضافة إلى ولايات أخرى، طلبوا من دوائر الهجرة تقديم الحالات المعرضة للترحيل، لتعمل على إجراء التدقيق الأولي بشأنهم، على أن يصار إلى التنسيق مع الجهات الاتحادية المسؤولة لاتخاذ القرار المناسب.
على الرغم من تأكيد وزير الداخلية زيهوفر، في حديث مع صحيفة "بيلد" أخيراً، أنّه لا بدّ من أن تسبق أيّ قرار ترحيل عملية تقييم لكلّ حالة على حدة، مشيراً إلى مناقشة الأمر مع رئاسة المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، تبرز عوائق كثيرة ترتبط بالآليات الواجب اتباعها لتطبيق الاتفاق، علماً أنّ المعايير لم توضع بعد، ومن بينها تحديد مدى الخطر الذي يشكله اللاجئ المطلوب ترحيله من البلاد. ويدور الحديث عن نظام نقاط يتدرج من السرقة إلى القتل، ومن يتخطى الستين نقطة يتخذ قرار بترحليه، وهي من الأفكار المطروحة التي تقدمت بها الشرطة الجنائية الاتحادية، والمفهوم مشابه إلى حد كبير لسجل مخالفات المرور الذي قد يصل مجموع النقاط فيه لسحب رخصة القيادة من الشخص. وتستند ركيزة الترحيل إلى ما إذا كان سجل اللاجئ الجنائي خطراً، من نقطة واحدة للجرائم الأقل خطورة مثل السرقة، و10 نقاط مثلاً إذا عوقب اللاجئ بالسجن لمدة عام واحد، لتتدرج النقاط من الاعتداء إلى المخدرات، ثم تصل إلى 70 نقطة في جرائم القتل، وفق صحيفة "تاغس شبيغل".
كذلك، هناك صعوبات أخرى، أبرزها غياب التواصل الرسمي الدبلوماسي بين ألمانيا والنظام السوري. برز اقتراح يقضي بترحيل المجرمين المعروفين بولائهم للنظام أولاً. أما من هربوا خوفاً من ملاحقة النظام لهم، فيدور النقاش حول إمكانية نقلهم إلى المناطق الكردية في شمال سورية، أو دفعهم للمغادرة طواعية إلى بلدان أخرى يعيش فيها أقارب لهم، مع استصدار قرار بمنعهم من العودة إلى ألمانيا. وأشارت "دي فيلت" إلى أنّ وزير داخلية ولاية سكسونيا رولان فولر دعا إلى إجراء اتصالات مع الحكومة السورية عبر الأردن ولبنان، لأنّ من الضروري تنفيذ عمليات ترحيل فردية إلى مناطق سيطرتها، فلا تنبغي حماية المجرمين الخطرين في ألمانيا، مشدداً على أنّه يجب حماية السكان بقدر الإمكان من الأشخاص الذين يشكلون تهديداً لهم. عدا عن ذلك، فإنّ لدى ألمانيا عدداً ضئيلاً من أماكن الاحتجاز المخصصة للترحيل، وفق "دي فيلت"، إذ ليس هناك أكثر من 573 مكاناً للاشخاص الذين يجب ترحيلهم، فيما هناك نحو 276 ألف شخص (من مختلف الجنسيات)، من المفترض أن يغادروا البلاد لأسباب متعددة أيضاً. وبينما يجري توسيع قدرات الاحتجاز ببطء شديد، بالإضافة إلى متطلبات تدابير وباء كورونا الوقائية والدقيقة، تشير التقارير إلى أنّ كورونا تسبب بانخفاض عدد المرحّلين ممن رفضت طلبات لجوئهم إلى أقل من النصف في مقارنة بين العام الماضي والعام الذي سبقه. والجدير بالذكر أنّه وفقاً للقانون، لا بدّ من فصل هذا النوع من عمليات الترحيل تماماً عن الاحتجاز الجنائي. ففي الأماكن المخصصة للترحيل مثلاً، يتمتع الشخص المطلوب ترحيله بحرية أكبر مما هي عليه في السجن، كأن يتلقى ويرسل البريد ويستقبل الزائرين ويستخدم الهاتف والإنترنت ويرتدي ملابسه الخاصة.
ينطلق تأييد ودفاع حزب المستشارة أنجيلا ميركل، الاتحاد المسيحي، من ركيزة قوامها أمن المجتمع، وبأنّ ترحيل الأشخاص الخطرين من اللاجئين هو جزء من استراتيجية مكافحة الإرهاب في ألمانيا بعد تعرض البلاد لهجمات إرهابية وعمليات طعن استهدفت أشخاصاً عزّلاً، من أفراد تبين أنّهم يحملون أفكاراً إسلاموية متشددة، وكان آخرها عملية طعن سائحين اثنين في مدينة دريسدن أودت بحياة أحدهما. هذا الأمر أكد عليه نائب وزير الداخلية، عضو الحزب الاجتماعي المسيحي شتيفان ماير، إذ قال، في حديث صحافي، إنّ القرار ضروري لتأمين سلامة من يعيشون في ألمانيا، لافتاً إلى أنّ "الحظر العام على الترحيل إلى سورية أدى إلى احتمال ارتكاب جهاديين متطرفين وإسلاميين جرائم في ألمانيا من دون الخوف من اتخاذ هذا القرار بحقهم". وأكد أنّ "كلّ من ارتكب جرائم ستجري محاكمته وتطبيق العقوبة عليه في ألمانيا". لكنّ ما سيحدث بعد ذلك، وفقاً لماير، هو أن "يكون من الممكن على الأقل ترحيل الجناة المحتملين أو الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم خطرة"، مبدياً قناعته بأنّ "رفع الحظر الآن، قرار متقدم للغاية من أجل أمان مواطنينا، وتعزيز معايير الأمن في بلدنا"، مشدداً على أنّ "الألمان لا يمكن أن يقبلوا بقاء لاجئين ارتكبوا جرائم في غاية الخطورة بينهم، وهو حق قانوني للمواطنين الألمان".
في المقابل، رأى المتحدث باسم وزراء داخلية الولايات التي يقودها الحزب الاشتراكي، وزير داخلية ولاية سكسونيا السفلى بوريس بيستوريوس، أنّ "الاهتمام باستكمال ترحيل هؤلاء الجناة خارج ألمانيا مهم، لكن من غير الممكن أن يكون ذلك باتجاه سورية لأنّ التعذيب والقتل هناك ما زالا مستمرين"، مطالباً بالضغط على تلك الدول التي يمكن بالفعل ترحيل الأشخاص إليها. يشار إلى أنّه بحسب وزارة الداخلية، هناك 89 شخصاً يحملون جوازات سفر سورية تعتبرهم الشرطة من الجناة، أو ممن يشكلون تهديدات، مع تصنيفهم خطرين أمنياً في ألمانيا.
في المقابل، تنتقد المنظمات الحقوقية والإنسانية القرار الجديد بالترحيل، معتبرة أنّه لا يمكن العمل به كما يتصوره وزراء الداخلية، لأنّه يمسّ بالحقوق الأساسية، مثل حق اللجوء الذي نصّ عليه الدستور الألماني. والقرار يطاول السوريين المرتكبين للجرائم الخطرة، كما أولئك الذين ثبت أنّهم يعتزمون الإقدام على تنفيذ عمل إرهابي لإلحاق الضرر بألمانيا ومواطنيها أو من يشجعون على التطرف عبر الإنترنت.
إلى ذلك، نبهت منظمة "برو آزول" المدافعة عن حقوق اللاجئين، في تعليق على موقعها الإلكتروني، من التعاون مع نظام بشار الأسد لترحيل المجرمين الخطرين، لأنّ ذلك سيمثل إشارة مدمرة تماماً على المدى المتوسط والبعيد، لا سيما أنّ ذلك يعني تطبيع العلاقات مع نظام ثبت أنّه ارتكب جرائم ضد الإنسانية ويستمر في الدوس على حقوق الإنسان بشكل منهجي، وذلك بالنظر إلى التعذيب والاضطهاد التعسفي وجرائم الحرب ضد المدنيين من السكان، وبالتالي فإنّ تنفيذها سيشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
ويبقى الخوف أيضاً من إدخال مجموعات إضافية ضمن عمليات الترحيل، كما في تجربة اللاجئين الأفغان وغيرهم سابقاً، وهو ما يخشاه كثير من السوريين الذين يعيشون في ألمانيا، إذ يتخوفون من أنّ قرار إنهاء تجميد الترحيل هو الخطوة الأولى نحو عملية الترحيل المستقبلية لهم جميعاً. وقد لاقى القرار استياء وسخطاً لدى مجموعات من أبناء الجالية في برلين، ممن اعتصموا للتنديد بترحيل المرتكبين من المواطنين السوريين إلى بلدهم طالما نظام بشار الأسد في الحكم، لخوفهم من اعتقالهم من قبل استخبارات النظام، معتبرين أنّ النظام سيزج بهم في السجون فور عودتهم إلى سورية، ولن يُعرف بعدها مصيرهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ التقييم الأخير لوزارة الخارجية الألمانية، أفاد بأنّ انتهاكات حقوق الإنسان ما زالت قائمة في سورية، في وقت تعتبر الحكومة الاتحادية أنّ الأسد مسؤول عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص خلال الحرب بعد استخدام قواته البراميل المتفجرة والغازات السامة. وفي هذا الشأن، قال وزير داخلية ولاية بادن فورتمبيرغ توماس شتروبل، لوكالة الأنباء الألمانية: "على الرغم من أنّ الخطرين أمنياً من اللاجئين لم يعد لهم مكان آمن في بلدنا، فإنّ هناك عقبات كبيرة تعترض التنفيذ، إذ يفترض استيفاء شروط محددة لكلّ لاجئ يتوجب ترحيله، أهمها مراعاة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مع ضرورة التأكد من أنّ ترحيله سيكون إلى مكان آمن في سورية على الرغم من المكسب الأمني الكبير لألمانيا في ترحيل أولئك الخطرين".