على الرغم من العقبات الكثيرة أمام التعليم عن بعد، لا سيما في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، ذي الخدمات السيئة سواء في التجهيزات أو الكهرباء أو الإنترنت، تمكنت المعلمة نسرين أموم، من مخيم البريج، وسط القطاع، من تجاوز الظروف التي فرضها فيروس كورونا الجديد، لا سيما على صعيد التفاعل بين المعلمين والمتعلمين، وحوّلت دروسها إلى مقاطع فيديو تبثها عبر موقع "يوتيوب".
تعلّم أموم الجغرافيا لتلميذات الثانوية العامة في مدرسة "بنات البريج الثانوية"، وتمكنت من تحقيق تفاعل مع تلميذاتها من خلال قناتها على "يوتيوب"، إذ تصورها في منزلها، أو في المدرسة. تقول لـ"العربي الجديد": "فكرة إنشاء القناة ليست جديدة وكانت تراودني منذ سنوات، لكن مع انتشار الفيروس، حتم عليّ واجبي تجاه التلميذات خصوصاً مع إغلاق التعليم الوجاهي، تنفيذ الفكرة وإنشاء قناة تعليمية سمّيتها: سلسلة مبحث الجغرافيا مع الأستاذة نسرين أموم. وبدأت أناقش المنهاج بالتسلسل معهن، مع تقديم شروح مفصلة وأسئلة اختبارات السنوات السابقة".
عدم الانتظام في وقت الحصص الإلكترونية المحددة، كان من دوافع إنشاء القناة حتى تتمكن التلميذات من مشاهدة الدرس بالكامل في أيّ وقت. وتقول أموم: "لاحظت عدم حصول التلميذات على أجهزة كومبيوتر أو حتى هواتف ذكية خاصة بهن، كما أنّ بعضهن تتضارب فترة دروسهن المباشرة مع أشقائهن".
في البداية، بدأت في تسجيل الدروس في منزلها، إذ كانت تفتح كاميرا الهاتف بعد تثبيته على الأرض، وتشرح الدروس رفقة خريطة العالم، مع توضيح بعض الدروس عبرها، فيما يساعدها في ذلك أحد أبنائها الصغار. تعمدت أموم وضع الخريطة في معظم الحصص معها، فهي تلاحظ صعوبة تحديد التلميذات نقاط الجبال والأنهار والبحار وكذلك تحديد الدول والظواهر الجغرافية عبر الخريطة، لذلك تركز على هذه النقاط بالذات، مع غيرها، علماً أنّ التدريس باعتماد الخريطة لم تلحظه المناهج.
هكذا، تمكنت من الحصول على انتباه التلميذات وفهمهن للمادة، مع مشاركتهن في الأنشطة تدريجياً، مع العلم أنّها تشرف على 220 تلميذة في شعب صفية مختلفة. وقد لاحظت أنّ المستوى ارتفع لديهن، خصوصاً أنّ العدد الأكبر منهن استطاع إعادة شرح الظواهر الجغرافية وتمركز الجبال وغيرها، بعدما باتت مراجعة الدروس متاحة عبر يوتيوب.
تقول أموم لـ"العربي الجديد": "نعيش في مخيم للاجئين ظروفه صعبة، كما أنّ التيار الكهربائي لا يتوفر عند الجميع في الوقت عينه، وفي بداية الأزمة كان ينقطع لفترات أطول من الوقت الراهن. كنت على تواصل مع جميع التلميذات أو ذويهن عبر مجموعات واتساب، فأرسل إليهن أسئلة متعلقة بالمادة، وهو ما يتيح لهن جميعاً حلّ الأسئلة في أيّ وقت، فأنتظر يوماً أو يومين، وبعدها أصحح الإجابات، وأرسلها مجدداً لهن".
عندما أنشأت المعلمة قناتها باتت تحظى بنسبة من المتابعين من تلاميذ الصف الثاني عشر من مناطق مختلفة في قطاع غزة، ولاحقاً انضم إليها متابعون من محافظات فلسطينية في الضفة الغربية. كذلك تواصل معها عدد من المشرفين التربويين الحكوميين ومنحوها نصائح حول المنهج والاستمرار في تسجيل دروس المادة. لكنّ أموم واجهت صعوبة أخرى، فهي احتاجت لأكثر من ثلاثة أيام كاملة لرفع أول درس من الدروس على قناتها، كما تشير. بعدها تواصلت مع شركة الاتصالات التي توفر خدمات الإنترنت عبر الهاتف فزادت سرعة التحميل بمقدار الضعفين. وبالرغم من ذلك، واجهت مشكلة بسبب الضغط على استخدام الإنترنت من المشتركين في غزة، فتغلبت عليها بقطع اشتراكها عن كلّ الأجهزة في المنزل كي تتمكن من تحميل المقاطع، مع ما في ذلك من تأثير سلبي على مستوى تمكن أبنائها من الحضور في دروسهم الإلكترونية المباشرة أو أداء واجباتهم. ويستغرق تحميل الدرس الواحد ما بين 7 و8 ساعات، كما تقول.
بعد قرار وزارة التربية والتعليم بعودة تلاميذ الصف الثاني عشر (الثانوية العامة) إلى المدارس، لم تكفّ المعلمة عن تسجيل الدروس وعرضها على قناتها، إذ إنّ الحضور إلى المدرسة يقتصر على ثلاثة أيام أسبوعياً، فيما يحتاج بعضهم للإسهاب في شرح الدروس. وبذلك، باتت تسجل الحصص داخل الفصل، بالصورة والصوت، وتحمّلها على القناة، حتى تراجع تلميذاتها المعلومات كاملة. وتقول: "يجب أن نعترف كمعلمين بأنّه لا شيء يغني عن التعليم الوجاهي، لكن في ظلّ الظروف الحالية وانتشار الوباء، أفضل وسيلة كانت الدروس عبر يوتيوب. تلقيت حافزاً كبيراً وبعض النصائح من مديرة المدرسة نجوى المقادمة للاستمرار، شعوراً منها بظروف التلميذات، حتى يفهمن الدروس ولا يفكر أهاليهن باللجوء إلى الدروس الخصوصية".