حين اتخذت الجزائرية زهية (28 عاماً) قرار الزواج، كانت تدرك أن أحوال زوجها المادية متواضعة، لكونه يعمل في مجال البناء. وبعد مرور أشهر قليلة، لاحظت إهمال زوجها للبيت، والاعتماد عليها في كلّ شيء. وبعدما أنجبت توأمين، بات والدها يتحمل كل المصاريف. هذه الظروف التي مرت بها جعلتها تفكر في الانفصال عن زوجها، إذ لم تعد تحتمل هذا الواقع الذي تعيشه.
قصة زهية التي تقطن في ولاية بسكرة (تقع في الجهة الجنوبية الشرقية من الجزائر) تتكرّر يومياً في المحاكم الجزائرية، إذ لا يمكِن المرأة المتزوّجة طلب الطلاق إلّا في حالات قليلة. وعادة ما لا يتقبل المجتمع الجزائري أن تكون المرأة الطرف المبادر بإنهاء رابط الزواج، والحديث عن الأسباب التي دفعتها إلى ذلك أمام القاضي في المحكمة، ثم عقد جلسات صلح قبل الفصل في القضية. في المقابل، تجد الجزائريات سهولة في طلب الخلع، إذ لا يتطلب ذلك ذكر الأسباب، بل يشترط بدلاً مادياً تدفعه المرأة للرجل.
في هذا السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة الجزائر، الباحثة في قضايا الأسرة، نعيمة عرامة، إنّ "الخلع أصبح ظاهرة، وليس مجرد حالات فردية". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ الأرقام غير الرسمية تشير إلى تسجيل أكثر من عشرة آلاف حالة خلع خلال عام 2021، وهو رقم مرتفع مقارنة بعدد الزيجات المسجلة.وبحسب المحاكم الجزائرية، كثيراً ما تتعلق الخلافات بين الزوجين بعمل الزوجة أو راتبها الشهري، واستيلاء الرجل على راتب المرأة، الأمر الذي يدفعها إلى طلب الخلع.
وتسجل المحاكم ارتفاعاً في حالات الانفصال بين الأزواج. ويقول المحامي وأستاذ القانون في كلية الحقوق والعلوم الإدارية في جامعة الجزائر عبد اللاوي حساني، إنّ البلاد تسجل سنوياً نحو 15 ألف حالة خلع. وتشير المادة إلى أنّه "يجوز للزوجة من دون موافقة الزوج أن تخلعه في مقابل بدل مالي". وتمنح المادة الـ 54 من قانون الأسرة عام 2005 المرأة حقاً شخصياً لإنهاء رابط الزواج من طريق الخلع وبإرادتها من دون الحاجة إلى موافقة الزوج، ومن دون مراعاة الأسباب أيضاً. ويشير إلى أنّ القانون أعطى مفهوماً واسعاً للخلع، إذ حُدِّدَت طبيعته على أنّه تصرف انفرادي من المرأة.
من جهتها، تشير متخصّصة في علم النفس، طلبت عدم ذكر اسمها، إلى أنّ هناك أسباباً كثيرة لطلب الخلع في الجزائر، أهمها عجز الكثير من المتزوجات عن إثبات الضرر المعنوي والمادي في العديد من النزاعات بينهن وبين الأزواج، خصوصاً تلك المرفوعة للنظر إليها أمام المحاكم، الأمر الذي يسمح للمرأة بالمطالبة بالانفصال من دون تحميلها إثبات الضرر أو الإدلاء بدوافعها للخلع. وتلفت إلى ممارسة الكثير من الأزواج العنف اللفظي. ويرفض الكثير من هؤلاء الطلاق، حتى وإن عرضت المرأة مبلغاً من المال في مقابل الخلع، نظراً لذكورية للمجتمع الجزائري الذي يرفض أن تخلعه زوجته. من هنا، إنّ عدم إمكانية إثبات الضرر يدفع المرأة إلى الخلع الذي لا يشترط إثبات الضرر، إذ إنّ سوء العشرة الزوجية غير كافٍ لطلب الطلاق بسبب صعوبة إثباته، وبالتالي كثيراً ما ترفض المرأة دعاوى الطلاق.
بالإضافة إلى ما سبق، هناك عوامل أخرى جعلت الخلع سهلاً، مقارنةً بدعاوى الطلاق، إذ إنّ القانون الجزائري لم يلزم المحكمة بمحاولات الصلح قبل النطق بالخلع، بل اكتفى بتقدير القاضي المقابل المالي للخلع. كذلك إنّ الحالة الاقتصادية للمرأة سببت ارتفاع حالات الخلع في الجزائر. فالمرأة العاملة تجد نفسها قادرة على إعالة نفسها من دون الحاجة إلى الاستمرار في زواج لا يوفر لها أدنى شروط العيش.
بدورها، تتحدث الإعلامية فتيحة بوروينة، عن تغيّرات في الحياة الزوجية في العصر الحديث، خصوصاً بين الأزواج الجدد، بفعل مواقع التواصل وغيرها من الأمور، إذ باتت مقومات الزواج تختلف عن الأنماط التقليدية المألوفة. من جهة أخرى، يصدق كثيرون الحياة الرومانسية التي تصورها الأفلام، الأمر الذي لا يتطابق مع الواقع، ويؤدي إلى حدوث مشاكل بين الأزواج، وقد يؤدي إلى الطلاق في النهاية. لذلك، يتطلب الحفاظ على الأسرة جهداً من الطرفين، في ظل العيش في عصر يزيد الضغوط على الزوجين، بحسب بوروينة.
في 13 يناير/ كانون الثاني 2020، أعلنت رئيسة الجمعية الجزائرية لحقوق المرأة المطلقة خلفية فتيحة أن "ظاهرة الطلاق في تزايد مستمر وبشكل مخيف، وأصبحت تهدد بيوت الجزائريين". وأشارت إلى تسجيل 47 ألف حالة طلاق عام 2014، وارتفعت إلى 58 ألف حالة عام 2016، في حين بلغت عام 2018 زهاء 68 ألفاً.