أعادت لافتة علّقها صاحب صيدلية في مدينة إسطنبول، واعتذر فيها عن استقبال طالبات العرائس، الهواجس الخاصة بتأخر سن الزواج في تركيا وارتفاع نسب العنوسة.
كتب الصيدلي على اللافتة: "أرجوكم لا تجلبوا أبناءكم العازبين إلى الصيدليات بحثاً عن فتيات للزواج" ما أثار سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفتح الباب أمام التعليقات حول تكاليف الزواج، ومطالب الشبان وتأخر سن الارتباط.
تقول الباحثة الأستاذة في جامعة محمد الفاتح بإسطنبول، عائشة نور، لـ"العربي الجديد"، إنّ "اللافتة عكست اهتمام الأمهات بالبحث عن عرائس لأبنائهن". وتعتبر أنّ "تأخر الشباب في الزواج يزيد من الحواجز النفسية بينهم وبين الارتباط، ويجعلهم يترددون في الإقدام على الزواج، ويرفعون مواصفات شركائهم".
وترى أن "مؤشرات الزواج والطلاق، وارتفاع سن الزواج وبالتالي نسبة العنوسة، غير مطمئنة في تركيا، خصوصاً أن متوسط العمر عند الزواج تجاوز 28 سنة للشباب، و26 سنة للفتيات. والانتهاء من التحصيل العلمي وتأمين مستلزمات الحياة الزوجية، من أهم أسباب الظاهرة، لأن عمر الزواج، رغم أنه غير مرتفع كثيراً، أعلى من المستوى قبل سنوات، بنحو عامين للجنسين".
وتذكر أن "ما يمكن استنتاجه من اللافتة التي علّقها الصيدلي، سعي الأمهات إلى طلب عرائس لأبنائهن بطريقة كانت تلاشت نسبياً في مدن تركيا، باستثناء بعض الولايات الريفية، وكذلك تزايد زيارات الأمهات للصيدلي، وسؤاله عن فتيات للزواج، ما يشير إلى معاناة الأمهات من تأخر زواج أبنائهن، أو ترددهن في انتقاء العروس".
وفيما لم تستبعد السيدة الثلاثينية إريا كان أوغلو أن تكون الورقة المعلقة على باب الصيدلية "دعابة ودعاية للصيدلية"، تشير في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن سن الـ28 لزواج الشباب والـ26 لزواج الفتيات غير مرتفع، بل ربما مبكرَين لأن طبيعة الحياة وتأمين مطالب الزواج تبدلت كثيراً عن السابق".
تضيف: "غلاء المعيشة في تركيا، وصعوبة تأمين مستلزمات الزواج مع ارتفاع أسعار الذهب والملابس وأثاث المنازل، يزيدان عزوف الشباب عن الزواج ويزيدان علاقات المساكنة. والعلاج يجب أن يأتي من الحكومة، سواء عبر رفع قيمة قروض الزواج أو تأمين مساكن اجتماعية للعرسان.
وقد طرح الرئيس رجب طيب أردوغان أخيراً موضوع السكن الرخيص للساعين إلى الزواج، وهو ما نتمنى أن يتحقق لأن نسبتي العنوسة والطلاق المرتفعتين ستؤثران على تركيا، سواء على صعيد شيخوختها، أو تفكك المجتمع".
وحول استعادة الأمهات دورهن في انتقاء الزوجات لأبنائهن، تعلق إريا كان بالقول: "إذا كانت اللافتة صحيحة وليست دعابة ودعاية، فهي مؤشر غير صحي ولامنطقي، لأن الزواج من دون معرفة مسبقة واختبار وعلاقة حب، سيفشل ويؤدي إلى الطلاق أو إلى علاقة أسرية مضطربة تنعكس على الأولاد وصحتهم النفسية".
وقد حصلت 33.6 في المائة من حالات الطلاق في تركيا خلال السنوات الخمس الأولى من عمر الزواج، و20.9 منها خلال الفترة بين 6 و10 سنوات من عمر الزواج. ويمكن ربط زيادة نسبة الطلاق في السنوات الأولى بعدم الانسجام وافتقاد الدراسة الكافية قبل الارتباط.
في المقابل، لا ترى السيدة الخمسينية ميراي آيدن، مشكلة في مساعدة الأم في انتقاء زوجة لابنها، رغم أنها تتحفظ على الطريقة المباشرة لفعل ذلك، مثل الذهاب إلى صيدلية، أو تزويجه من قريبة له.
وتقول لـ"العربي الجديد": "يملك الوالدان خبرة ونظرة أكثر عمقاً من الشباب، ويكون اختيارهما عادة عقلانياً وغير عاطفي أو مندفع. لكن دور الأهل يبدأ وينتهي بالنصيحة والتوضيح، ولا يصل إلى الفرض أو الإغراء بالمال أو بالارتباط بعائلة العروس، فالابن سيعيش مع العروس، وليس هم".
وعموماً، بدأت المخاوف تزداد في تركيا من التحوّل إلى بلد عجوز، بعد تراجع معدل النمو السكاني إلى نحو 1.09 في المائة، ما يعني عدم وصول عدد سكان تركيا إلى مائة مليون عام 2060، علماً أن إحصاءً أخيراً حدد عدد السكان المرتقب بحلول 2060 بـ 84.6 مليوناً، إذا بقيت المعدلات الحالية للإنجاب والوفيات والهجرة.
ورغم تنفيذ الحكومة التركية نهج تشجيع الإنجاب، عبر منح مبالغ وهدايا ذهبية للمولود الثاني والثالث، لكن نسبة الكهولة "أكثر من 65 سنة" تجاوزت 10 في المائة هذا العام. وينبّه الباحث شوكت أقوي إلى أن استمرار تراجع الإنجاب وارتفاع نسب الطلاق وارتفاع عمر الزواج في تركيا، سيجعل نسبة الشيخوخة تصل على 23 في المائة عام 2060.
وتزيد الحكومة التركية الدعم المالي والرعاية الاجتماعية لدعم الإنجاب عبر منح مساعدات مالية مباشرة للمواليد الجدد، وتقديمات خاصة بالرعاية الصحية والضمانات المتزايدة والقروض المصرفية الميسرة التي تصب جميعها في خانة تشجيع الزواج والإنجاب، وهي بدأت في تطبيق هذا النهج منذ عام 2015، ودفعت الحكومة من أجل التشجيع والمساعدات أكثر من 2.4 مليار ليرة حتى العام الماضي.