بعد حملات أمنية متكررة استهدفت توقيف أعداد من اللاجئين السوريين في لبنان، وترحيل بعضهم بالفعل، ممن تقول السلطات إنهم دخلوا إلى البلاد خلسة، أو يخالفون قوانين الإقامة، عاد اللاجئون إلى بؤرة الأزمة من جديد بقرار تعليق المساعدات النقدية بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي، والذي يعتمد على رفض الحكومة "دولرة" المساعدات، مع العلم أن المساعدات مستمرة لكن بالليرة اللبنانية فقط، كما كان معمولاً به سابقاً.
بدأت الأزمة برفض وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال، هيكتور الحجار، القرار الأممي بدفع مساعدات اللاجئين السوريين المالية بالدولار، معتبراً أن هذه الخطوة من شأنها أن تزيدَ التوترات بينهم وبين المواطنين اللبنانيين.
وقال إن "مفوضية شؤون اللاجئين طلبت بإلحاح إعطاء 40 دولارا للعائلة، و20 دولاراً لكل فرد، أي ما يوازي 140 دولاراً، وكان رفضنا لأن المبلغ أكبر بكثير من راتب أي موظف فئة أولى في القطاع العام اللبناني. الرأي العام يقارن بين المساعدات التي يحصل عليها اللاجئون، وتلك التي يحصل عليها اللبنانيون في البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، والذي تستفيد منه 70 ألف عائلة، في مقابل 230 ألف عائلة سورية تتقاضى مبالغ بالليرة. رفضنا يتصل بأن الدفع بالدولار يعزز بقاءهم في لبنان رغم أن العدد الأكبر منهم ليسوا مطلوبين أمنيين أو سياسيين".
ولفت الحجار إلى أنه "مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتسلمي الوزارة في سبتمبر/أيلول 2021، بدأنا عقد اجتماعات شهرية مع الهيئات الأممية، وعادة أتسلّم خطياً طلبات المفوضية بتعديل المبالغ للعائلات والأفراد بحسب تطور سعر الصرف بالسوق السوداء، بهدف محافظة المساعدات الشهرية على الحدّ الأدنى من القدرة الشرائية للحصول على السلع الغذائية".
وأعلنت بعثات الأمم المتحدة في لبنان، السبت الماضي، تعليق المساعدات النقدية بالعملتين اللبنانية والأميركية للاجئين السوريين بداية من الشهر المقبل، وذلك بناءً على طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني، نجيب ميقاتي، ووزير الشؤون الاجتماعية، هكتور الحجار، على أن تستمر المناقشات حول الآليّة المناسبة الممكن اتّباعها.
غالبية المساعدات المخصصة للاجئين السوريين يستفيد منها لبنانيون
وأوضحت الناطقة باسم المفوضية في لبنان، ليزا أبو خالد، لـ"العربي الجديد"، أن "المساعدات لن تتوقف، لكن ما تقرر تعليقه هو تقديمها بالليرة والدولار، وبالتالي، ستُعطى بالعملة الوطنية ابتداء من شهر يونيو/حزيران المقبل، استكمالاً للمسار الذي بدأ منذ الأزمة الاقتصادية اللبنانية في عام 2019. تقرّر مؤخراً إعطاء المساعدات بالليرة والدولار، بيد أن هذه الخطوة عُلِّقت لتستكمل المشاورات حول الموضوع".
وأشارت أبو خالد إلى أن "الأمم المتحدة تدعم اللاجئين الأكثر ضعفاً بأنواع مختلفة من المساعدات، بما في ذلك مواد الإغاثة الأساسية مثل البطانيات والفرش، فضلاً عن الدعم الصحي، والدعم النفسي الاجتماعي، والمساعدات النقدية، وتعتمد المفوضية على برامج المساعدات النقدية لتوفير الحماية والمساعدة والخدمات للفئات الأكثر ضعفاً. تسمح المساعدات النقدية للاجئين بتلبية احتياجات أساسية ضرورية لهم، كالطعام والمياه والرعاية الصحية، وفي حين يدعم برنامج المساعدات النقدية العائلات في تغطية تكاليف الإيجار والطعام والأدوية، ويساهم في تقليل تعرضهم للاستغلال، أو في اعتمادهم أساليب تأقلم سلبية، فقد مكّن أيضاً اللاجئين من المساهمة في الاقتصاد المحلي من خلال الشراء مباشرة من الأسواق والمحال التجارية، كما تسمح المساعدة النقدية بالتخطيط بشكل أفضل، وبتحديد أولويات الاحتياجات".
وأوضحت أبو خالد أن "المبلغ الذي تقدمه المفوضية في الوقت الحالي لعائلات اللاجئين الأكثر ضعفاً يبلغ مليونين و500 ألف ليرة للعائلة الواحدة. ويقدّم برنامج الأغذية العالمي مليونا و100 ألف ليرة للفرد، وبحد أقصى 5 أفراد في العائلة الواحدة. ما يعني أن الحد الأقصى للعائلة المكونة من 5 أفراد أو أكثر قد يصل من المساعدات النقدية والغذائية إلى ما قيمته 8 ملايين ليرة لبنانية شهرياً".
في السياق، يقول الناشط في مجال الإغاثة الإنسانية، حسين محمد الحسين، لـ"العربي الجديد"، إن "60 في المائة من المساعدات توقفت، وهناك 41 في المائة من السوريين يحصلون على مساعدة مالية قدرها 25 دولاراً، وقد حوِّلت هذا الشهر، بينما كانت في السابق مليونين ونصف المليون ليرة تقريباً، وهناك مساعدات غذائية ومالية تصل إلى حدود 125 دولارا، ولكن عدد من يحصلون عليها قليل. تقلّص الدعم كثيراً في عام 2023 للاجئين السوريين، أما العائلات التي لا تستفيد من المساعدات، فهي تعتمد على أقاربها الموجودين في خارج لبنان، والذين يرسلون ما بين 150 إلى 200 دولار شهريا لنفقات العيش، كما أن هناك من يعتمد على العمل في القطاع الزراعي، أو قطاع البناء".
ويلفت الحسين إلى أنه "في الفترة الأخيرة، ومع تقلّص المساعدات، غادرت الكثير من العائلات السورية لبنان، فبعضهم انتقلوا إلى إيطاليا بطرق غير شرعية، وقسم آخر غادر إلى الشمال السوري بطرق غير شرعية أيضاً، والبعض عاد إلى الرقة أو منطقة شرقي سورية. الحملة الأمنية اللبنانية الأخيرة ضد السوريين الذين دخلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية كان لها انعكاساتها أيضاً على عائلات كثيرة تنتمي إلى مناطق الرقة وحماة وحلب ودمشق وريف دمشق، وقد تم حجز شباب مطلوبين للخدمة العسكرية خلالها".
تقدم الأمم المتحدة للاجئين مواد الإغاثة والدعم الصحي ومساعدات نقدية
على صعيد متصل، يقول خبير السياسات العامة وشؤون اللاجئين، زياد الصائغ، لـ"العربي الجديد"، إن "المطلوب من هيئات المجتمع المدني المحلية والدولية أن تتعاطى مع مسألة اللجوء السوري بعقلانية وفق قاعدة أنه لا ضحية ولا جلاد، لأنه في النتيجة، كلنا ضحايا بسبب فشل الحل السياسي في سورية، وعرقلة عودة اللاجئين انطلاقاً من قوى الأمر الواقع في سورية، فضلاً عن فشل الحكومة اللبنانية في إنجاز سياسة عامة للجوء".
ولفت الصائغ إلى أنه "في حين يظهر حديث عن منح اللاجئين السوريين مساعدات بالدولار، أعلن المجتمع الدولي عن تمويل إضافي بقيمة 300 مليون دولار للمشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة للأزمة الاقتصادية وجائحة كوفيد-19 في لبنان. الحل يتمثل في بروتوكول تعاون، أو مذكرة تفاهم مشتركة بين مفوضية اللاجئين والحكومة اللبنانية، تحسم كل القضايا الملتبسة، وتوقف الشعارات الشعبوية، والاستقطاب الطائفي والمذهبي الذي يضع مجتمع اللاجئين في وجه المجتمع اللبناني المضيف".
بدوره، يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطات اللبنانية تتصرف بعشوائية في ملف اللجوء السوري من دون أي خطة واضحة، إذ تعتقد أنه بالتضييق على اللاجئين سيعودون إلى بلادهم، وهذا غباء سياسي يضرب الاستقرار في لبنان، ويؤثر على سمعة البلد، وعلى المساعدات التي تصل إليه، والتي تساعد اللبنانيين قبل غيرهم".
يضيف الأسمر: "لو كانت هناك إحصاءات جدية، كنا سنرى أن غالبية المساعدات، حتى المباشرة منها التي تصل إلى اللاجئين السوريين، يستفيد منها لبنانيون بطريقة أو بأخرى، ومن ذلك الإيجارات، والبضائع التي يشتريها اللاجئون وغيرها. بعد إفلاس البلد، وتشويه سمعته مالياً، يبدو أن بعض السياسيين، ولا سيما حكومة تصريف الأعمال، يصرون على إفلاس بلدنا أخلاقياً، وتشويه سمعته إنسانياً، وهذا خطير جداً، ويؤثر على اللبنانيين المغتربين، وعلى كامل الوضع في لبنان".
وأعلنت مفوضية اللاجئين الأممية في مطلع عام 2023، تخفيض عدد العائلات السورية اللاجئة المستفيدة من المساعدات في لبنان، وذلك لأسباب ربطتها بالشحّ الكبير في ميزانيتها المحددة لهذا العام، والنقص الواضح في الموارد.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، دلال حرب، لـ"العربي الجديد"، حينها، إنه "نتيجة الدورة السنوية التي تقوم بها المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، سيتم تحديد العائلات التي تتلقى المساعدات النقدية في كل عام، وبسبب الشح الكبير في التمويل والموارد التي لا تلبي جميع الاحتياجات، اضطررنا إلى تحديد الفئات الأكثر حاجة، وبالتالي انخفض عدد الأسر المستفيدة بنحو 35 ألفاً، ليصبح مجموع العائلات السورية المستفيدة من المساعدات نحو 234 ألفاً فقط".