دعا حقوقيون أردنيون إلى تعديل أو إلغاء قانون منع الجرائم لسنة 1954 الذي يعطي للحاكم الإداري (المحافظ والمتصرّف) صلاحيات قضائية ويمنحه سلطة التوقيف الإداري بحقّ أشخاص بدعوى منع الجرائم، مطالبين بمنح هذه الصلاحيات إلى المحاكم النظامية حصراً.
وجاء ذلك في خلال جلسة حوارية، اليوم الأربعاء، تحت عنوان "التوقيف الإداري وضوابطه وفقاً لقانون منع الجرائم"، نظّمتها جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) ومركز العدل للمساعدة القانونية في الأردن.
وفي الوقت الذي انتقد فيه الحقوقيون والأكاديميون قانون منع الجرائم، رأى ممثلون عن الحكومة أنّه قانون رادع ويطبّق على الحالات الخطرة، سواء أكان الخطر على المجتمع أو على الأشخاص أنفسهم. يُذكر أنّه من الأشخاص الذين يُطبَّق بحقّهم التوقيف الإداري، الناشطون السياسيون والعمّال المهاجرون ونساء تعرّضنَ للتعذيب وأصحاب السوابق والمتورّطون بشجارات عشائرية وجرائم قتل.
ويستند الحكام الإداريون إلى بنود قانون منع الجرائم المعمول فيه منذ عام 1954، في عملهم بالتوقيف الإداري، والذي يمنحهم السلطة في فرض كفالة أو حجز أو تقييد حرية الأشخاص الذين يرون أنّهم أتوا بأفعال تستوجب اتّخاذ إجراءات عقابية بحقهم، خصوصاً مَن وُجد في مكان عام أو خاص في ظروف تُقنع الحاكم الإداري بأنّ الشخص المعني كان على وشك ارتكاب جرم أو المساعدة في ارتكابه أو كلّ من اعتاد اللصوصية أو السرقة أو حيازة الأموال المسروقة أو اعتاد حماية اللصوص أو إيواءهم أو المساعدة في إخفاء الأموال المسروقة أو التصرّف فيها أو كلّ من كان في حالة تجعل وجوده طليقاً بلا كفالة خطراً على الناس.
وقال المنسق الحكومي لحقوق الإنسان نذير العواملة إنّ المحكمة الدستورية خلصت إلى أنّ قانون منع الجرائم لا يتعارض مع الدستور، وأنّه في حال كان ثمّة خلل في الممارسة أو تطبيق القانون فهذا لا يؤدي إلى اعتبار القانون غير دستوري. أضاف أنّ "إيجابيات قانون منع الجرائم أكثر من سلبياته، ونزع الصلاحيات الممنوحة للمحافظ سوف تكون له نتائج سلبية، إذ إنّ دور الحاكم الإداري قبل وقوع الجريمة. أمّا بعدها، فيكون من اختصاص القضاء". ولفت إلى أنّه يجوز للشخص المتضرر أن يطعن بقرار الحاكم الإداري.
من جهته، قال عميد كلية الحقوق في "جامعة البترا" علي الدباس إنّ كثيرين غير راضين عن قرار المحكمة الدستورية، مشيراً إلى أنّه على الرغم من المحاولات المستمرة لتغيير القانون فإنّ الجهات الرسمية متمسّكة به إذ ترى أنّه يمنع جرائم عديدة. ورأى الدباس وجوب فرض رقابة على تنفيذ هذا القانون إدارياً من قبل وزير الداخلية، والأهم الرقابة القضائية، إلى جانب وضع ضوابط واضحة ومحدّدة لتطبيق القانون. وتحدّث الدباس عن إساءة استخدام للسلطة أحياناً من خلال التوقيف الإداري، فيما يُصار في أحيان أخرى إلى توقيف أشخاص لا يشكّلون خطراً على السلامة العامة، لافتاً إلى أنّه مطّلع على حالات توقيف كيدية.
في السياق نفسه، قال الرئيس الأسبق للجنة القانونية في مجلس النواب الأردني مصطفى ياغي إنّ هذا القانون يُطرَح دائماً للتعديل، لكنّ الاقتراحات توأد في مكانها، علماً أنّ المواقف تختلف باختلاف المواقع. وشدّد ياغي على ضرورة وضع ضوابط للقانون، لا سيّما أنّ السلطة التقديرية للحاكم الإداري مطلقة وفقاً للقانون الحالي، خصوصاً قيمة الكفالة العدلية. وأكّد أنّ ثمّة تعسّفاً في استخدام السلطة التقديرية للحاكم الإداري أحياناً.
في المقابل، شدّد ممثل وزارة الداخلية الأردنية عبد الكريم أبو دلو على أنّ قانون منع الجرائم يحافظ على الأمن والاستقرار المجتمعيَّين، وإنّه ليس فضفاضاً ولا يُطبَّق بمزاجية.
وفي الجلسة الحوارية نفسها، بيّن مدير مركز البحوث والدراسات التابع لمؤسسة الملك الحسين، أيمن هلسا، أنّ قراراً صدر عن المحكمة الدستورية الفلسطينية بتأييد الطعن بعدم دستورية قانون منع الجرائم الفلسطيني، وذلك بعد 10 أيام من صدور قرار للمحكمة الدستورية الأردنية قضى بردّ الطعن بدستورية التوقيف الإداري. وأوضح هلسا أنّ قرار التوقيف الإداري في فلسطين يأتي بعد الحصول على إذن قضائي، كذلك بعد عرض التهم على الفرد، بالتالي لا يجوز الاعتقال إلا بقرار قضائي.
ولفت هلسا إلى أنّ المحكمة الدستورية الأردنية بحسب ما يبدو، تعتمد على المعيار الشكلي في الرقابة المفروضة على دستورية القوانين والأنظمة، وقد اكتفت بالإشارة إلى جواز تقييد الحريات بقانون من دون الدخول بأيّ تفاصيل أخرى في قرار يقع في ثماني صفحات، معظمه مقدمة القرار وسرد النصوص القانونية، بخلاف التحليل المتأني والدقيق للنصوص القانونية وأثرها على نصوص الدستور (القانون الأساسي) من قبل القضاء الدستوري الفلسطيني.
أمّا المديرة التنفيذية لجمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان لندا كلش فرأت أنّ كلفة الطعن بالقرار الإداري عالية جداً، كما تستغرق وقتاً كثيراً في ظلّ حجز حرية للفرد. وتحدّثت عن حالات توقيف كثيرة للعمّال المهاجرين، تتراوح ما بين يوم واحد و3.5 أعوام، الأمر الذي يمسّ بحقوق الإنسان بصورة كبيرة.
وكانت دراسة أعدّها مركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان الأردني في العام الماضي قد بيّنت أنّ الكلفة المالية والاقتصادية لانتهاكات حقوق الإنسان في الأردن، المتعلقة بالتوقيف الإداري، تُقدَّر بنحو 26 مليون دولار أميركي سنوياً.