تسبّب قرار حكومة المملكة المتحدة الذي يقضي بتخفيض تمويلها للمساعدات الإنمائية في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 0.5 في المائة فقط بالمخالفة للمنصوص عليه قانونًا بإنفاق 0.7 في المائة من الدخل القومي، بفجوة تمويلية تقارب 4 مليارات جنيه إسترليني (5.67 مليارات دولار)، ما أدى إلى إلغاء العديد من البرامج، أو تقليصها.
وتؤثر هذه التخفيضات بشكل كبير على المساعدات إلى اليمن، وسورية، وجنوب السودان، كما تهدّد مصير لاجئي الروهينغا من ميانمار، والعديد من الأشخاص المعرضين للأمراض مثل الإيدز، وشلل الأطفال، والملاريا، فضلاً عن النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.
ويواجه القرار انتقادات شديدة من منظمات إنسانية، ومسؤولين سابقين، من بينهم خمسة رؤساء وزراء سابقين، منهم تيريزا ماي، وفي مناظرة، يوم الثلاثاء، انتقد منتمون إلى حزب المحافظين الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع التخفيضات، وهاجمت ماي، قرار رئيس الحكومة، بوريس جونسون، لافتةً إلى أن تخفيضات الإنفاق ستقوض سمعة بريطانيا العالمية، وتؤدي إلى تعثّر التوصل إلى اتفاق في قمة المناخ في غلاسكو، خلال هذا العام.
يقول مسؤول الاتصال في منظمة "إغاثة سورية"، تشارلز لولي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة المملكة المتحدة أعلنت في مارس/ آذار، أنها ستخفض ميزانية مساعداتها إلى سورية بمقدار 205 ملايين جنيه إسترليني (290 مليون دولار)، في انخفاض من 300 مليون تعهدت بها في عام 2020، ومن 400 مليون في عام 2019. هذا القرار سيعرّض الأرواح للخطر، فأكثر من 90 في المائة من السوريين يعيشون في فقر، و12.4 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و12.2 مليوناً يفتقرون إلى الوصول المنتظم للمياه النظيفة".
يتابع لولي: "المملكة المتحدة كانت ثالث أكبر مانح مساعدات إلى سورية، حيث يحتاج 13 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، وقرارها يهدّد حياة 210 آلاف سوري يعتمدون على المساعدات للحصول على الغذاء شهرياً، بالإضافة إلى 100 ألف لاجئ يعتمدون على المساعدات للحصول على المياه النظيفة، وخدمات الصرف الصحي. من أجل توفير 0.2 في المائة من الدخل القومي الإجمالي، تخاطر داوننغ ستريت بحياة ملايين من أفقر الناس في العالم. إنه أمر لا يغتفر، ولن يذكره التاريخ بالخير".
بدوره، يحذر الباحث في جامعة كامبريدج، آدم كوتس، من أن هذه الخطوة "قصيرة النظر للغاية، وخطيرة على الصحة والأمن العالميين"، ويقول لـ"العربي الجديد": "أولئك الذين يعتمدون على دعمنا ومساعدتنا الإنسانية في سورية، واليمن، والمنطقة، لن يغفروا لنا في حال تطبيق هذا القرار، وروسيا والصين تنتظران لملء هذا الفراغ عندما تتوقف بريطانيا عن دعم المساعدة الإنمائية رسميا".
ويوضح كيم نيلسون، من مكتب إعلام "لجنة الإنقاذ الدولية"، لـ "العربي الجديد"، أنّ "قرار تخفيض المساعدات أدّى إلى إيقاف برنامجنا الممول من وزارة التنمية والكومنولث، والذي يوفر الحماية والخدمات القانونية للاجئين السوريين والسكان المستضعفين في لبنان. كنا نخطط في المرحلة الثانية من المشروع، والممتدة من إبريل/ نيسان الماضي، إلى مارس/ آذار 2023، للوصول إلى 115 ألف فرد معرض للخطر في لبنان، لكن بسبب تخفيض قيمة التمويل، اضطررنا إلى التخلي عن مساعدة ما يقارب من 18,900 شخصاً، واضطرت اللجنة إلى إغلاق برامجها في جميع أنحاء شمال سورية، بسبب الانخفاض الحاد في التمويل".
في المقابل، قال متحدث باسم وزارة التنمية والكومنولث، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المملكة المتحدة لا تزال مانحاً إنسانياً رائداً في العالم، وإنّها ستنفق خلال عام 2021 أكثر من 10 مليارات جنيه إسترليني لتحسين الصحة العالمية، ومحاربة الفقر، والتصدي لتغير المناخ. بيد أن التأثير العميق الذي خلّفته جائحة كوفيد-19 أجبرتها على اتخاذ قرارات صعبة، والحكومة ملتزمة بالعودة إلى إنفاق 0.7 في المائة من الدخل القومي على المساعدات عندما يسمح الوضع المالي بذلك".
وتابع المتحدّث الحكومي أنّهم يركّزون على توفير الدعم حيث الحاجة ماسة إلى الحد من الفقر، ومكافحة كوفيد-19، وتغير المناخ، ودعم تعليم الفتيات، والقيام بحملات حول قضايا مثل حرية الإعلام، وحرية المعتقد الديني، لضمان أن تكون المملكة المتحدة قوة عالمية من أجل الخير.
ويوضح: "حصلنا على التزامات عالمية لحماية ما يصل إلى 75 مليون طفل من الأمراض الفتاكة، وقدمنا الإغاثة الطارئة لأكثر من مليوني شخص في منطقة الساحل الأفريقي، ووفرنا لأكثر من مليون شخص في سورية إمكانية الحصول على مياه الشرب النظيفة، وفي هذا العام، سنواصل إنفاق أكثر من 10 مليارات جنيه للتصدي للفقر، وتغير المناخ، والتهديدات الصحية العالمية، بما في ذلك ضمان حصول البلدان النامية على لقاحات وعلاجات كورونا، وسننفق 906 ملايين جنيه إسترليني على التأهب والاستجابة الإنسانية، مع التركيز على البلدان الأكثر تضرراً من خطر المجاعة، مثل اليمن، وسورية، والصومال، وجنوب السودان، وسيمكننا احتياطي الأزمات البالغ 30 مليوناً من الاستجابة بسرعة للأزمات الجديدة".
من جهتها، حذرت الأمم المتحدة من أنّ تنفيذ هذه الخطوة قد يصيب اليمن بأسوأ مجاعة إذا لم يلتزم المانحون بتعهداتهم، لافتةً إلى أنّ 80 في المائة من سكان اليمن يحتاجون إلى المساعدة.
ويمكن أن يتدنى تمويل بريطانيا لبرامج سوء التغذية من 122 مليون جنيه إسترليني إلى 26 مليوناً فقط، وفقًا لمنظمة "إنقاذ الطفولة"، مما يؤثر على برامج المساعدات في جميع أنحاء العالم، على الرغم من قول الحكومة إن إنفاقها على المساعدات سيركز على منع المجاعة.