وثقّت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في تقرير نشرته اليوم الخميس، عشرات الحالات لموقوفين في تونس، وقيّمت فعّالية منظومة البحث والتوثيق الطبي والطب الشرعي في البلاد، ودورها في مكافحة الإفلات من العقاب.
وبين عشرات الحالات التي وثقّتها المنظمة وفاة شخص يدعى أسامة كان يعاني من مرض نفسي جعله عنيفاً أحياناً. وأورد التقرير أنّ "والدة أسامة اتصلت بمركز بوشوشة الأمني في العاصمة تونس حين تعرّض ابنها لإحدى النوبات، وطلبت من عناصر الجهاز مساعدتها في تهدئة ابنها، كما فعلوا سابقاً، لكنهم نقلوه هذه المرة إلى مركز الأمن، ثم إلى سجن المرناقية حيث توفي في اليوم التالي في ظل ظروف غامضة. أما تقرير الطبيب الذي عاينه فأورد أن "الضحية أبكم، وظهرت عليه آثار رضوض وجروح"، من دون أن يوضح تفاصيل الإصابة.
إلى ذلك، تحدثت المحامية فاتن العباسي، التي تعمل لحساب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، عن حالة رياض الذي توفي داخل السجن قبل 6 أشهر.
وقالت لـ"العربي الجديد": "نال رياض حكماً لمصلحته بعدم المؤاخذة الجزائية وضرورة الإيواء الوجوبي عبر إيداعه في مستشفى متخصص بالأمراض العقلية، لكنه بقي في السجن بسبب عدم وجود أماكن شاغرة، ثم توفي بطريقة غامضة، ويشتبه في أنه تعرّض لتعذيب داخل السجن، في حين أبلغت السلطات عائلته أنه تعرّض لحادث سقوط. وحتى اليوم لا تتوفر معطيات كافية عمّا حصل لرياض، وقدِمت شكاوى عدة لم ينظر في أي منها".
تابعت: "بقاء رياض داخل السجن لم يكن منطقياً، وقد زرته قبل وفاته وعاينت حالته المتردية إذ كان عاجزاً عن الحركة بعد حادثة تعرّض لها، وتسببت في إصابته بشلل نصفي، ثم تُوفي ولم تستكمل أعمال التشريح، ولا تزال الأبحاث جارية".
وقالت مديرة برنامج "سند" التابع للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب نجلاء الطالبي، لـ"العربي الجديد": "رُصدت أكثر من 900 حالة تعذيب وسوء معاملة في تونس منذ عام 2013، أي بين 120و150 حالة سنوياً، وقد يحصل التعذيب وسوء المعاملة في الشارع أو في سيارات الأمن أو مراكز الاحتفاظ، أو داخل السجون".
أضافت: "يصعب الوصول إلى الوثائق الطبية التي تعتبر حجر الأساس في أي ملف ينظر فيه القضاء لأنها مهمة في إثبات الاعتداءات، سواء جرى تسريح الضحية أو أودع السجن، وحتى في حالات الموت".
وأوضحت المستشارة القانونية في المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب إيناس لملوم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ "تقرير المنظمة جاء بعد 15 شهراً من البحث والتوثيق، واستند إلى لقاءات أجريت مع متخصصين في المجالات الطبية وقضاة، وتحليل 122 وثيقة طب شرعي تضمنتها ملفات لضحايا تعذيب وسوء معاملة في تونس، وتنظيم الفريق القانوني في المنظمة 4 ورش عمل".
تابعت: "يوّثق برنامج سند الذي تعتمده المنظمة منذ عشر سنوات حالات التعذيب وسوء المعاملة، ويمثل قاعدة أساسية لعملها. وكشف التقرير الحالي أن عائلات ضحايا التعذيب يجدون صعوبات كبيرة في الوصول إلى العدالة".
أضافت: "تمثلت أبرز العقبات التي حددها التقرير في وجود ثغرات عدة سمحت بالإفلات من العقاب، لم تقتصر على غياب الأدلة الطبية والشرعية فقط، بل امتدت إلى التأثير على جوانب أخرى خلال محاولة الضحايا نيل العدالة. ونحن نأمل صدور توصيات تمهّد لمحاورة مختلف السلطات، فالمشكلة معقّدة ولا يستطيع المجتمع المدني أن يصل إلى حلول من دون أن يتعاون مع السلطات المختصة".
وقال نائب رئيس المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب مختار الطريفي، لـ"العربي الجديد، إنّ "المجتمع المدني في تونس يحضر غالبية اللقاءات التي تعقدها المنظمة، وأيضاً أطباء وقضاة، لكن الإشكال الأساسي هو مع الجهات الرسمية، إذ لا تلبّي وزارات الداخلية والصحة والعدل هذه الدعوات، علماً أن التعامل مع مسؤوليها أصبح أيضاً أكثر صعوبة من السابق، ومنذ نحو سنتين، تراجع تعاوننا مع الهيئة العامة للسجون، وذلك بطلب من مسؤوليها".