أثار حكم صادر عن المحكمة الابتدائية في الكاف، شمال غربي تونس، بالسجن مدة 30 سنة على ثلاثة شبان من الجهة بتهمة استهلاك مواد مخدّرة في ملعب رياضي بالمنطقة، جدلاً وغضباً واسعاً لدى العديد من التونسيين والمنظمات الحقوقية الذين وصفوا الحكم بـ"المجحف" في حق الشبان.
وقال مساعد وكيل الجمهورية والناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في الكاف، فوزي الداودي، إنّ "سبب الحكم هو أنّ القضية ليست مجرد قضية استهلاك، وإنّما طبقاً لأحكام الفصل السابع من القانون رقم 52 المؤرّخ في 18 يناير/كانون الثاني 1992، فهو ينص على العقوبة بالسجن مدة تتراوح بين 10 إلى 20 سنة سجناً لكلّ من خصّص أو استعمل أو هيأ مكاناً لاستغلاله في تعاطي أو ترويج مواد مخدّرة".
وأوضح، في تصريح إعلامي، أنّ "القضية تتعلّق باستغلال ملعب رياضي في مدينة الكاف من أجل استهلاك مواد مخدّرة، ما ينتج عنه تطبيق الفصل 11 من القانون نفسه، وهو ينصّ على تطبيق أقصى العقوبة لمرتكب هذه الجريمة في أماكن عامة أو ملاعب رياضية".
وقال الداودي إنّه "تمّ الحكم على الشبان الثلاثة بـ5 سنوات سجن بسبب الاستهلاك و5 سنوات أخرى بسبب الحيازة، يضاف إليها 20 سنة لاستهلاك المواد المخدّرة في ملعب رياضي عام بالكاف، وبالتالي كان الحكم 30 سنة".
وأفاد بأنّ الملعب الرياضي، حيث قُبض على الشباب الثلاثة، هو ملعب قانوني يتبع وزارة الشباب والرياضة، وهو غير مهمل كما يروّج البعض. وأضاف أنّ "أحد الشباب المحكوم عليهم يعمل حارساً في الملعب، والقضاء سلطة تنفيذية وليست تشريعية، ومن يعتبر الحكم قاسياً عليه التوجه للسلطة التشريعية".
من جهته، قال نائب رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" المحامي بسام الطريفي، في تصريح لـ"العربي الجديد" اليوم السبت، إنه يعتبر الحكم الصادر على الشبان الثلاثة بحبسهم 30 عاماً من أجل استهلاك مادة مخدّرة، "في غير محله، ولم يتمّ تطبيق القانون بالكيفية المطلوبة حيث كان يجب أن يكون أكثر رحمة".
وأوضح الطريفي أنّ "هناك خرقاً واضحاً وتمّ تطبيق 3 ظروف تشديدية من دون مرعاة ظروف التخفيف"، مؤكداً أنّ "اللجوء لأقصى عقوبة غير مقبول وكان يمكن الاكتفاء بعقوبة مخفّفة". وأضاف أنّ "القانون رقم 52 بصدد تدمير مستقبل العديد من الشباب وظلم الأجيال، فرغم تنقيحه في مناسبة سابقة، إلاّ أنه لا يزال يتضمن عدة عقوبات قاسية لا تتلاءم والجرم المنسوب".
وبيّن المحامي أنّ "القانون لا يزال يعاقب بالسجن، وتصل العقوبة إلى 5 أعوام للاستهلاك. وعندما تمّ تنقيحه لترك المجال لتقدير القضاء، كان ذلك سريعاً وشمل التنقيح فصلاً واحداً، ما يترك للقاضي حرية اختيار العقوبة، ولا يتقيّد بسنة سجناً أو بعقوبة غير سالبة للحرية".
ودعا نائب رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" إلى ضرورة إعادة النظر في القانون وعرضه على مجلس نواب الشعب، "لكونه يتضمّن عدة نقائص تمثّل خطراً على الحريات والحقوق وعلى مستقبل الشباب ممن قد تزلّ بهم القدم، مع وضع استراتيجية واضحة للوقاية والعلاج من المخدرات وتكفّل الدولة بالراغبين في المعالجة من الإدمان".
ولفت إلى أنه تمّ عرض مشروع قانون خلال فترة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي على البرلمان، الذي وعد في مجلس الأمن القومي بالعمل على عدم تتبع وسجن الشباب في قضايا استهلاك القنب الهندي، ولكن لم يتم النظر فيه، "وبالتالي لا بد من إعادة نشر مشروع القانون وإدراجه للمناقشة في لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب"، بحسب الطريفي.
وانطلقت حملات على شبكات التواصل الاجتماعي مندّدة بالحكم، ورفعت شعارات "بدل 52" أي غير 52، في إشارة إلى النص القانوني الذي تمّ الاستناد إليه في هذا الحكم.