كان أحمد يونس، المهجَّر من ريف حمص الشمالي إلى مدينة الباب، يمارس نشاطه اليومي ويعمل على نقل البضاعة إلى متجره. فجأة، شعر بأن قدميه ليستا على الأرض، ليجد نفسه بعد ثوانٍ في مكان آخر، والزجاج والركام فوقه. كانت لحظات مذهلة وصادمة، تلاها صراخ الناس حوله في الشارع الذي انفجرت فيه سيارة ملغمة بحيّ الكورنيش شماليّ مدينة الباب في ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة "الجيش الوطني السوري" المدعوم من الجيش التركي.
عشرون قتيلاً على الأقل، بينهم طفلة وثلاثة مسنين وأربعة مجهولي الهوية بسبب تشوه أجسادهم، وأكثر من 82 جريحاً، بينهم حالات حرجة - مثل بتر الأطراف وجرح كبير في البطن - نُقلت إلى تركيا، هي حصيلة ضحايا التفجير حتى صباح اليوم الأربعاء، بحسب ما أفادت به مصادر من موقع التفجير لـ"العربي الجديد" .
الخوف ما زال مسيطراً على الأجواء في المدينة، وحالة الهلع الممزوجة بالغضب من رداءة الواقع الأمني واستهتار منفذي التفجير بأرواح الأبرياء جعلت الناس تفكر فعلاً في ترك مدينة الباب التي ظنوا أنها ستكون ملاذهم الآمن بعدما فروا من قصف النظام السوري.
المأساة مست كل أهالي مدينة الباب باختلافهم ودفعتهم والتجار إلى الإضراب عن العمل
التفجير هو الثاني في المدينة بغضون أقل من أسبوع، ولا يعلم عدده منذ طرد "داعش" منها، وفق ما يقوله يونس، فالوضع لم يعد يطاق، وأرواح الناس مسؤولية يجب تحملها من قبل السلطات المحلية المعنية بالأمن، وهي "الجيش الوطني" وداعمه الجيش التركي.
وتابع يونس: " آلاف السوريين جاؤوا إلى المدينة بعد طرد داعش منها، لأنها باتت ملاذهم الآمن، وفق ظنهم، إلا أن الطائرات التي لم تعد قادرة على استهدافهم تحولت إلى سيارات لا تعرف متى وأين وكيف سيتم تفجيرها، والسلطة هنا ما زالت عاجزة حتى عن حماية نفسها، حيث تتلقى هي الأخرى تفجيرات أيضاً".
ويضيف: "هناك مئات العائلات عادت سابقاً من تركيا إلى المنطقة هرباً من صعوبة العيش، لتصادف عيشاً ممزوجاً بالموت والدم والدمار".
الدمار في كل مكان في المنطقة التي وقع فيها التفجير، وهي منطقة أشبه بالسوق، فيها تجمّع للمحال التجارية ومنازل للمدنيين ومسجد "عثمان بن عفان"، ولوحظ أن التفجير كان قوياً، إذ حصل بشاحنة، وليس بسيارة صغيرة، ومن شدته سبّب دمار منازل فوق ساكنيها.
بدوره، يقول وائل الحمصي إنّ التفجير سبّب أضراراً كبيرة، وعلى المستويات الصحية والنفسية كافة، وأضاف مآسي أخرى إلى مآسي الأهالي التي لا تنتهي، ويتابع لـ"العربي الجديد": "لقد سبّب التفجير عاهات دائمة لعشرات المصابين، كثير من الناس دمرت منازلهم، البعض كان يبني منازل في المنطقة، والتفجير أثّر فيها، وباتت آيلة إلى السقوط في أي لحظة، وعشرات المتاجر دمرت وتلفت بضاعتها، وجلّ أصحابها بضاعتهم تأتي بالدين…".
وتواصل فرق الدفاع المدني وفرق الإنقاذ والفرق الخدمية العاملة في المدينة منذ أمس، رفع أنقاض التفجير من الشارع ومساعدة الأهالي في إزالة الركام، علّها تخفف قليلاً من وطأة المأساة.
إضراب
المأساة مسّت كل أهالي مدينة الباب باختلافهم، ودفعتهم والتجار إلى الإضراب عن العمل وإغلاق المتاجر والأسواق اليوم حداداً على أرواح الضحايا، واحتجاجاً على الواقع الأمني.
وفي السياق، يقول وليد الحلبي لـ"العربي الجديد"، إنه أغلق محله اليوم مثل عشرات التجار والحرفيين والعمال في شارع الجامع الكبير، حداداً على أرواح الضحايا، واحتجاجاً على الواقع الأمني، مطالباً السلطات المحلية بالتحلي بالمسؤولية والعمل الجاد لإنهاء حالة الفوضى الأمنية، وليس فقط إرسال الاتهامات عبر البيانات والتصريحات.
وكان الائتلاف الوطني السوري قد حمّل في بيان له أمس النظام السوري و"قسد" والمليشيات الإيرانية مسؤولية الوقوف وراء الهجمات التي تضرب المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سورية.